كتب

كيف واجه الفلسطينيون 6 حروب دولية لإنهاء وجودهم؟

فلسطين من الانتداب إلى أوسلو.. قراءة تاريخية في سبل مواجهة الاحتلال  (عربي21)
فلسطين من الانتداب إلى أوسلو.. قراءة تاريخية في سبل مواجهة الاحتلال (عربي21)

الكتاب: "حرب المئة عام على فلسطين.. قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة"
المؤلف: رشيد الخالدي
ترجمة: عامر شيخوني
الناشر: الدار العربية للعلوم- ناشرون، 2021

في الفترة من 1936- 1939 في فلسطين قتل 10% من الذكور العرب البالغين، أو جرحوا أو سجنوا أو تم نفيهم، بعد سلسلة من الإجراءات القمعية القاسية لإنهاء الثورة العربية الكبرى ضد الحكم البريطاني. 

استخدم البريطانيون مئة ألف جندي وقوات جوية للسيطرة على المقاومة الفلسطينية، بينما تدفقت موجات ضخمة من الهجرة اليهودية ما رفع عدد السكان اليهود في فلسطين من 18% من عدد السكان الكلي سنة 1932 إلى أكثر من 31% سنة 1939. 

كان ذلك تحضيرا ضروريا لتغيير دولة أغلب سكانها من العرب في فلسطين إلى دولة يهودية. إنها كما يقول، رشيد الخالدي، الباحث والمؤرخ الفلسطيني الأمريكي، هندسة اجتماعية جذرية على حساب السكان الأصليين وهي أسلوب جميع حركات الاستعمار الاستيطاني. 

وفي كتابه هذا، الذي يعتمد على البحث الأكاديمي في أحداث مئة عام من الحرب على فلسطين، وخلاصات تجارب شخصية نتيجة انخراطه وعدد من أفراد عائلته في هذه الأحداث كشهود أو مشاركين فيها، يؤكد الخالدي على هذه الفكرة التي يعتبرها أساسية ومفتاحية في فهم تاريخ فلسطين الحديث، حيث شنت حرب استعمارية ضد السكان الاصليين (الفلسطينيين) من جهة عدة فرقاء لإجبارهم على تسليم بلادهم إلى شعب آخر غصبا عنهم وضد إرادتهم، مع ما رافق ذلك من استخدام لغة استعلائية وتحقيرية ضدهم تهدف لنزع أي قيمة ثقافية عليا أو تاريخية عنهم تربطهم بالمكان. 

ولذلك فإن وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا سنة 1917، والذي ألزم بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود لم يذكر الفلسطينيين أبدا على الرغم من أنهم الأكثرية الساحقة في البلاد آنذاك، ولذلك أيضا كتب ثيودور هرتسل أن الدولة اليهودية "ستكون جزءا من جدار دفاعي عن أوروبا في آسيا، قلعة أمامية من الحضارة ضد البربرية". النقطة التي كان يراد التأكيد عليها دائما، كما يقول الخالدي، هي أن الفلسطينيين غير موجودين، أو أنهم لا يستحقون العيش في هذه الأرض.
 
صك الانتداب أول الغيث!

يركّز الخالدي على ست نقاط "تحوّل" في الصراع على فلسطين، أو ما اعتبره إعلانات حروب أساسية بدأت بوعد بلفور سنة 1917، مرورا بالنكبة والنكسة وحرب 1982 في لبنان، وانتهاء بالفترة التي شهدت الانتفاضتين الأولى والثانية وصولا إلى حصار غزة والحروب المتتالية عليها.

يقول الخالدي إن بريطانيا التي منحت، بعد الحرب العالمية الأولى، عددا من الدول العربية استقلالها ـ  الذي كان في الغالب محدودا بشدة ـ تصرفت في فلسطين وفق مجموعة مختلفة من القوانين. حيث قدم الانتداب البريطاني هدية غير عادية للحركة الصهيونية بإدراج نص كلمات وعد بلفور مع تضخيم التزاماته في نص وثيقة قرار الانتداب الصادر عن عصبة الأمم سنة 1922. 

