كتب

مؤرخون وعلماء يستعرضون سبل التعامل مع الأوبئة عبر الأزمنة

علماء ومؤرخون يستعرضون سبل التعامل مع الأبئة عبر التاريخ وصولا إلى كورونا
علماء ومؤرخون يستعرضون سبل التعامل مع الأبئة عبر التاريخ وصولا إلى كورونا
صدر عن مركز خيال بالشراكة مع دار خيال للترجمة والنشر، كتاب "سلسلة أعمال مؤتمر الأوبئة عبر التاريخ"، تحت إشراف الأستاذ قاضي هشام بصفته رئيسًا للمؤتمر (الجزائر، 2021).

يجمع هذا الكتاب بين دفتيه جملة من البحوث التي قُدمت في أعمال المؤتمر الافتراضي الدولي الموسوم بــ"العلوم االإنسانية والاجتماعية رؤية جديدة بعد الجائحة"، الذي عُقد في الجزائر (كانون الأول/ ديسمبر 2020).

يقع الكتاب في 289 صفحةً من القطع الكبير، ويتألف من تسعة عشر بحثًا، شارك في تأليفه ثلّة من الأساتذة والباحثين المختصين في علم التاريخ.

يهدف د. موسم عبد الحفيظ، في دراسته "جائحة كورونا ضمن اهتمامات التاريخ والمؤرخين"، إلى "تسليط الضوء على أهمية علم التاريخ ودور المؤرخين في التفاعل مع جائحة كورونا. من خلال الإشارة إلى دواعي وأسباب اهتمامهم بالجائحة، ومنهجيتهم المعتمدة في محاولة فهمها، مع تقديم قراءة موجزة عن واقع التأريخ لها في ظل التحديات الراهنة" (ص 2- 15).

تختص دراسة د. عثماني أم الخير، بعنوان: "التأريخ للأوبئة والأمراض في المصادر المشرقيّة الإسلاميّة بين القرنين (1و5هـ/8 و11م)"؛ بتتبع الظاهرة التاريخية للأمراض والكوارث المختلفة، انطلاقًا من تحديد المفاهيم لبعض التسميّات، فأسباب الأوبئة والطواعين، ثمّ بعض الآثار والتداعيات. (ص 16- 26).

تري د. سميحة ديفل، في دراستها "علم الآثار ودوره في التأريخ للأوبئة عبر التاريخ"، أن علم الآثار مكننا من "معرفة الأوضاع المزرية سواء أكانت على المستوى الاقتصادي أم الاجتماعي للمجتمعات في ظل اجتياح الجوائح والأوبئة في العصور القديمة(...)، عن طريق تفحص وتحليل الهياكل العظمية، استطاع علماء الآثار إعطاء معلومات عن كيفيه عيش البشر في حقب ماضية. وكذلك أمراضهم وسبب فنائهم" (ص 37).

وفي الورقة البحثية لـ د. سهام بومنير، تحت عنوان "الأوبئة في الدولة العثمانية خلال القرنين 18م و19م من الأزمة إلى المواجهة"، خلصت إلى "عجز الدولة العثمانية عن احتواء النتائج الكارثية للأوبئة خلال القرون التي سبقت القرن التاسع عشر جعلها منطقة موبوء (...) أثبتت هذه الأوبئة مدى التخلف العلمي والثقافي الذي كانت تعانيه المجتمعات العثمانية(...) أما القرن التاسع عشر، فقد استطاعت السلطات العثمانية الحد من الآثار الكارثية للأوبئة" (ص 52).

تطرقت د. هاجر بن منصور في دراستها "الطاعون الأسود من آسيا إلى الغرب الإسلامي ـ الأسباب والتداعيات"، وبحسب دراستها، "كان أول ظهور للطاعون الأسود في آسيا الوسطى، وانتقل إلى مناطق الغرب الإسلامي عبر التجارة، وكانت له آثار مدمرة للغرب الإسلامي، أدى إلى ضعف وسقوط دويلات الغرب الإسلامي" (ص 64).

