هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لدى متابعة أحدث التقويمات الإسرائيلية لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر يلحظ المرء أننا بإزاء غزلٍ دوريّ جديدٍ في الفترة القليلة الماضية، يهدف إلى إعادة إنتاجه تحت وطأة ظروف مستجدّة تحيق بالطرفين. وهو غزلٌ بدأ منذ استيلاء الأخير على سدّة الحكم عام 2013.
من هذه التقويمات نقرأ، مثلًا، بالتزامن مع كتابة هذه الزاوية: تعكس الموافقة الإسرائيلية على تعزيز الوجود العسكري المصري في منطقة رفح الشرقية الحدودية، شمالي شبه جزيرة سيناء، مستوى الثقة العالي جدًا لدى إسرائيل حيال مصر تحت قيادة الرئيس السيسي، كما أنها تبرز مساهمة القاهرة الحاسمة والمستمرّة في الاستقرار النسبي في منطقة الشرق الأوسط. وتقوم مصر بهذا الدور في الفترة الأخيرة، على الرغم من النقد اللاذع من عناصر إقليمية عديمة المسؤولية، وعلى الرغم من انعدام التقدير لمساهمتها هذه في واشنطن.
بدر هذا الكلام عن رئيس "البرنامج الدولي للأمن القومي" في جامعة حيفا. وهو، مثل أبرز الخبراء في شؤون الأمن القومي وكبار المسؤولين الأمنيين السابقين، يعتبر نظام السيسي بمثابة رصيد مهم لإسرائيل.
وبرسم هذا، يتوجه إلى المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا، مؤكدًا وجوب مساعدته أو على الأقل عدم التضييق عليه. وللتذكير بما كان في الماضي في هذا الشأن، يُشار، على سبيل المثال، إلى أنه عند وقوع انقلاب السيسي، سارع الجنرال عاموس جلعاد، الذي كان يشغل منصب رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، إلى وصفه بأنه "معجزة أمنية لإسرائيل"؛ فيما رأى رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال احتياط عاموس يدلين، أن ثمّة سيلًا من البشائر لإسرائيل من جرّاء إطاحة حُكم الإخوان المسلمين في انقلاب عسكري، أدّى إلى تسلّم الجيش المصري زمام الأمور من جديد.
ومعروفٌ أن دولة الاحتلال استأثرت بصدارة الجهات التي بذلت لدى أصحاب القرار في الولايات المتحدة جهودًا كبيرة كي تتجنّب واشنطن وصف ما قام به السيسي بأنه انقلاب عسكري
من ناحية إسرائيل، يكمن مفتاح تبرير الغزل الدوريّ الحالي وغاية إعادة الإنتاج، بالأساس، في عبارة "انعدام التقدير لمساهمة مصر في واشنطن"، وذلك في ظل ولاية إدارة أميركية جديدة تعتبرها إسرائيل استمرارًا لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما التي اعتبرت ما قام به السيسي انقلابًا على المسار الديمقراطي في مصر.
ومعروفٌ أن دولة الاحتلال استأثرت بصدارة الجهات التي بذلت لدى أصحاب القرار في الولايات المتحدة جهودًا كبيرة كي تتجنّب واشنطن وصف ما قام به السيسي بأنه انقلاب عسكري، ما يعني، بموجب القانون الأميركي، أن توقف الولايات المتحدة الدعم الذي ترسله إلى مصر، كون حكومتها حكومة انقلاب عسكري.
وأسبغت عليه الأدبيات الإسرائيلية، منذ ذلك الوقت، أوصافًا مُختلقة، بمشاركة أبرز المنابر اليمينية، وبزّتها جميعًا صحيفة اليمين الاستيطاني، ماكور ريشون، التي نعتته بأنه "أمل الشرق الأوسط"، بينما أكّدت واحدة من الدراسات الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي أن أصوات السلام التي تتعالى من مصر، وصدر بعضها من مكتب الرئيس السيسي ومن محيطه، هي أبلغ دليل على أنه في صفوف هذه الأوساط يتسع في بلاد النيل هبوب ريح جديدة، تحمل في طياتها فرصًا حقيقية لـ"تغيير مكانة إسرائيل في الإقليم".
ربما يجدر التنويه بأن الحاجة إلى هذا الغزل وإعادة الإنتاج انتفت بكيفيةٍ ما إبّان ولاية الإدارة الأميركية الترامبية السابقة. كما أن أي حديثٍ دار حول ما يوصف بأنه "سلام دافئ" أو "تطبيع كامل" بين إسرائيل ومصر كان يعتبر، بحسب ما تشير إليه المصادر الإسرائيلية أيضًا، أن حدوث تقدّم حقيقي في عملية التسوية الإسرائيلية - الفلسطينية، ووقف أعمال البناء الإسرائيلية في المستوطنات، والشروع في مفاوضاتٍ جادّة بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود الـ67 وعاصمتها القدس، هو بمنزلة شرطٍ لا غنى عنه لتوسيع أسس التطبيع، إلى أن جاءت الاتفاقات الإبراهيمية وقلبت ظهر المجن لهذا الشرط!.