"ذكر الشعب اليهودي وحده في المقطع الثالث من مقدمة صك الانتداب، ووصف بأن لديه علاقات تاريخية بفلسطين. وبالنسبة إلى كتاب الوثيقة فإن ظروف البلاد التي امتدت ألفي سنة بقراها ومقدساتها وقلاعها ومساجدها... التي ترجع إلى العصور العثمانية والمملوكية والأيوبية والصليبية والعباسية والأموية والبيزنطية... لا تنتمي إلى أي شعب على الإطلاق، أو أنها تتعلق فقط بفئات دينية عديمة الشكل... إن جذور ما أطلق عليه علماء الاجتماع الإسرائيلي مصطلح "الإبادة السياسية" للشعب الفلسطيني موجودة بكل وضوح وجلاء في مقدمة صك الانتداب...لا توجد إشارة أخرى إلى الفلسطينيين كشعب له حقوق قومية أو سياسية في أي من 28 مادة من مواد صك الانتداب"، التي خصص سبع منها للامتيازات والخدمات التي ستقدم للحركة الصهيونية لتنفيذ سياسة الوطن القومي. 

وبينما نصت المادة الثانية من وثيقة الانتداب على مؤسسات الإدارة الذاتية فقد منح اليهود من سكان فلسطين فقط حق تكوينها ومنع ذلك عن الفلسطينيين، كما أن المؤسسات التمثيلية لجميع السكان على أساس ديمقراطي لم تطرح أبدا لأن الأغلبية الفلسطينية كانت ستصوت بالطبع لإنهاء الوضع المتميز الذي تتمتع به الحركة الصهيونية في بلادهم. 

ومنحت المادة الرابعة في صك الانتداب الوكالة الصهيونية صلاحيات شبه حكومية ما سمح لها بأن تكون شريكة لحكومة الانتداب وأن تمثل رسميا مصالح الصهاينة أمام عصبة الأمم وغيرها من المؤسسات الدولية. 

وفوضت المادة السادسة سلطة الانتداب لتسهيل الهجرة اليهودية وتشجيع تأسيس اليهود للمستعمرات، أما المادة السابعة فسهلت لليهود الحصول على الجنسية الفلسطينية، واستخدمت لمنع الجنسية عن الفلسطينيين الذين هاجروا إلى الأمريكتين في الفترة العثمانية وأرادوا العودة إلى وطنهم. 

يقول الخالدي: "عندما غادر البريطانيون فلسطين سنة 1948لم تكن هناك حاجة لخلق أجهزة دولة يهودية من لا شيء، فقد كانت هذه الأجهزة تعمل بشكل واقعي تحت حماية البريطانيين فترة عقود".

 

في 29 تشرين الثاي (نوفمبر) 1947 صدر القرار 181 عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي قسم فلسطين إلى دولة يهودية كبيرة ودولة عربية أصغر، ووضع مدينة القدس كمنطقة منفصلة دولية، عاكسا توازن القوى الدولية الجديد. "أصبح واضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي اللتان أيدتا القرار قد لعبتا الدور الحاسم في التضحية بالفلسطينيين لصالح دولة يهودية تحل محلهم.

 

كان قرار التقسيم إعلان حرب آخر منح وثيقة ميلاد لدولة يهودية في أرض كانت عربية في معظم أرجائها في مخالفة صريحة لمبدأ تقرير المصير الذي أعلنه ميثاق تأسيس الأمم المتحدة... في تلك الأثناء لم يعد خلق دولة يهودية هدف بريطانيا فقد استشاطت غضبا بسبب الحملة الصهيونية العنيفة التي أخرجتها من فلسطين، كما أنها لم تعد ترغب في إثارة استياء رعاياها العرب في ما تبقى لها من امبراطوريتها في الشرق الأوسط، ولذلك امتنعت عن التصويت على قرار التقسيم".

يتابع الخالدي: "في صيف 1949 كان الكيان الفلسطيني قد دمر ونزعت جذور مجتمعه.. أجبر 80% من السكان العرب على الهجرة من المنطقة التي أصبحت دولة إسرائيل الجديدة، وأصبح 720 ألف من 1.3 مليون فلسطيني لاجئين، وبفضل هذا التحول سيطرت إسرائيل على 78% من فلسطين التي كانت تحت الانتداب.. وضعت أسس هذه النكبة على هزائم الثورة الكبرى سنة 1939، كما أدت إليها عوامل كانت جلية؛ التدخل الأجنبي، والصراعات المريرة بين العرب، والخلافات الداخلية بين الفلسطينيين، وغياب مؤسسات الدولة الفلسطينية الحديثة، والتغييرات الدولية الهائلة التي حدثت في الحرب العالمية الثانية".

