هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كلمة السر في النظام الطبي الإسرائيلي، والدواء السحري الوحيد المتوفر للأسرى في سجون الاحتلال، هي حبة "الأكامول" التي تقدم علاجا لكل مرض أو داء يعاني منه الأسرى، بدءا من الصداع وانتهاء بأمراض القلب والسرطان.
تدمير لا أخلاقي لأجساد وأرواح الأسرى الفلسطينيين، يضع الأسرى في معاناة مزدوجة، فهم يتعرضون لتعذيب جسدي وحشي وقهر نفسي وإذلال لا يتوقف، يصاحبهما حرمان من الرعاية الطبية الفعلية، وإن تمت فهي شكلية، ورفع للعتب واللوم، وتأتي متأخرة بعد مماطلة متعمدة وبعد فوات الأوان على العلاج.
الأسير سامي عابد العمور لن يكون آخر الشهداء الذين ارتقوا نتيجة الإهمال الطبي المتعمد (القتل البطيء)، فمن أمن العقاب تمادى في جرائمه التي تغطى بوابل من الأكاذيب والرواية الإعلامية الزائفة.
الأسير العمور (39 عاما) من سكان دير البلح وسط قطاع غزة، حكم بالسجن 19 عاما في عام 2008، وطيلة هذه السنوات حرم الاحتلال عائلته من زيارته، وكانت الزيارة الوحيدة التي سمحت للوالدين قبل 13 عاما.
العمور كان يعاني من مشكلة خلقية في القلب تفاقمت جراء سياسة الإهمال الطبي والمماطلة في متابعة وضعه الصحي، وظروف الاعتقال القاسية.
ورغم حالته الصحية المتدهورة فقد نقل العمور قبل عدة أيام من سجن "نفحة" إلى سجن "عسقلان"، وجرى نقله لاحقا إلى مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي حيث خضع لعملية جراحية متأخرة لم تنجح، وخضع لعملية أخرى مساء، وفي الصباح أُعلن عن استشهاده.
كانت أمنية سامي، الوحيدة، الخروج من السجن، فقد كانت عائلته تخطط لتزويجه، لكن نبأ استشهاده وقع على العائلة مثل جبل من الصخر حطم كل الأحلام والأماني.
العمور، هو ثالث أسير يرتقي شهيدا في أقل من عام، فقد سبقه الأسير كمال أبو وعر العام الماضي الذي ارتقى شهيدا نتيجة للإهمال الطبي، إضافة إلى الأسير حسين مسالمة الذي ارتقى بعد الإفراج عنه بفترة وجيزة هذا العام.
ويمعن الاحتلال في ممارسة القهر والاستخفاف بالشهداء وعائلاتهم باحتجازه جثامين 7 شهداء وهم: أنيس دولة، وعزيز عويسات، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر.
وبارتقاء العمور يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 227 شهيدا، منهم 72 أسيرا ارتقوا نتيجة للإهمال الطبي منذ عام 1967.
ويعاني أكثر من 500 أسير وأسيرة فلسطينية داخل سجون الاحتلال من أمراض مختلفة، بينهم العشرات من ذوي الإعاقة ومرضى السرطان.
وتشير إحصائيات مؤسسات حقوقية إلى وجود 26 أسيرة فلسطينية مريضة تعانين أمراضا متعددة ومشاكل صحية، كأمراض القلب والغدة الدرقية والسكري والضغط، ومشكلات المعدة والأسنان، والعظام والعيون، إضافة إلى وجود 7 أسيرات جريحات تعرضن لعنف مباشر أثناء اعتقالهن.
ويشار إلى أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ نحو 4650 أسيرا منهم 34 أسيرة، ونحو 160 طفلا.
ولا تعتبر سياسة الإهمال الطبي سياسة حديثة على سلوكيات الاحتلال فهي قديمة وجزء من بنية العقل العنصري الصهيوني، ولا تقتصر على الأسير وهو في المعتقل، وإنما تمتد إلى حياة الأسرى بعد الخروج من السجن، حيث ارتقى العديد من الشهداء بعد تحررهم من الأسر نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرضوا له أثناء فترة الاعتقال وتفاقم لعدم تلقيهم العلاج اللازم في حينه.
ولا يمكن أن يصنف سقوط شهيد نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي سوى بوصفه جريمة حرب تبرهن على وحشية الاحتلال وعنصريته وعدم اكتراثه بقيمة الإنسان، ومؤشرا على عدم خشية الاحتلال من العقاب والمحاسبة.
وينادي حقوقيون ومؤسسات حقوقية وإنسانية بالعمل على محاكمة الاحتلال وتقديم قادته للمحاكم كمجرمي حرب. ويطالبون بالاطلاع على أحوال الأسرى الفلسطينيين المرضى في السجون الإسرائيلية، لإنقاذ حياة الذين يعانون من أمراض مزمنة والمصابين بالسرطان وأمراض القلب والفشل الكلوي والربو وغيرها.
وتعد أساليب إضعاف الإرادة والجسد على السواء ثنائية مأساوية، يقرها النظام القضائي والطبي الإسرائيلي "الرسمي" بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
ويتحمل المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان وعن الأسرى العبء الأكبر من القمع الإسرائيلي.
ويستخدم الاحتلال تعريفا غريبا وفضفاضا لـ"الإرهاب" إذ بموجب هذا التعريف، يمكن اعتبار أي انتقاد وأي مقاومة لنظام الفصل العنصري الذي يتطور في دولة الاحتلال "إرهابا".
وكانت ست منظمات فلسطينية حقوقية ضحايا للنظام العنصري في تل أبيب، بعد أن وضعتها حكومة الاحتلال ضمن قائمة "الإرهاب"، وهي: "الضمير"، "مؤسسة الحق"، "الدفاع عن أطفال فلسطين"، "اتحاد لجان العمل الزراعي"، "مركز بيسان للبحوث والتنمية"، و"اتحاد لجان المرأة الفلسطينية".
وهو أسلوب منهجي يهدف إلى تكميم أفواه ناشطي حقوق الإنسان ومعاقبة أولئك الذين ينتقدون قمع الاحتلال للفلسطينيين، وتعمده قتل الفلسطينيين سواء داخل السجون أو خارجها، كما هو حال آخر ضحايا هذه العنصرية، الشهيد سامي العمور.
لا يبدو الاحتلال قلقا على حياة الفلسطينيين، وما يحدث في سجونه يؤشر على مستقبل قاتم لحياة الإنسان وكرامته، ومن وصمات العار التي تلصق بهذا الاحتلال تجاهله الكامل لإضراب 5 أسرى عن الطعام رفضا للاعتقال الإداري، أقدمهم كايد الفسفوس المضرب منذ 127 يوما. وإلى جواره: علاء الأعرج 103 أيام، وهشام إسماعيل 94 يوما، وعياد الهريمي 57 يوما، ولؤي الأشقر 39 يوما.
وتميت القلب من الحزن وقلة الحيلة، أمنية والدة الشهيد العمور التي تتمنى "رؤيته على الأقل وهو شهيد" بعد أن حرمت منه سنوات عديدة وهو حي، وتلك أمنية تبدو بعيدة التحقق حاليا، فقد بلغت هيئة شؤون الأسرى عائلة الشهيد باحتمالية بقاء جثمانه داخل سجون الاحتلال حتى انتهاء فترة الحكم المتبقية 4 سنوات.
انتظار موجع لوالدين يحلمان بإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على ابنهما، يعدان الأيام لطبع قبلة على جبين الشهيد، واحتضانه للمرة الأخيرة، مودعانه إلى مثواه الأخير.