قضايا وآراء

أداء الرئاسة التونسية بين زمنين.. للمقارنة والتاريخ (2من2)

أنور الغربي
1300x600
1300x600

بعد مرور 26 شهرا من أداء الرئيس قيس سعيد لليمين الدستورية وتقلده لمنصب رئيس الدولة فإننا لا زلنا نجد صعوبة حقيقية في جرد "الإنجازات" الفعلية. اليوم وبعد مرور 100 يوم عن الانقلاب وبالرغم من  سيطرة الرئيس على كل السلطات فإن الثابت أن الرجل ما زال يتحدث ويبدي رأيه في كل الأمور ولكن من موقع المتابع والمحلل البعيد عن موقع القرار والتوجيه والتنفيذ.

في الواقع يعتبر موقع رئاسة الجمهورية المرجع الوحيد للحصول على المعلومة لأن الرئيس لم يجر أي حوار مع الإعلام التونسي منذ دخوله قصر قرطاج، كما أن أغلب المستشارين إما استقالوا أو أقيلوا لأسباب غير معلومة للرأي العام.

موقع الرئاسة يذكر أسماء 7 مستشارين منهم 5 بدون مهام محددة وطبعا مع إلغاء أو تجميد كل الدوائر التي كانت تعمل مثل دائرة الشؤون الخارجية والديبلوماسية التي تشرف على ترتيب زيارات الرئيس للخارج أو لقاءاته مع الأجانب، ولا وجود للدائرة القانونية التي تعتبر هامة جدا لأنها مرجع النظر في كل الملفات تقريبا إضافة لتغييب دائرة الإعلام والتواصل وهذا ما أنتج المشهد التواصلي الضعيف للرئاسة وطبعا لا يوجد أي حضور لأقسام الخدمات الاجتماعية والتنموية أو العلاقة مع المجتمع المدني.

موقع الرئاسة يقتصر حاليا على نشر المعطيات باللغة العربية فقط بما يعني صعوبة كبيرة لدى غير العرب للاطلاع على ما يجري. 

الملاحظة الثانية أن النشاط الرئاسي المنشور في الموقع يتوقف عند كانون الثاني (يناير) 2015 بما يعني أنه يتجاهل فترة وجود الرئيس الأسبق منصف المرزوقي في القصر الرئاسي وهذا يقطع مع تواصل مؤسسات الدولة خاصة بعد الثورة.

وبالنظر أنه تأكد وفي أكثر من مناسبة بأن ما تنشره الرئاسة على صفحتها فهو إما غير دقيق أو مجتزأ  فإنه كان يتوجب الرجوع للمصادر الأخرى للخبر للمقارنة والتأكد من صدقية ما ينشر.
 
أخبار كثيرة نشرتها الرئاسة تبين وتأكد لاحقا أنها غير دقيقة، مما أضعف كثيرا من مصداقية ما ينشر على صفحة رئاسة الجمهورية. بالإضافة لمحتوى اللقاءات التي يعقدها رئيس الدولة في قرطاج التي غالبا ما كان ما تنشره الرئاسة لا يتماهى مع ما تنشره الأطراف الأخرى، فإن عددا من خطابات الرئيس أو بيانات الرئاسة أصبحت مادة للتندر والسخرية ومقياسا للعبث السياسي لدى مراكز بحثية وعلمية تتابع وترصد وتحلل الخطاب السياسي للقادة والزعماء، لدرجة أن مجرد ترجمة خطابات الرئيس وأحاديثه أمام ضيوفه تعتبر نوعا من الإهانة لمقام رئاسة الجمهورية في نظر المدافعين عن الرئيس.

وبالعودة لما نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة فقد أعلن مرارا عن تعرض الرئيس لمحاولات اغتيال إما بواسطة مادة الخبز أو بواسطة طائرة مسيرة أو عبر اعتداء خلال تواجده في الخارج، ووصل الأمر لدرجة الإعلان الرسمي عن وصول طرد مسموم لرئيسة الديوان التي أكد بيان الرئاسة بأنها أصيبت بشكل مباشر في عينها عند فتحها للظرف وحصلت لها أضرار كبيرة على مستوى البصر، وهو ما جعل عددا من القادة العرب يتصلون بالرئيس للاطمئنان باعتبارها كانت الحادثة الأولى، والكل كان يرغب في الاطمئنان على صحة المسؤول الأول في الدولة.. ولكن وبعد التحريات نفت النيابة العمومية لاحقا وجود أي آثار  لمواد سامة أو مشبوهة على الظرف المشار إليه وأغلق الملف. 

كما أن أحد تلك الرويات التي رددها الرئيس حول استهدافه كانت أحد الأسباب الرئيسية ـ إضافة لدعوته  للقبائل الليبية لحل الأزمة ـ لتوتير الأجواء مع الجيران في ليبيا وفقدان تونس لموقعها المتقدم للحصول على عقود إعاة بناء ليبيا وتشغيل مئات الآلاف من التونسيين.

 

 

أخبار كثيرة نشرتها الرئاسة تبين وتأكد لاحقا أنها غير دقيقة، مما أضعف كثيرا من مصداقية ما ينشر على صفحة رئاسة الجمهورية. بالإضافة لمحتوى اللقاءات التي يعقدها رئيس الدولة في قرطاج التي غالبا ما كان ما تنشره الرئاسة لا يتماهى مع ما تنشره الأطراف الأخرى

 



أيضا ما نلاحظه أن بيانات الرئاسة كانت عبارة على رغبات وتمنيات وربما ما يطمح إليه الرئيس ولكنها لم ترتقِ إلى مستوى التنزيل والفعل ومنها أعلن الرئيس بنفسه أنه سيتم:  

ـ إنشاء مدينة صحية بالقيروان وإلى اليوم لا توجد بوادر جدية للتنفيذ.

 

ـ التخفيض في الأسعار ولكن غلاء المعيشة وصل إلى مستويات غير مسبوقة.


ـ التخفيض في سعر الأدوية ولكن العكس هو الذي حصل.


ـ الضرب على أيدي محتكري الحديد ولكن سعر الحديد ارتفع بشكل كبير والمصنع الذي شهر الرئيس بصاحبه في الإعلام وقع فتحه بحكم قضائي.


ـ محاسبة المئات من رجال الأعمال وإلزامهم بتمويل مشاريع في المناطق الداخلية والجنوب ولكن لم يقع الإعلان عن أي مبادرة للتنفيذ.  


ـ العمل على استرجاع الأموال المنهوبة ولكن تدخل الرئيس العلني في القضاء وعدم وجود خطة واضحة إضافة لتبرئة عدد من أفراد عائلة بن علي منهم إحدى بناته وأصهاره وعدد من المقربين منه من القضاء التونسي يضعف جدا أي أمل في استرجاع الأموال المهربة للخارج.


ـ احترام حقوق الناس والحريات ولكن تضاعفت حالات الاعتداءات على الصحافيين والنواب والقضاة ورجال الأعمال والناشطين في المجتمع المدني.


ـ عدم التدخل في القضاء ولكن القضاء العسكري هو من يحاكم المدنيين وأول خطوة اتخذها الرئيس بعد سيطرته على كل السلط في الدولة كانت عزل وزير الدفاع ومدير القضاء العسكري ليسهل التعاطي المباشر مع الملفات. 


ـ السماح بالتنقل للناس في رمضان الماضي وعدم التضييق عليهم بسبب الكورونا بالرغم من إجراءات الحكومة وقتها ولكنه لما انتشر الوباء أقدم على إقالة رئيس الحكومة وحجزه وأغلق البرلمان بالدبابات ومتابعة عدد من النواب وسجنهم.


ـ احترام المخالفين له ولكنه يصفهم بالجراثيم والمخمورين والشياطين والفيروسات ويتباهى بنزول مليون وثمانمئة ألف تظاهروا دعما له في حين أنهم كانوا بضعة آلاف فقط. 

يركز رئيس البلاد كثيرا على شعارات مكافحة الفساد ولكن على أرض الواقع الأمور تختلف ويمكن ذكر الأمثلة التالية:
 
ـ عدم تفعيل الهيكل الإداري المختص لدى رئاسة الجمهورية بتلقي الإبلاغ عن شبهات الفساد المحالة إليه من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بل وقع تجميد عمل هيئة مكافحة الفساد نفسها.


ـ لم تقع محاسبة أو مساءلة أي من 460 رجل أعمال الذين أشار إليهم مرارا باعتبارهم على قائمة الفساد.


ـ غياب الشفافية والحوكمة في إدارة موارد الرئاسة خاصة بعد الإعلان عن تسيير الدولة بالمراسيم منذ 22/09 وهو نوع من الفساد خاصة بعدما تم تجديد عقود لشركات فرنسية دون وجود أي جهة رقابية للموافقة على العقود.


ـ غياب الشفافية في منح عقود لشركات في إطار التحضير للقمة الفرنكفونية ودون احترام الإجراءات المعمول بها وتغييب المؤسسات الرقابية وهذا كان أحد عوامل تأجيل القمة بالكامل. 


ـ استعمال المال العام والإنفاق في مهام وانشغالات لا علاقة لها بمهام رئيس الدولة مثل إفراغ الأماكن التي يقصدها كالمساجد والمقاهي والمخابز وحتى المعارض.


ـ استغلال مفرط للأجهزة الأمنية وقدراتها في تنقلات الرئيس وما ينجر عن ذلك من إنفاق إضافي لساعات عمل وأيام عطل وغيرها. 


ـ إنفاق غير مبرر على تنقلات للخارج دون مردودية للدولة خاصة أن تكلفة الطائرة الرئاسية التي يستقلها الرجل في تنقلاته باهضة جدا وبالإمكان التخلي عنها واستعمال الرحلات العادية كما كان يفعل الرئيس الأسبق منصف المرزوقي في كثير من المناسبات.

وبما أن العلاقات الخارجية هي في صلب صلاحيات رئيس الجمهورية بحسب دستور 2014 فإنه من المهم التذكير بالزيارات ونتائجها مع التنويه أن الرئيس لم يصحب معه أي وفد وزاري في كل تنقلاته إذا استثنينا زيارة قطر التي قام بترتيبها أحد الوزراء الذي كان في الوفد. 

السيد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج والذي كان أحد مستشاريه قبل أن يكلفه بالوزارة هو الوحيد الذي يرافقه بالإضافة لمديرة الديوان، وطبعا كانت نتائج جميع الزيارات وعودا كلامية وبدون توقيع أي اتفاقات.

وبالعودة السريعة إلى الزيارات يمكن ذكر الآتي:
 
ـ زيارة بروكسيل في القمة الثانية تونس الإتحاد الأوروبي تحدث الرئيس عن تعاون "وفق رؤى مبتكرة" لم يحدد طبيعتها. 


ـ قمة تمويل الاقتصاديات الأفريقية التي انعقدت بباريس قال الرئيس يجب "اعتماد مقاربة جديدة" لم يحدد ملامحها.


ـ زيارة جمهورية مصر العربية تحدث الرئيس عن "إرساء رؤى وتصوارت جديدة تعزز مسار التعاون المتميز القائم بين تونس ومصر" ولكن بقيت دون تفصيل، خاصة أن الزيارة دامت 3 أيام وغلب عليها الطابع السياحي مثل زيارة ميدانية إلى العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة وزيارة مسجد الفتاح العليم وكنيسة ميلاد المسيح ومسجد عمرو بن العاص.. وقام بجولة في بعض المواقع التاريخية بالقاهرة الفاطمية وزيارة أضرحة واطلع على مكونات المتحف القومي للحضارة المصرية وأعلن إثر الزيارة عن بعث "التشاور السياسي لصياغة رؤى جديدة للعلاقات الثنائية بفكر جديد وإعلان اعتماد سنة 2021 ـ 2022 سنة الثقافة التونسية المصرية". 

ـ زيارة خاطفة لليبيا رسميا كانت في "إطار حرص سيادة رئيس الجمهورية التونسية على أن يكون في مقدمة المهنئين للمجلس الرئاسي ولحكومة الوحدة الوطنية على نيل ثقة مجلس النواب الليبي واستلام مهامهما رسمياً، وذلك في لحظات تاريخية جسدت مبدأ الانتقال السلمي للسلطة." وذكر بالمناسبة بضرورة "إرساء رؤى وتصوارت جديدة تعزز مسار التعاون المتميز القائم" ولم يقع إلى اليوم الكشف عن التصورات الجديدة ولكنه تم أيضا "الاتفاق على تنشيط الغرف التجارية وتحيين الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في مختلف المجالات وتوقيع أخرى جديدة بما يستجيب للمرحلة".

ـ زيارة قطر أين قدم الرئيس "لمحة عن الدستور التونسي وظروف صياغته"، و"معربا عن استعداد تونس لتقديم خبراتها اللازمة وتوفير ما تستحقه قطر من مساعدات في هذا المجال". كما تم الإعلان  بالمناسبة عن إنشاء الرابطة الدولية لفقهاء القانون الدستوري وإسناد رئاستها لرئيس الجمهورية قيس سعيد. 

كما وقع التأكيد على أهمية الإسراع في إنجاز منصة الإنتاج بسيدي بوزيد وعقد اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التونسية القطرية خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 وإثراء الإطار القانوني المنظم للعلاقات بين البلدين، وتفعيل دور القطاع الخاص في تحقيق تكامل المصالح المشتركة، ودعوة مجلس رجال الأعمال التونسي القطري إلى الانعقاد في أقرب الآجال.

ـ الكويت أين قدم واجب العزاء في وفاة أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

ـ القيام بزيارة "صداقة وعمل" إلى فرنسا استغرقت يومين وأكد الرئيس على "وجوب وضع مفاهيم جديدة لآليات عمل سياسي غير تلك التي كانت معتمدة في الماضي وفتح آفاق أرحب لتجاوز الماضي.." تبعتها مسألة التأكيد أن الوجود الفرنسي في تونس كان للحماية وليس استعمارا ونصح الفرنسيين بعدم الاعتذار عما ارتكبوه من جرائم بحق التونسيين وجددت فرنسا تعهداتها السابقة  بمساعدة تونس ب1.7 مليار دولار بين 2016 و2022 لدعم مشاريع البنية التحتية.

ـ زيارة للجزائر عبّر فيها الرئيس وأكد على "العزم على تطوير هذه العلاقات وفق مقاربة جديدة بناء على طموحات الشعب الواحد في تونس والجزائر" طبعا دون تحديد نوعية المقاربة الجديدة. وأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إيداع مبلغ قيمته مائة وخمسين مليون دولار بالبنك المركزي التونسي كضمان.

ـ سلطنة عُمان لتقديم واجب العزاء في وفاة السلطان قابوس بن سعيد.

في الختام فإن واقع الديبلوماسية التونسية اليوم والتي تقع تحت إشراف رئيس الدولة وما تعانيه تونس من عزلة خارجية والواقع الذي أنتجه السلوك السياسي للرئيس قيس سعيد، هي دلائل واضحة على الحالة التي وصلت إليها البلاد والتي تستوجب تكاتف جهود كل الخيرين والوطنيين من أجل إنقاذ البلاد والحفاظ على حقوق الشعب والأجيال التونسية.

 

إقرأ أيضا: أداء الرئاسة التونسية بين زمنين.. للمقارنة والتاريخ (1من2)


التعليقات (0)