أمريكا شريكة في الحرب

أدت حرب 1967 إلى ما يعتبره الخالدي الإعلان الثالث للحرب على فلسطين. جاء هذا الإعلان متمثلا بالقرار رقم 242 الذي صاغته الولايات المتحدة وتمت الموافقة عليه في مجلس الأمن. يقول: "على الرغم من جميع أضرار الحرب التي أصابت الفلسطينيين والقرار242 إلا أن كل ذلك حرك شرارة انطلاق حركتهم الوطنية التي كانت تضعف منذ ثورة 1936 ـ 1939. كانت عملية الإحياء قد بدأت قبل حرب 1967 بالطبع ولعبت دورا مهما في إشعال تلك الحروب وحرب السويس أيضا، إلا أن 1967 كانت بعثا غير عادي للوعي الوطني الفلسطيني ومقاومة إنكار إسرائيل للهوية الفلسطينية الذي كان ممكنا بتآمر كثير من المجتمع الدولي. وحسب صياغة أحد المراقبين المخضرمين فإن التناقض المركزي في سنة 1967 هو أن إسرائيل بعثت الفلسطينيين من جديد بهزيمتها للعرب".

وجاء الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982 ليشكل إعلان حرب رابعة ضد الفلسطينيين. يقول الخالدي: إن هذا الغزو استهدف الفلسطينيين وليس الجيوش العربية، وكان من مستوى مختلف تماما من حيث أهدافه ودرجته واستمراره والخسائر الثقيلة التي نتجت عنه وتأثيره على المدى البعيد. تركيزه الأساسي كان على الفلسطينيين وهدفه الأكبر وضع نهاية لقوة الحركة الوطنية الفلسطينية في داخل فلسطين بعد القضاء عليها في الخارج. 

استمرت الحرب لنحو ثلاثة أشهر صمدت فيها المقاومة الفلسطينية واللبنانية وحيدة أمام أشرس الأسلحة وأعنف الهجمات، لكن منظمة التحرير أجبرت في النهاية على مغادرة بيروت تحت ضغط هائل من إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهم اللبنانيين. قدمت أمريكا في عامي 1981- 1982 مساعدات عسكرية قيمة لحلفائها بلغت قيمتها 1.4 بليون دولار. غطت هذه المساعدات ثمن الأسلحة الأمريكية والذخائر التي استخدمتها إسرائيل في لبنان، من طائرات اف 16 إلى حاملات الجنود المدرعة والمدافع والصواريخ والقنابل العنقودية". 

يتابع الخالدي: "مرة أخرى وجدت منظمة التحرير أن الخصم في ميدان القتال كان مدعوما بقوة عظمى من ورائه منذ البداية. اتخذت حكومة إسرائيل قرار الهجوم على لبنان لكنها لم تكن لتستطيع فعل ذلك دون موافقة صريحة من طرف وزير الخارجية الأمريكي الكسندر هيغ أو بدون الدعم الأمريكي الدبلوماسي والعسكري، بالإضافة إلى السلبية التامة للحكومات العربية... موقف الحكومات العربية ومعارضتها للحرب تم شراؤه بثمن بخس بوعود أمريكية زائفة لإصدار مبادرة أمريكية جديدة للشرق الأوسط سميت بـ "خطة ريغان" كانت ستضع حدودا للمستوطنات الإسرائيلية، وتخلق سلطة فلسطينية بحكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة،.. خطة لم تفرضها الولايات المتحدة بقوة أبدا، وأسقطتها حكومة بيغن ولم تصل إلى أي شيء في النهاية". 

يقول الخالدي: إنه يجب أن ينظر إلى غزو 1982 كعملية مشتركة بين إسرائيل وأمريكا، فقد دعمت الولايات المتحدة إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا ضد المدنيين، وضغطت على منظمة التحرير للانسحاب من بيروت ورفضت التعامل المباشر معها، وقدمت للفلسطينيين تعهدات باطلة بتوفير الحماية لهم بعد مغادرة المنظمة. " لقد اتخذت الولايات المتحدة موقفا مماثلا لما فعلته بريطانيا في الثلاثينيات بمساعدتها على قهر الفلسطينيين بالقوة خدمة لأهداف الصهيونية".

قيود أوسلو المجنونة

يلفت الخالدي إلى أن المفارقة التي نتجت عن حرب 1982 ،التي أضعفت منظمة التحرير، كانت في تقوية الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل. كانت الانتفاضة الأولى التي اندلعت سنة 1987استنزافا مستمرا لإسرائيل ليس فقط بشأن الضغط المستمر على قواتها المسلحة، بل ربما كان الأهم من ذلك بشأن سمعتها في الخارج وهي رأسمالها الأكثر أهمية من بعض النواحي. لقد كانت مثالا رائعا للمقاومة الشعبية غير المسلحة ضد الاضطهاد، ويمكن اعتبارها أول نصر للفلسطينيين في حرب الاستعمار الطويلة التي بدأت سنة 1917. 

ومع حلول التسعينيات نجح الموقف الفلسطيني الموحد في توضيح أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر. مهدت الانتفاضة الأرض أمام القيادة الفلسطينية للحصول على ما يشبه الاعتراف الأمريكي بها كطرف يمكن التحاور معه شرط أن تتخلى عن المقاومة المسلحة التي تعتبرها أمريكا وإسرائيل إرهابا. غير أن هذه القيادة لم تدرك أن قبولها بهذا الشرط ومحاولتها إيقاف الانتفاضة، وقبولها بأن تدخل عملية تفاوضية على أساس القرار 242 قد جعل من إمكانية تحقيق إنجاز ما لصالح القضية الفلسطينية أمرا مستحيلا.

في الفترة ذاتها ارتكبت منظمة التحرير خطأ كبيرا آخر تمثل بعدم اتخاذها موقفا حاسما وداعما للكويت ضد الغزو العراقي لها، وبغض النظر عن الأسباب، فقد أدى ذلك إلى نبذها من دول الخليج وتركها بدون حلفاء وداعمين. 

استغل الأمريكان والإسرائيليون هذا الموقف التفاوضي الضعيف لمنظمة التحرير وبدأ وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر في التخطيط لمؤتمر سلام يعقد في مدريد، ورضخت المنظمة من خلال بيكر لشروط اسحق شامير بأنه يجب ألا يكون هناك وفد فلسطيني مستقل في مدريد فتشكل وفد أردني ـ فلسطيني مشترك. 

 

منذ كامب ديفيد سنة 1978 وما بعدها لم تكن هندسة المفاوضات بفترتها الانتقالية الخداعة المرنة وتأخير الدولة الفلسطينية مفروضة من طرف إسرائيل وحدها.. فقد قدمت الولايات المتحدة الضغط والإصرار على الفلسطينيين بأن هذه هي طريقة التفاوض الوحيدة الممكنة والتي تؤدي إلى نتيجة واحدة ممكنة.

 



ليس هذا فحسب فقد امتدت الشروط الإسرائيلية إلى اختيار الممثلين الفلسطينيين، فمنعت مشاركة أي شخص له علاقة بمنظمة التحرير أو من القدس أو من الشتات. وحددت حكومة شامير القضايا التي يمكن الحديث فيها وأصرت على أن الممنوعات التي وضعها بيغن بشأن فلسطين في اتفاق كامب ديفيد واتفاقية السلام بين مصر واسرائيل سنة 1979 ستطبق أيضا في مدريد. وألزمت الولايات المتحدة نفسها بتشجيع جميع الأطراف لتجنب أفعال من طرف واحد، أو القيام بإجراءات من جانب واحد لا يمكن أن تحل إلا من خلال المفاوضات، لكنها لم تنفذ التزامها هذا وفشلت في منع توسيع المستوطنات وبناء شبكة هائلة من الجدران والحواجز الأمنية ونقاط التفتيش، ووقف التضييق على أهالي الضفة وغزة في التنقل ومنعهم من دخول القدس.

وصولا إلى أوسلو كانت إسرائيل قد صممت هذا الاتفاق بحيث تحافظ على المناطق المحتلة ذات الامتيازات المفيدة لها، مع إلقاء حمل المسؤوليات المرهقة ومنع حق تقرير المصير الفلسطيني الحقيقي والدولة والسيادة. كما اشتمل هذا الاتفاق على أكثر التغييرات تأثيرا على المدى البعيد وهو قرار تجنيد منظمة التحرير كمتعهد ثانوي للاحتلال. كان هذا هو معنى الاتفاق الأمني الذي وقعه اسحق رابين مع ياسر عرفات. 

