هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بحفرة صغيرة أسقطوا هيبة منظومة الاحتلال الأمنية، وثقبوا قبته الحديدية وسياجه النفسي الذي أحاط نفسه به طيلة 73 عاما هي عمر الاحتلال.
ستة أسرى عبروا إلى الحرية عبر
حقول الزعتر البري والتين والبرتقال الحزين، وصنعوا أسطورتهم التي وحدت الوطن العربي
من المحيط إلى الخليج.
بأدوات بدائية صنعوا حريتهم
ومجدهم ووضعوا قضية الأسرى مجددا في بؤرة الحدث ودائرة الضوء، وبثوا بعضا من الحياة
في عروق القضية الفلسطينية التي كادت أن تجف تحت سياط التطبيع العربي، ووحدوا راية
شعبيهم على امتداد فلسطين التاريخية.
ستبقى حكاية يرددها الفلسطينيون
والعرب لسنوات طويلة، وستتحدث الجدات للأحفاد عن حكاية حفر 6 أسرى فلسطينيين يقبعون
في سجن "جلبوع" الإسرائيلي الأشد تحصينا، لـ"نفق الحرية" على مدى
9 أشهر تقريبا، وخرجوا من خلاله قبل أن يعاد اعتقالهم.
عملية منهكة ومتعبة جسديا ونفسيا
بدأ بها الأسرى منذ كانون الأول/ ديسمبر 2020، واستمر حتى يوم الخروج من النفق يوم
5 أيلول/ سبتمبر 2021.
الأسير محمود العارضة كان يمتلك فهما دقيقا وخطط للعملية بشكل مفصل جدا
الأسير محمود العارضة كان الأكثر
وعيا بين جميع الأسرى، وكان يمتلك فهما دقيقا وخطط للعملية بشكل مفصل جدا، من خلال
أرقام وحسابات واضحة، وتحديد دقيق لمكان الحفر من مدخل النفق وحتى المخرج، كان المفكر
والمخطط والمنفذ لعملية حفر النفق والهروب منه. بحسب شهادات متعددة.
الأسرى استخدموا في حفر النفق
كل أدوات الحفر الممكنة مثل الملاعق، أيدي القلايات، أباريق الشاي، صحون وبعض الأخشاب
المتوفرة لديهم، وقاعدة حديدية لأحد الأسرة والتي جرى تفكيكها لذات الغرض.
ولحل مشكلة الرمال الناتجة عن
عملية الحفر فقد تخلصوا من هذه الكميات الكبيرة عبر مواسير الصرف الصحي حيث ألقت الرمال
التي تم استخراجها من النفق طيلة فترة الحفر في المجاري والمغاسل.
اقرأ أيضا: شهادات أسرى تكشف تعذيبا تعرضوا له بعد عملية جلبوع
محمود العارضة كشف أنه وحده
نفذ فتحة الخروج من النفق داخل الغرفة، حيث قام بقص الحديد، واستعمل بذلك برغيا حديديا
كان قد وجده، وكان باستطاعة هذا البرغي الدخول بالحديد، وكان بحوزته قطعة حديد صغيرة
أخرجها من إحدى الخزائن الخشبية ساعدته في قص الصاج المغطي لحفرة المجاري.
الأسرى نفيعات والعارضة وقادري
وكممجي اشتركوا مع محمود في أعمال الحفر. ولم يشارك الزبيدي بالعملية حيث أحضر إلى
الزنزانة في نفس ليلة الهروب.
وبينت التحقيقات أن الأسرى مكثوا
قرابة 10 دقائق قرب فتحة النفق لغايات الاستعداد للهرب، وبعدها فروا باتجاه المناطق
الزراعية المحيطة.
الأسرى الستة بعد هروبهم تفرقوا
كل اثنين على حده، وحاولوا الدخول لمناطق الضفة الغربية، لكن التعزيزات العسكرية والأمنية
الإسرائيلية الكبيرة حالت دون ذلك.
الأسرى الستة بعد خروجهم من السجن كان بحوزتهم بعض الأمور الأساسية من ملابس وطعام
كانوا يعرفون أنهم سيعودن إلى
السجن من جديد، كل واحد كان يعرف مصيره، وبأنه يستعرض للتعذيب والعزل وإعادة محاكمته،
لكنهم أرادوا إيصال رسائل مهمة لأبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وهي أننا
سنقاتل لنيل حريتنا لأنه لا يوجد ما نخسره، وبأن العملية هي جزء من النضال ضد هذا المشروع
الاستيطاني الاستعماري.
الأسرى الستة بعد خروجهم من
السجن عبر النفق، كان بحوزتهم بعض الأمور الأساسية من ملابس وطعام، لكن الأكل نفد كله
في اليوم الأول، واعتمدوا على ما توفر من فواكه في الحقول التي مروا عليها، ومرت عليهم
ساعات صعبة للغاية، وظهرت عليهم علامات الإنهاك والتعب الشديد بشكل واضح، قبيل اعتقالهم،
نتيجة عدم وجود غذاء وماء.
ورغم حالة الإحباط التي سيطرت
على الأسرى بعد إعادة اعتقالهم إلا أن هتافات الجماهير الفلسطينية التي حضرت إلى محكمة
الناصرة بعد إحضار الأسرى إلى المحكمة، رفعت المعنويات بشكل كبير.
وقال العارضة لمحامي هيئة شؤون
الأسرى والمحررين: "بعد سماع تلك الهتافات، انتعشت وعدت لحالتي الطبيعة، وتأكد
لي، أن ما قمت به ليس عبثا، وكان له نتائج كبيرة، رغم أنني اعتقلت مرة أخرى، كما أن
خروجنا عبر النفق وحد شعبنا في كافة أماكن تواجده حول الأسرى، وهذا بحد ذاته إنجاز
ليس بقليل".
والأسرى الستة هم: محمود العارضة
(46 عاما) من "عرابة/ جنين"، معتقل منذ عام 1996، ومحكوم مدى الحياة؛ والأسير
محمد العارضة (39 عاما) من "عرابة" معتقل منذ 2002، ومحكوم مدى الحياة؛ والأسير
يعقوب قادري (49 عاما) من "بير الباشا" معتقل منذ 2003، ومحكوم مدى الحياة
أيضا...
اقرأ أيضا: الاحتلال يبث مشاهد لأول مرة لأسرى "جلبوع" الستة (فيديو)
والأسير زكريا زبيدي (46 عاما) من مخيم جنين معتقل منذ عام 2019 ولا يزال موقوفا.
والأسير أيهم كممجي (35 عاما) من "كفر دان"، معتقل منذ 2006 ومحكوم مدى الحياة،
ومناضل نفيعات (26 عاما) من يعبد، معتقل منذ عام 2019.
وسلطت حادثة فرار أسرى جلبوع،
الضوء على واقع الأسرى والمعتقلين داخل السجون الإسرائيلية، حيث يقبع نحو 5 آلاف أسير
فلسطيني داخل 23 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، وسط معاناة كبيرة جراء الانتهاكات التي
يتعرضون لها يوميا.
وكشفت عملية نفق الحرية أن
الأسرى في السجن حافظوا على السرية لمدة طويلة من أجل نجاح العملية، وهو ما يشير إلى
إخفاق المخابرات الإسرائيلية في اختراق صفوف الأسرى.
وبناء على تحقيقات أُجريت مع
بعض الأسرى الفلسطينيين يتضح أن الكثير من الأسرى كانوا يعرفون بأن زملاءهم يخططون
للهرب من السجن، ففي قسم 2 في سجن جلبوع على سبيل المثال كانوا يعرفون بأمر الحفريات
التي أُديرت من قسم 5 الذي فر الأسرى منه.
ضاقت فلسطين على حريتهم، ولم
يتمكنوا من الوصول إلى مناطق أمنة بسبب إحكام الاحتلال وعيونه السيطرة على كل متر من
تراب فلسطين.
وظهر الأسرى فيما بعد أثناء
محاكمتهم أكثر صلابة وقوة في تحدي الاحتلال عبر تأكيدهم على حقهم في الحرية وبأنهم
سيواصلون محاولات الهرب دون توقف حتى يحملوا مع شعبهم راية الحرية والكرامة.
ونزل الفلسطينيون في كل أنحاء
الضفة الغربية وغزة والقدس وداخل أراضي عام 48 إلى الشوارع للاحتفال بشجاعة الأسرى
وقوتهم وشجاعتهم وقوة تحملهم مرددين الأغاني والأناشيد والهتافات للحرية والتحرير.
وأكدت آلاف المنشورات على مواقع
التواصل الاجتماعي شجاعة وبراعة السجناء: "لا تعط الأسرى الفلسطينيين أكثر من
ملعقة وسوف يشقون طريقهم إلى الحرية".
وتم تمجيد الملعقة ذات النفع
الكبير لتصبح "الملعقة المعجزة" و"ملعقة الحرية". بحسب الكاتبة
الأمريكية ديانا بلوك في موقع "كاونتربنش".
لقد جسد "الهروب الكبير"
في فلسطين الدور القيادي الذي يلعبه الأسرى الفلسطينيون في إلهام تماسك حركة التحرير
الفلسطينية.
وأخذت عملية الهروب في ذاكرة
الفلسطينيين صفة الانتصار والبطولة في جميع أنحاء فلسطين، وارتقى الحدث إلى مرتبة أسطورية
لأنها كانت جزءا من نضال شعب يكافح في أصعب الظروف من أجل استقلاله الوطني.