هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على الرغم من تعدد الدبكات الفلسطينية وتنوعها على امتداد فلسطين التاريخية، لكن ثمة مشتركات في المعنى، فالكتف على الكتف أثناء حركات الدبكة تعني الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلالات عبر التاريخ وآخرها المحتل الصهيوني الذي يحاول تهويد الزمان والمكان لترسيخ الرواية الصهيونية لاحتلال فلسطين، في حين أن حركة الضرب على الأرض تعني التشبث بالأرض والهوية.
ولهذا يحرص الفلسطينيون على توريث فلكلورهم وتراثهم الشعبي من جيل إلى آخر ومنها الدبكة؛ خوفاً عليه من الطمس والضياع، وحفاظاً على هويتهم من الطمس والتغييب. ويمكن الجزم بأن الدبكات الفلسطينية، تكاد تكون حاضرة بقوة في الأعراس والمناسبات الوطنية.
أنواع الدبكات
الدبكة رقصة فلكلورية تمارَس عادةً في الأعراس الفلسطينية، وتتكون فرقة الدبكة من مجموعة لا تقل عن عشرة دبيكة وعازف اليرغول أو الشبابة والطبل، وتكون في كثير من الأحيان دون ترتيب مسبق؛ حيث يشارك فيها غالبية الحاضرين في الأعراس والمناسبات الوطنية الفلسطينية، وأحيانا تقوم العائلات الفلسطينية في داخل فلسطين والمهاجر القريبة والبعيدة باستحضار الدبكة على وقع الأغاني الوطنية في المنازل.
واللافت أن الدبكة ليست حكراً على جيل فلسطيني محدد دون آخر، لكن الرويس يجب أن يكون أكثر نشاطاً وحنكة من غيره لأنه بمستوى القائد للدبكة ونسقها الجيد. ومن أهم أنواع الدبكات؛ الكرادية أو الطيارة، وتتميز بالإيقاع السريع، فلا بدَ أن يكون من يزاولها يتمتع باللياقة، والحركة السريعة، ويكون لديهم تجانساً في الحركة مع أقرانهم، والنوع الثاني؛ دبكة الدلعونا؛ وهي ذات إيقاع متوسط، وأصبحت الدلعونا تغنى بأغانٍ جديدة الكلمات دون تغير في الرتم مع اختلاف في النغمات أحياناً، كأن نقول مثلاً على دلعونا ونضع أي كلمات نريدها حسب المناسبة، أما دبكة زريف الطول؛ فتتضمن المديح والبحث عن مناقب البنت الهيفاء الجميلة وكذلك الشاب الوسيم، أو المناقب الموجودة في البشر، وهي تستخدم عادةً في الغزَل خلال الأفراح والمناسبات الأخرى؛ وتعتبر دبكة الدحِّيّة نموذ خاص بالعشائر البدوية؛ وهي خاصة بهم، وفيها تصفيق بطريقة خاصة تسمى "تسحيجات"، ويردد المشاركون كلماتٍ قد لا يفهمها الآخرون.
باتت الدبكة الفلسطينية أحد نتاجات الهوية الوطنية الفلسطينية، واستمرارها بين أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها، يعني مقاومة ناعمة للمحتل الصهيوني وسياسات التهويدية؛
وثمة أنواع أخرى للدبكة، ومنها؛ دبكة الشعراوية تدبك عادةً على أنغام اليرغول، وهي ذات إيقاع سريع، وهي الدبكة التقليدية المعروفة في بلاد الشام ومنها فلسطين، في حين أن دبكة الدرازي تتمتع بنفس حركات دبكة الشعراوية وبنفس التردد ولكن بحركات بطيئة وهادئة تدبك على أنغام المجوز، تدبك مع شبك الأيديكدلالة على الوحدة، أما دبكة الشمالية سميت كذلك لأن الحركة تبدأ بالرجل اليسار، وتنتهي أيضا باليسار، تدبك على أنغام المجوز واليرغول، وتتميز بحركاتها السريعة والإيقاع السريع مع أنها تبقى بنفس تردد دبكة الدرازي والشعراوية وهي بحاجة إلى لياقة بدنية عالية تتميز بأنها تدبك مع رفع الأيدي على الأكتاف، كدلالة أيضاً على الوحدة الوطنية في مواجهة المحتل الصهيوني.
وهناك دبكة البدّوية، وهي من نفس فصيلة الدبكة الشمالية هي ودبكة السبعوية تدبك مع رفع الأيدي على الأكتاف. تبقى بنفس تردد الدرازي والشعروية. وسميت دبكة "سبعوية" لأنها عبارة عن سبع قرعات، تنتهي السابعة بالرجل اليمين؛ أما دبكة العسكر تدبك مع رفع الأيدي على الأكتاف وحركاتها تشبه حركات المشية العسكرية في بدايتها إلى أن تتطور لتصبح بنصف شمالية أو بالكرجة، تعتبر الطبلة أداة مهمة في هذه الدبكة؛ ولا بد من الإشارة إلى أن الشيلة هي حركة في الدبكة تتميز بخروج الرويس أو اللويح بقفز سريع مع من خلفة بحركات متنوعة؛ وتستعمل غالبا عند نهاية مقطع الدلعونا وخروج الدبكة من المشي إلى الدبك؛ والكرجة هي حركة في الدبكة تدبك عادة أثناء المشية وغناء المطرب بشكل استثنائي، أو أثناء دبكة العسكر في أوجها.
تراث وهوية
باتت الدبكة الفلسطينية أحد نتاجات الهوية الوطنية الفلسطينية، واستمرارها بين أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها، يعني مقاومة ناعمة للمحتل الصهيوني وسياسات التهويدية؛ وسُميت الدبكة بذلك إشارة إلى خبطة القدم واهتزاز الأرض التي يصدر عنها صوت يصل السماء من باطن الأرض، له علاقة بالقمر، وأصول الدبكة بكلماتها ورقصاتها وحركاتها؛ مستوحاة من لباس رجل الدبكة المتمثل في القمباز الفلسطيني القديم، والمخطط بلون الكوفية الفلسطينية التي يرتديها، ويُشيح بمحرمته ويرتدي حذاء الفلاح الفلسطيني الذي كان عنوان العطاء والثورة على الدوام.
أصبحت الدبكة الفلسطينية تراثًا فلكلوريًا للشعب الفلسطيني الذي الذي يصطف شبابه وشاباته كتفا إلى كتف؛ يرقصون ويغنون الدلعونا والميجانا بكلماتها المستوحاة من عشق الأرض وخيراتِ الزرع والمطر، والغَزل في جمال المحبوبة ومحاسن المحبوب، لتكون أهازيج المرأة الفلسطينية أيقونة لاستمرار الدبكة الفلسطينية، التي تعني الوحدة الوطنية في مواجهة المحتل الصهيوني والتشبث بالوطن والهوية الوطنية العصية على الطمس والتغييب.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا