كتب

قراءة في إحصائيات الهجرة الدولية بتونس في كتاب (2من2)

45 % من الشباب التونسي لديهم استعداد للهجرة حتى وإن كانت غير شرعية
45 % من الشباب التونسي لديهم استعداد للهجرة حتى وإن كانت غير شرعية

الكتاب: "المسح الوطني للهجرة الدولية"
الكاتب من إعداد المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة 
الناشر: المركز الدولي لتطوير سياسة الهجرة، تونس 2021،

(74 صفحة من الحجم الوسط).

الهجرة غير الشرعية وغرق أحلام الشباب التونسي في المتوسط


مثّلت أخبار الهجرة غير الشرعية أحد أبرز العناوين في تونس، خاصة مع الارتفاع المطّرد لأرقام التونسيين الذين خيروا ركوب "قوارب الموت" هروبًا من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي فاقمها عدم الاستقرار السياسي. ولا تزال هجرة الشباب غير الشرعية من بلدان جنوب المتوسط إلى الضفة الشمالية منه، تُحْدِثُ معاناةً بلا حدود، وكوراث إنسانية مستمرة، ويزداد ضحاياها يوما بعد يوم، هذه هي نهاية رحلة الباحثين عن مستقبل أفضل على الشاطئ الآخر، لكنَّهم غرقوا مع أحلامهم، وابتلعتهم مياه البحر في الفصل الأخير من الحكايات الأليمة.

هؤلاء المهاجرون "غير الشرعيين" يعيشون أوضاعا مأساوية دفعت بهم لتلك الهجرة ولمغادرة أوطانهم وركوب المخاطر، ومنها الأوضاع الاقتصادية باعتبارها من أهم الدوافع المسببة للهجرات الداخلية والخارجية وأكثرها تأثيرا في الأفراد، وتتمثل في تدني المستوى الاقتصادي للأفراد، الأمر الذي يحد من طموحهم وأمانيهم في عيشة كريمة.

وأظهرت نتائج دراسة حول "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس"، أن 45% من الشباب التونسي لديه استعداد للهجرة حتى ولو كانت غير شرعية. وكشفت الدراسة التي أعدَّها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة "روزا لكسمبورغ"، أنَّ 81% من الشباب المستجوبين لديهم استعداد لتمويل الهجرة غير النظامية. 

وتشير بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية، في آخر تحيين للأرقام، إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين التونسيين الذين وصلوا إلى الأراضي الإيطالية منذ بداية سنة 2021 إلى غاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بلغ 15210 مھاجرًا بينما كان عدد الواصلين إلى إيطاليا خلال نفس الفترة من سنة 2020، 12510 مهاجرًا بنسبة زیادة بـ 19%.

في المقابل، بلغ عدد عمليات الهجرة غير الشرعية،التي تم إحباطها منذ يناير إلى غاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، 1662 محاولة بينما تم في نفس الفترة من سنة 2020 إحباط 1062 محاولة. وبذلك بلغ عدد المجتازین الذین تم منعھم منذ بدایة السنة 24116 مھاجرًا، بينما كان عدد الذين تم منعهم من الهجرة غير النظامية خلال نفس الفترة من سنة 2020،  12749 مهاجرًا أي بنسبة زیادة بـ %90 في ظرف سنة.

وبمقارنة عدد المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى إيطاليا سنة 2021 حسب الأشهر، نجد أن أكبر عدد للمهاجرين غير النظاميين الذين تمكنوا من الوصول إلى إيطاليا تم تسجيله في شهر يوليو 2021 إذ بلغ 3907 مهاجرين يليه شهر أغسطس/ آب بـ3904 مهاجرين، ثم شهر سبتمبر/ أيلول بـ1655 مهاجرًا. بينما تم تسجيل أقّل عدد للمهاجرين غير النظاميين التونسيين الواصلين إلى إيطاليا سنة 2021 في شهر أبريل/ نيسان إذ بلغ عددهم 307 مهاجرين، وفق بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ولطالما ارتبطت ظاهرة الهجرة غير النظامية بالهروب من الفقر والبطالة والخصاصة والبحث عن "العيش الكريم"، خاصة في ظلّ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردّية بالبلاد. ويقول المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني، أنَّ فشل سياسة التنمية في تونس قبل الثورة وبعدها من الأسباب الرئيسية لانتشار الهجرة السرِّية، معتبرا أن إقبال الشباب على هذا النوع من الرحلات أنتج شبكات سفر مختصة في رحلات الموت.

ويُؤَكِّدُ الرمضاني أنَّ غياب أجهزة رقابة عصرية لمتابعة نشاط مراكب الصيد البحري يُسَهِّلُ بشكل كبير تنظيم رحلات "الحَرقة"، ولا سيما أن مُنَظِّمِيهَا يَدْرُسُونَ جيدًّا المسالك الآمنة لعبور قواربهم، ما أدَّى إلى بروز تجارة مربحة أشبه ما يكون بتجارة الرقيق، حسب تعبيره.

ويقول أستاذ علم الاجتماع عبد الستار السحباني في دراسته حول الهجرة غير الشرعية في تونس ، إنَّ "نشأة مشروع الهجرة غير الشرعية لدى الشباب التونسي يعكس حالة من اللاأمن الناتج عن الفقر والبطالة والإحساس بالتهميش وانعكاساته النفسية السلبية فيكون مقدمة الانفصال بينه وبين المجتمـع فيتطلع الشـباب للهجرة بحثًا عـن الحضوة الاجتماعية المفقودة وعن أحلام قـد يكون عانقها ذات 17 ديسمبر وآمن بها يوم 14 يناير، لكنها تبخرت وسط عجـز الساسة عـن تحقيق طموحاتهم في الكرامة والعدالة الاجتماعية".

أسباب قادت إلى هجرة الكفاءات التونسية من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعيين

كشف المسح الوطني للهجرة الدولية بتونس، أنَّ 39 ألف مهندس و3300 طبيب غادروا تونس بين 2015 و2020 من أجل فرص عمل بالخارج. وأظهر المسح أنَّ هجرة ذوي المستوى التعليم العالي قد عرفت تسارعا في نسقها خلال السنوات الأخيرة.

وصرح 55.5 بالمائة من المهاجرين التونسيين الحاليين المقدر عددهم ب 566 ألف شخص، بأنهم يزاولون نشاط مهني في بلد المهجر في حين كانت هذه النسبة تقدر بـ 63.4 بالمائة قبل جائحة كورونا وهو ما يبرز الأثر السلبي للأزمة الصحية على نشاط التونسيين هناك.

إضافة إلى تنامي الهجرة غير الشرعية خلال سنوات ما بعد 2011، تعاني تونس في ظل الحكومات المتعاقبة التي تشكلت بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي من ظاهرة جديدة، اسمها هجرة الكفاءات، أو هجرة الأدمغة التونسية إلى البلدان الأوروبية. وتستمرّ هجرة الأدمغة التونسية نحو أوروبا وبلدان الخليج العربي، خصوصاً في تخصصات الطب والصيدلة والهندسة. وفي ظل تنامي الظاهرة، دقّت العديد من النقابات المعنية بهذه القطاعات ناقوس الخطر، مؤكدةً أنَّ تونس قد تواجه، خلال السنوات القليلة المقبلة، نقصاً في الكفاءات.

فقد تفاقمت وتيرة الظاهرة في سنوات ما بعد الثورة، واحتلّت تونس المرتبة الثانية عربيًا بعد سورية، لناحية هجرة الكفاءات العلمية والنخبة من الأكاديميين. وبلغ عدد المهاجرين، خلال السنوات الست الأخيرة، بحسب أحدث الإحصائيات، نحو 95 ألف تونسي، 78 في المائة منهم جامعيون، حسب تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، واستقر معظمهم في أوروبا، وبنسبة مهمة في فرنسا وألمانيا ثم كندا.

وتفيد الإحصاءات الصادرة عن ديوان التونسيين في الخارج، والوكالة التونسية للتعاون الفني، بأنَّ هناك 8500 كفاءة عالية اختارت الهجرة الاختيارية إلى الخارج، منها 3000 أستاذ جامعي، و2300 مهندس، وما يفوق 1000 طبيب في اختصاصات طبية مختلفة. ويعزو متخصصون الأسباب إلى تدني الأجور وعدم توفر المناخ والإمكانيات المناسبة للبحث العلمي.

وتُعَدُّ البطالة أحد أهم أسباب هجرة الأدمغة. ويعاني نحو 4740 مهندساً و1500 طبيب و5000 أستاذ من أصحاب شهادات الدكتوراه، من البطالة. وحذّرت عمادة المهندسين من تفاقم ظاهرة هجرة المهندسين التونسيين، مؤكدة هجرة ما لا يقل عن 10 آلاف مهندس خلال السنوات الأخيرة.

ويقول عميد المهندسين التونسيين، أسامة الخريجي، إنّ نحو ثلاثة آلاف مهندس يغادرون تونس سنوياً للعمل في الخارج، مشيراً إلى أن عدد المتخرجين سنوياً يقدر بنحو 8 آلاف، أي أنَّ نحو 30 في المائة يهجرون البلاد، وهذا الرقم مرتفعٌ. ويلاحظ أنَّ الأسباب المادية هي إحدى أبرز دوافع هجرة المهندسين التونسيين، مضيفاً أنَّه بعد سنوات عدة يقضيها هؤلاء في الدراسة، لا يحصلون على أجرٍ مناسبٍ. وفي ظل غلاء المعيشة وتزايد أعباء الحياة والتفكير في المستقبل، يهاجر المهندسون التونسيون، خصوصاً إذا ما تلقّوا عروضاً مغرية في بلدان أخرى.

 

إنَّ نزيف هجرة الأساتذة الجامعيين الباحثين يعد بالآلاف منذ عام 2011. ويقدّر عدد الأساتذة الجامعيين الباحثين الذين هاجروا بنحو 4500 أستاذ، من بين نحو 1200 أستاذ جامعي باحث. ويبيّن أن هجرة الأدمغة تحصل بوسائل مختلفة، عن طريق وكالة التعاون الفني، إِذْ إِنَّ الأرقامَ الحالية تُشِيرُ إلى هجرة 1600 أستاذ، وهناك من يغادرون بصفة فردية وعددهم في حدود 4 آلاف أستاذ.

 



ويلفت إلى أنَّ المهندس في الوظيفة العامة يحصل في بداية عمله على 1300 ديناراً (نحو 450 دولاراً)، مبيناً أنَّه بالمقارنة مع الأردن والمغرب، فإنَّ المهندس الأردني يحصل على أجر يساوي ثلاث مرّات أجر المهندس التونسي، ونحو مرّتين ونصف المرّة للمهندس في المغرب. ويضيف أنَّ هذين البلدين رَاهَنَا على الكفاءات وسَعَيَا إلى استقطابها، مشيراً إلى أنَّه لا يمكن الحديث عن تنمية من دون كفاءات تسهر على تطوير البلاد.

وتشهد هجرة الأطباء ارتفاعاً مستمراً من عام إلى آخر. ويتوقع متخصصون في الطب أن 1700 طبيب سيهجرون تونس حتى عام 2022 وستعاني البلاد من نقص في عدد الأطباء. وبين أحد استطلاعات الرأي أنَّ 45 في المائة من الأطباء التونسيين الجدد المسجلين في هيئة الأطباء في عام 2017 غادروا تونس نحو وجهات مختلفة.

وبالتوازي، يشهد العديد من المؤسسات الجامعية هجرة نخبتها، خصوصًا في ظل احتقان الأوضاع بين وزارة التعليم العالي واتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين "إجابة". ويرى المنسق العام المساعد لاتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين "إجابة"، ونائب رئيس الاتحاد العالمي لنقابات التعليم، زياد بن عمر، أنّ نزيف هجرة الأساتذة الجامعيين متواصل من جرّاء سياسة الحكومة وضرب الجامعة الحكومية والأستاذ الجامعي. ويُبَيِّنُ أنَّ الدولة تُنَفِّرُ بسياستها الحالية أدمغتها، وهو ما يتضح من خلال عدم ردِّ الاعتبار للأساتذة الجامعيين وشهاداتهم العلمية، وعدم تحسين ظروف عملهم وظروف البحث العلمي، إضافة إلى ضعف راتب الأستاذ الجامعي التونسي الذي يصنف من الأقل عربيًا.

ويقول بن عمر إنَّ نزيف هجرة الأساتذة الجامعيين الباحثين يعد بالآلاف منذ عام 2011. ويقدّر عدد الأساتذة الجامعيين الباحثين الذين هاجروا بنحو 4500 أستاذ، من بين نحو 1200 أستاذ جامعي باحث. ويبيّن أن هجرة الأدمغة تحصل بوسائل مختلفة، عن طريق وكالة التعاون الفني، إِذْ إِنَّ الأرقامَ الحالية تُشِيرُ إلى هجرة 1600 أستاذ، وهناك من يغادرون بصفة فردية وعددهم في حدود 4 آلاف أستاذ.

ويبيّن بن عمر أنّ مئات الأساتذة الجامعيين بصدد المغادرة والهجرة بسبب إغلاق أبواب الانتداب أمام الأساتذة منذ نحو أربعة أعوام، ما يعني وجود نحو 5 آلاف أستاذ عاطل من العمل. ويشير إلى أنّ المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية كشف أنَّ الأساتذة المتواجدين في الخارج يقدرون بعشرات الآلاف، مبيناً أنّه على الرغم من الاحتجاجات والاعتصامات التي خاضها الأساتذة الجامعيون، فإنَّ التسويف والمماطلات مستمرة. ويؤكد أنَّه غير متفائل بِوَضْعِ حدٍّ لنزيف هجرة الأساتذة الجامعيين، وهناك محاولات لضرب الجامعات العامة، من خلال سياسة تشجيع الجامعات الخاصة، إضافة إلى تشجيع أبناء الأثرياء على ارتيادها بهدف ضرب التعليم العام.

 

إقرأ أيضا: قراءة في إحصائيات الهجرة الدولية بتونس في كتاب (1 من 2)


التعليقات (0)