أما دراسة "الكرنتينة من خلال كتاب إتحاف المنصفين والآدباء بمباحث الاحتراز من الوباء لـ "حمدان خوجة"، للباحثتين نجاة رزوق وهيبة كنيوة، فقد تحدثتا عن "الكرنتينة (وهي مدة الحجر الصحى، أربعين يوما) من بين الطرق الوقائية الاحترازية التي طبقت قديمًا وحديثًا، وتعرفنا على حيثيات هذا الإجراء، وكيف كان يطبق قديما وذلك من خلال أحد المصادر المهمة التي عالجت هذا الموضوع، والتي تعود إلى الفترة العثمانية بالجزائر؛ وهو كتاب حمدان خوجة )إتحاف المنصفين و الآدباء بمباحث الاحتراز من الوباء)" (ص 67- 81).

حاول الباحث سويقات محمد، في ورقته البحثية "الوضعية الديمغرافية والوبائية في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي"، "التطرق للوضعية الديمغرافية والوبائية في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي، حيث لاحظنا انخفاضًا كبيرًا في أعداد السكان المسلمين خاصة خلال الخمسين سنة الآولى من دخول المستعمر، ويمكن إرجاع ذلك إلى سلسلة الكوارث التي عرفتها الجزائر خلال هذه الفترة لاسيما مجاعة سنة 1868 ووانتفاضة 1871 التي أتبعت بقمع عنيف، إضافة إلى عدد من الآوبئة كالكوليرا والملاريا والتيفوس والجدري والطاعون ، والتي أثرت بشكل واضح على الآوضاع الصحية للسكان" (ص 82- 97).

وفي الورقة البحثية المقدمة من د. خديجة حوتية ود. فاطمة الزّاهراء حوتية، بعنوان: "كتاب الآوبئة والمجاعات في الجزائر للبروفيسور مصطفى خياطي ـ دراسة وتقديم ـ"، تناقش كتاب الأوبئة والمجاعات في الجزائر للبروفيسور مصطفي خياطي، الذي يعد من بين الكتب الهامة التي يلجأ إليها الباحثون لانجاز دراساتهم الآكاديمية؛ فهو يعطي تشخيصًا للوباء الذي شهدته الجزائر معتمدًا على التحليل والتحقيق في المعطيات الواردة والمعلومات الطبية في التعريف بكل وباء على حدة، وهو مرجع هام للمؤرخين وللباحثين الذي لا يمكنهم الاستغناء عنه أثناء دراسة الآوبئة في تاريخ الجزائر." (ص 98 ـ 109).

أما الورقة البحثية "التراث الطبي العربي الإسلامي (مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الأوباء) للتميمي أنموذجا"، للباحث شوانة خولة، تناقش "موضوع الآوبئة في الثقافة التدوينية العربية الإسلامية خلال الفترة الوسيطية، وما خلفه من إرث أسهم في تكوينه المؤرخ والطبيب والفقيه كل حسب تخصصه وتوجه". (ص 110- 121).

يعالج د. زياني الصادق في ورقته البحثية تحت عنوان: "تاريخ الآوبئة بالفضاء البسكري وواحاته بين القرنين 10 و13 هـ/ 16- 19 م من خلال كتابات الرحالة"، الوضعية الصحية لجزء من المجال الجنوبي للجزائر ممثلا في الفضاء البسكري وواحاته. المحدد والمعروف جغرافيا ببلاد الزاب أو الزيبان خلال الفترة الممتدة من القرن الهجري العاشر/ 16م إلى منتصف القرن 13 هـ/ 19م، والهدف من ذلك تتبع تاريخ الوباء بهذا المجال الجغرافي المطروق، وحضوره من خلال المعطيات والنصوص الواردة في كتب الرحالة العرب والغربيين على مدى ثلاثة قرون كاملة، ومحاولة إبراز تأثيرات الوباء خلال الفترة المدروسة على مجتمع الزاب بشتى فئاته، بعدما قدمنا تركيبته ووضعيته" (ص 122- 135).

أما الورقة البحثية "دراسة إحصائية للأوبئة في الجزائر خلال العهد العثماني 1552م- 1822م ـ وباء الطاعون أنموذجًا ـ"، لكل من: د. عبد الرحمن قدوري، ود. حصاد عبد الصمد، ود. دربال سعيد، تتعرض إلى الأوبئة في "فترة الحكم العثماني للجزائر، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، خاصة وأن الجزائر قد أصبحت دولة قوية، وانفتحت بمصراعيها على عالم البحر المتوسط، وزادت علاقاتها الخارجية الإقليمية، والدولية بفضل اكتسابها لمكانة وهيبة دولية، وهي أمور زادت في توافد الآجانب الذين قدموا من مختلف أصقاع الآرض، وهذا الأمر سهل انتشار العدوى، وانتقال الآمراض التي لم تكن تعرفها الجزائر، خاصة وباء الطاعون الذي يعتبر من أخطرها، وأشدها ضررًا على البلاد، مع العلم أن الجزائر في ذلك العهد، لم تكن تملك منظومة صحية قوية، تعينها على ضبط الوضع، ولذلك تراجع عدد سكانها في الكثير من السنوات، وحدثت عدة أزمات اقتصادية نتيجة انعدام قواعد الصحة أضرت بالعباد والبلاد" (ص 136- 152).
 
وفي الورقة البحثية لكل من د. نظيرة شتوان ود. فلة موساوي، بعنوان:"ظاهرة الآوبئة في الدراسات التاريخية بالجزائر من الطاعون إلى كوفيد-19(ق 16- ق 21)"، يستخلص الباحثان أن "ظاهرة الآوبئة ليست جديدة بل عرفتها البشرية منذ العصور القديمة وتعاملت معها حسب تلك الظروف بما أوتيت من حكمة ووسائل علاج مستخرجة من أعشاب في الغالب متوارثة، والقليل منها مبني على أسس علمية، وكان الكثيرون آنذاك يأخذون بأسباب الوقاية لمجابهة العدوى، ونحن اليوم نوظف تلك التراكمات المعرفية المكتسبة من خبرات من سبقونا، على الآقل في الجانب الوقائي، والسعي لإيجاد اللقاح المناسب للقضاء على هذه الجائحة التي باتت تهدد البشرية" (ص 153- 167).
 
أما الورقة البحثية "وثيقة جزائرية مغمورة حول التداوي والتحرّز من الوباء لمحمد بن مصطفى بن الخوجة الجزائري" للباحثين د.دراوي امحمد وقنفود يوسف، "تتناول جانبًا من تاريخ الأوبئة والأزمات الصحية التي شهدتها الجزائر في الفترة المذكورة، من خلال التعرف على محتوى وثيقة تاريخية نادرة لابن الخوجة، تتضمن المآسي المهولة التي خلفتها الأوبئة وحفظتها الذاكرة التاريخية والشعبية، وتدابير الحجر والاحتراز التي أخذ بها الجزائريون لر د الوباء، وكذا الطرائق الطبيعية التي كانت متاحة للتداوي آنذاك؛ إذ يُبرز ابن الخوجة من خلال الوثيقة أهمية الصحة والمحافظة عليها، وعلاقة ذلك بالشريعة الإسلامية" (ص 168- 180).
 
تندرج الورقة البحثية المقدمة من كل عبد الكريم حماتيت وأسماء حاج محمد، تحت عنوان: "الآوبئة وتداعياتها الاجتماعية في المغرب الآوسط من ق 6 هـ/ 12م إلى ق 9 هـ/ 15م (دراسة في المتغيرات السلوكية والتصورات الذهنية)، "ضمن سياق الخطاب التاريخي الجديد المهتم بالتأريخ للأزمة، وهي تعكس في معظمها مخلفات الوباء الكارثية على مجتمع المغرب الأوسط من القرن ق 6 هـ/ 12م إلى ق 9 هـ/ 15م، ضمن مسار زمني وجغرافي واضح المعالم.

الغاية منها توصيف وتحليل الواقع السلوكي والذهني للمجتمع، خصوصًا بعد أن هيمن على تفكيره هاجس الخلاص من الأزمة، فانساق وراء معتقدات امتزجت فيها الخرافة بالسحر وطقوسه المختلفة، ووراء ممارسات منها ما هو إيجابي كالتكافل الاجتماعي، وبعضها الآخر اضطراري سلبي كاللصوصية والهجرة والطلاق" (ص 181- 197).
 
يتناول الباحث الحاج بن يوسف، في دراسته: "الجوائح المائية في الآندلس للقرنين (7 و8 هـ/ 13 و14م) ـ قراءة في الآسباب والتداعيات ــ"، "تحديد ماهية الجوائح المائية وعلاقتها بالأوبئة، وتحديد ما إذا كان للمناخ دور في ظهور الآوبئة والجوائح في الآندلس خلال الفترة المدروسة، لننتقل إلى شرح الآثار المترتبة عن الجوائح المائية (الاقتصادية والاجتماعية والذهنية")، (ص 198- 217).

وفي الورقة البحثية "وباء الكوليرا في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي"، للباحثة نادية بوكرسي، فتشير إلى أن المجتمع الجزائري عرف "خلال الاحتلال الفرنسي للبلاد العديد من الآوبئة الفتاكة التي أودت بحياة الكثيرين، وقد كانت الكوليرا أحد هذه الآوبئة التي عرفتها الجزائر عبر موجات متفرقة؛ إذ تسبب في ظهورها سفن قادمة من مدن موبوءة نحو الجزائر، حيث كانت الظروف مساعدة على انتشار الوباء الذي استشرى في البلاد، وتضرر منه الجزائريون بالدرجة الآولى بسبب الفقر، والجهل، ومستوى المعيشة المتدني، في ظل الاحتلال الفرنسي الذي زاد في تضررهم من هذا الوباء، وقد اتخذت سلطات الاحتلال العديد من الإجراءات للتصدي للكوليرا كالحجر الصحي وبناء المستشفيات، غير أنها كانت في صالح الأوربيين دون أبناء البلاد الآصليين" (ص 218- 227).
 
يشير كل من جلولي رقية وقدوري حليمة، في دراستهما "السلطة والمجتمع والتصدي للأوبئة في الجزائر ما بين القرنين (8- 13 هـ/ 14- 19م)"، إلى "مختلف الإجراءات الصحية التي تبنتها السلطة بشقيها السياسي والديني أنها سيدة القرار؛ فاتخذ المجتمع بدوره هو الآخر تدابير تكاد لا تتعدى إمكانياته الطبيعية. كما تتطرق هذه الدراسة إلى إفرازات الآوبئة على الحياة الاجتماعية وما خلفته من مظاهر تعكس صورة واضحة عن مستوى الوعي الصحي الذي تصدت به الجزائر للأوبئة على مر تاريخها" (ص 228- 244).
 
يخصص الباحث خالد بالضياف، دراسته المعنونه بـ "ابن خلدون وسرديات الوباء الجارف في بلاد المغرب العربي"، للحديث عن الطاعون الآسود أو الطاعون الجارف، وبحسب بالضياف "يعتبر ابن خلدون أحد أهم المؤرخين والعلماء الذين عايشوا هذا الوباء عن كثب، وأطلق عليه عدة أسماء كالوباء الجارف، والفناء الكبير، والموت العظيم.  ولا يمكن لأي دارس لتاريخ الآوبئة أو لحياة ابن خلدون أن يتجاهل هذا الوباء الذي عم العالم الإسلامي مشرقا ومغربا، حيث يمكن اعتباره بمثابة الحدث الكوني في القرون الوسط". وتحاول هذه الورقة البحثية أن تجيب عن الكثير من التساؤلات أبرزها: ما ماهية هذا الوباء؟ وما هي أسبابه في نظر ابن خلدون؟ وما أهم السجالات الفقهية والفكرية التي أثارها؟ وما هي أهم تداعياته؟ وبأي حال يمكن اعتبار الآوبئة عموما أحداثا مفصلية في فلسفة التاريخ؟ إلى أي مدى يمكن مقارنة الوباء الجارف ووباء كوفيد 91 اليوم؟ (ص 245- 263).

أما الباحث حزام لطفي، في ورقته البحثية "التأريخ للأوبئة عبر التاريخ: عام الرمادة، طاعون عمواس والشدة المستنصرية كنماذج"، يسلط "الضوء على ثلاث جوائح اجتاحت الدولة الإسلامية، منها عام الرمادة الذي ظهر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب سنة 18 هـ، والجائحة الثانية التي ضربت بلاد الشام وهي طاعون عمواس، وظهر هذا الوباء في فترة الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر. كما اجتاحت مصر في عهد الدولة الفاطمية وبالتحديد في عهد الخليفة المستنصر بالله مصيبة كبيرة تمثلت في الشدة المستنصرية سنة 457هـ" (ص 264- 277).
 
تأتي أهمية هذا الكتاب، من محاولة فهم وباء كوفيد-19 بالعودة إلى الماضي واستحضار مختلف الأوبئة التي عصفت بالبشرية في تاريخها الطويل، علها تنشد ضالتها بالتنقيب في ذاكرتها الجماعية وبحث أوجه تشابهها لمقارنتها ومقاربتها.

التعليقات (0)