يؤكد الخالدي أنه "لم يكن ممكنا وضع الفلسطينيين في قيود أوسلو المجنونة دون تواطؤ أمريكا. منذ كامب ديفيد سنة 1978 وما بعدها لم تكن هندسة المفاوضات بفترتها الانتقالية الخداعة المرنة وتأخير الدولة الفلسطينية مفروضة من طرف إسرائيل وحدها.. فقد قدمت الولايات المتحدة الضغط والإصرار على الفلسطينيين بأن هذه هي طريقة التفاوض الوحيدة الممكنة والتي تؤدي إلى نتيجة واحدة ممكنة. لم تكن الولايات المتحدة مجرد مساعد بل كانت شريكة لإسرائيل.. اشتملت هذه الشراكة على أكثر من الرضى والموافقة.. (الدعم على المستويات كافة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والقانونية والمساعدات والقروض والتبرعات المحمية من الضرائب لدعم المستوطنات والاستيلاء على الأحياء العربية في القدس)، لقد شكلت اتفاقات أوسلو إعلان حرب آخر أمريكي-إسرائيلي على الفلسطينيين معترف به دوليا لدفع مشروع الحركة الصهيونية . ولكن على العكس من الحروب السابقة فقد سمح القادة الفلسطينيون لأنفسهم هذه المرة بالانغماس في التواطؤ مع أعدائهم".

الحسابات الخاطئة

على العكس من الانتفاضة الأولى شكلت الانتفاضة الثانية سنة 2000، التي لجأت إلى استخدام العنف والعمليات الانتحارية، انتكاسة كبيرة للحركة الوطنية الفلسطينية، وكانت نتائجها كارثية على الأراضي المحتلة. فقد أعاد الجيش الإسرائيلي احتلال المناطق المحدودة التي كان قد انسحب منها بعد اتفاقات أوسلو، وفرض حصارا على مركز قيادة ياسر عرفات في رام الله. وتمكنت حكومة اسحق شامير من الترويج لنفسها كحليف للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. حيث قبل بوش سنة 2004 إدخال كتل استيطانية في الجبهة الإسرائيلية بصفتها مراكز تجمعات إسرائيلية موجودة سابقا في سياق اتفاق سلام نهائي. 

كما تبنى بوش قرار شارون الانسحاب المنفرد من قطاع غزة سنة 2005 دون التنسيق مع الفلسطينيين، مع احتفاظ اسرائيل بسيطرتها على الدخول والخروج من القطاع الذي ظل تحت الحصار، واستولت عليه حركة "حماس"، مما هيأ الوضع لجولة من الحروب على غزة.

اتساقا مع رفضهما لاتفاقات أوسلو وما نتج عنهما كانت حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي قد قاطعتا الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2005 وانتخابات السلطة من قبلها، لكن "حماس" قررت في سنة 2006 المشاركة في الانتخابات النيابية، وفازت فيها، خلافا للتوقعات، بفارق كبير عن حركة "فتح"، بحيث سيطرت على المجلس التشريعي. 

يشير الخالدي إلى أن "حماس" حاولت مرارا، تحت الضغط الشعبي، تشكيل حكومة ائتلاف بأعضاء من الحركتين، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بمعارضة قوية من جهة إسرائيل والولايات المتحدة اللتان رفضتا وجود حماس كجزء من أي حكومة للسلطة الفلسطينية.

قاطعت الولايات المتحدة حركة "حماس"، ومارس الكونغرس ضغوطا تتعلق بمنع تمويل الولايات المتحدة من الوصول إلى "حماس" أو إلى أي جسم في السلطة تكون جزءا منه. وثبت أن الضغط الذي قام به الممولون الغربيون والعرب على حركة "فتح" للابتعاد عن "حماس" كان كبيرا على رجال "فتح" المسنين في السلطة الذين فضلوا الانقسام المدمر للكيان الفلسطيني على خسارة سلطاتهم والفوائد التي تمتعوا بها في رام الله. 

يتابع الخالدي: "تمكنت إسرائيل من استغلال الانقسام العميق بين الفلسطينيين وعزل غزة لإطلاق ثلاث هجمات وحشية جوية وبرية على القطاع بدأت سنة 2008 واستمرت حتى 2012 و2014 خلفت دمارا كبيرا ومعاناة قاسية في انقطاع الكهرباء وتلوث المياه المتكرر. خلال هذه الهجمات قتل 2804 فلسطينيين بينهم ألف طفل على الأقل".


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم