هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على مقربة شهر واحد من موعد سحب القوات الأمريكية القتالية من العراق، جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأمر الذي فتح باب التساؤل واسعا حول مدى تنفيذ الانسحاب في ظل ما حصل من حرج كبير أمني للمنطقة الخضراء التي تُعد الأكثر تحصينا في البلاد.
في تموز/ يوليو الماضي، أعلن
الرئيس جو بايدن أنه بحلول نهاية عام 2021، ستنتقل القوات الأمريكية في العراق رسميا
لتقوم بدور غير قتالي، وقال للصحفيين إن "العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى
دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخبارية".
رسالة سلبية
وتعليقا على ذلك، قال أستاذ
العلوم السياسية في جامعة "النهرين" الدكتور أسامة السعيدي في حديث لـ"عربي21"
إن "توقيت استهداف الكاظمي لا يتعلق بالعملية السياسية والانتخابية في البلد،
وإنما موضوع الانسحاب الأمريكي بالتأكيد مرتبط بما حصل من محاولة للاغتيال".
وأوضح السعيدي أن "سحب
القوات الأمريكية من العراق يجب أن لا يرافقه أي فوضى سياسية يمكن أن تبعث برسالة للعالم
على أن العراق غير مؤهل لإدارة شؤونه من دون وجود أمريكي أو دولي على أراضيه".
ورأى الأكاديمي العراقي أن
"الحدث الذي حصل يبعث برسالة سلبية قبيل انسحاب القوات الأمريكية مفادها بأن العراق
قد يكون بلدا غير مستقر وربما يحصل ما لا يحمد عقباه بسبب الانسحاب بصيغته النهائية".
ولفت السعيدي إلى أن ما جرى
"تتحمله جميع الأطراف السياسية الأمنية العسكرية، لأن عليها أن تتحلى بالمسؤولية
ويكون لديها تقدير موقف دولي وإقليمي، لأنه لا يمكن أن يبقى العراق هو الخبر الأول على
وسائل الإعلام بسبب التصعيد الأمني".
اقرأ أيضا: WP: محاولة اغتيال الكاظمي تعود بنتائج عكسية مذهلة
وشدد على أن "محاولة الاغتيال
أهميتها تتعلق بالشخص المستهدف، فرئيس الوزراء لا يمثل نفسه، وإنما الصفة الرسمية والسيادية
للبلد، لذلك فالظرف حرج والتوقيت حساس، ولو
نجحت العملية (الاغتيال) لدخلنا في متاهة جديدة لا يُعلم متى الخروج منها، وقد تكون
شبيهة بما حصل للبنان على إثر اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري".
ونوه السعيدي إلى أن "الاستراتيجية
الأمريكية مقرة وتسير وفق توقيتاتها، بصرف النظر عن المعطيات على الأرض، ولا سيما أن
واشنطن هي من وقعت الاتفاق مع حركة طالبان وسلمت لهم البلاد، وهذه مفارقة أن تعطي الولايات
المتحدة صفة الرسمية لجماعة تصنفها "إرهابية" ثم توقع معها اتفاقية تسلم
لها البلاد والنظام السياسي في أفغانستان كان لا يزال قائما".
وأردف الأكاديمي العراقي "لذلك فالولايات المتحدة تتبع مصالحها أينما توجهت، وأن الكثير من المفارقات حصلت
في سياساتها سواء الخارجية أو حتى على مستوى سياسيات البلد الداخلية".
توقيت خطير
من جانبه، رأى الأكاديمي والباحث
في الشأن السياسي العراقي، الدكتور حيدر البرزنجي، في حديث لـ"عربي21" أن
"ما حدث فيه لغط كبير وتوقيت خطير ومحاولة لخلط الأوراق وإضفاء نوع من الفوضى
على الواقع السياسي العراقي خصوصا في هذا التوقيت، لأن البلد أكمل عملية انتخابية وهناك
اعتراضات ومظاهرات ضدها".
ولفت إلى أن "هذه المظاهرات استغلت لكي تأخذ الحكومة جانب العنف في مواجهة موجة الاحتجاجات هذه، بدلا من أن تتعاطى
وتتعامل معها بصورة شفافة، إضافة إلى التصعيد الخطير باستهداف منزل رئيس الوزراء".
واتهم البرزنجي "الولايات
المتحدة بالوقوف وراء حادثة محاولة اغتيال الكاظمي، ورمي الاستهداف على الإطار التنسيقي
(الشيعي)، لذلك عُقد اجتماع بين رئيس الوزراء وقوى (الإطار) أكدوا خلاله أنهم ليسوا
طرفا في استهدافه ولا يمكن أن يقوموا بذلك".
ورأى الباحث العراقي أن
"محاولات عدم الانسحاب الأمريكي من العراق هي التي تطفو على السطح اليوم، حيث
صرحت واشنطن في أكثر من مرة بعدم الانسحاب على اعتبار أن العراق يمثل قاعدة أساسية
في حماية أمن الكيان الصهيوني، وبالتالي لا يمكن لها أن تنسحب تحت مسميات وظروف عدة".
وأوضح أن "هذا الظرف، هو
عودة نشاط تنظيم الدولة في مدن عراقية، الذي يعطي مساحة لإبقاء القوات الأمريكية بحجة
أن العراق غير مستقر والوضع الأمني يستدعي بقاء القوات، لذلك جرى الاتفاق على الانسحاب
في نهاية العام الجاري. وأنا أشك في تنفيذه".
اقرأ أيضا: هل يستثمر الكاظمي الدعم الأممي للتحرك ضد المليشيات؟
واستبعد البرزنجي تطبيق التجربة
الأفغانية في العراق، بالقول: إن "الوضع الأفغاني مختلف تماما عن العراق، فالأخير
أكثر أهمية سواء سياسيا أو جغرافيا وحتى اجتماعيا، وأن احتمال عدم الانسحاب العسكري
الأمريكي أمر واقع وفقا للظروف التي ذكرتها آنفا".
واعتبر الباحث أن "كل هذه
الظروف في العراق تأتي ضمن سيناريو بقاء هذه القوات الأمريكية ومحاولة للتدخل في الشأن
السياسي للبلد، والدليل هو التصريحات التي صدرت من المسؤولين الأمريكيين، حيث سبق أن
قال المتحدث باسم الكونغرس إنهم سيتدخلون بطريقة مباشرة لحماية سيادة العراق".
وفي السياق ذاته، قال المسؤول
السابق بالخارجية الأمريكية ديفيد بولوك، الأربعاء، إن "الانتخابات العراقية،
وما أعقبها من محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ستجعل من الأسهل والأكثر ضرورة
بالنسبة للولايات المتحدة الإبقاء على بعض القوات غير القتالية في العراق".
وأضاف بولوك في تصريحات لقناة
"الجزيرة" القطرية أن "الأحزاب المتطرفة الموالية لإيران -والتي تريد
انسحابا أمريكيا كاملا- قد خسرت الكثير من المقاعد والنفوذ في الانتخابات الأخيرة،
والأهم من ذلك أن محاولة الاغتيال تظهر أن تلك الأطراف ومليشياتها لا تزال خطيرة جدا".
وتابع المسؤول الأمريكي السابق،
قائلا: "لذلك لا يزال معظم العراقيين يؤمنون بالحاجة إلى بعض الوجود والحماية
الأمريكية ويريدونها. حتى مقتدى الصدر يقول الآن إن المستشارين والمدربين العسكريين
الأمريكيين يمكنهم البقاء في العراق!"، على حد قوله.