كتب

مسارات السياسات الاقتصادية في الأردن وتداعياتها الاجتماعية

مع سياسة الخصخصة في الأردن لصالح الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، تم فصل آلاف العمال
مع سياسة الخصخصة في الأردن لصالح الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، تم فصل آلاف العمال

الكتاب: البنى الاجتماعية الأردنية وتداعيات السياسات الاقتصادية
الكاتب: فهمي الكتوت
الناتشر: الآن ناشرون وموزعون، عمان 2021.

بدأ المؤلف كتابه بداية صحيحة، منذ نحو عقد ونصف؛ إذ أصدر كتابه الأول (الأزمة الاقتصادية والاجتماعية)، العام 2008، وأتبعه بـ "الزلزال المدوِّي الذي هزَّ النظام الرأسمالي"، في العام نفسه، وانتظر تسع سنوات، حتى أصدر كتابه الثالث "التحوُّلات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن"، وبعد ثلاث سنوات أخرى كتابه الرابع: "الأزمة المالية والاقتصادية في الأردن: أسباب ونتائج" (2020).

هكذا، أضاء المؤلف الأساس الاقتصادي، قبل أن يدلف إلى تأثيرات الاقتصاد على البنية الاجتماعية في الأردن، في انتظار أن يُوظِّف ما كتبه في الشأنين، الاقتصادي والاجتماعي، على الحركة السياسية الأردنية، وبذا تكتمل الحلقة. غطى الكتاب 170 صفحة من القطع الكبير.

تناول المؤلف تطور القطاعات الأساسية في البنى الاجتماعية الأردنية، والتحديات التي واجهتها، فضلا عن التداعيات الاقتصادية، لهذا كله، وتضمَّنت ثلاثة فصول، تخصَّص أولها في خصائص تلك البنى، بينما عني الفصل الثاني بالآثار الاجتماعية للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية، ما بين انتفاضة نيسان/ أبريل 1989، مرورا بمرحلة النهوض الطبقي، في العقد الثاني من القرن الحالي، في مواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية، واتساع حالات الفقر، والبطالة، وتآكل الطبقة الوسطى. بينما تركز الفصل الثالث حول الحركة النقابية العمالية، في الثلث الأخير من القرن المالضي، بما فيها من نجاحات، وإخفاقات، فضلا عن تواصل إضعاف الحركة النقابية.

يعاني الاقتصاد الأردني من تشوُّهات هيكلية، فجمع بين أنماط اقتصادية ما قبل الرأسمالية، إلى مظاهر الرأسمالية المشوَّهة، ناهيك عن أن هذا الاقتصاد نشأ وتوسَّع في إطار النظام الاستعماري. وقد حرِص الاستعمار بشكليه، القديم والجديد، على إبقاء الأردن تابعا للأجنبي، ومنعه من الاعتماد على الذات.

جمع هذا الاقتصاد بين النموذج الريعي، والاعتماد على المنح والقروض، في توفير ثلث نفقات الدولة؛ وتحويلات المغتربين، لتغطية جزء من عجز فاتورة الاستيراد، بعد تخريب الإنتاجَيْن، الزراعي، والصناعي، وتفشي النمط الاستهلاكي، وتغوُّل الشرائح الطفيلية. وتشكِّل الإيرادات الضريبية نحو 70% من الإيرادات المحلية، دون الأخذ بـ "لا ضرائب بدون تمثيل سياسي". كما توظف الدولة نحو 39% من مجموع العاملين، وهي نسبة تفوق مثيلاتها في الأقطار المشابهة.

نشأت الرأسمالية في الأردن تحت نير الاستعمار، وليس من أحشاء الإقطاع. القول بأنها طفيلية ليس دقيقا؛ لأن صفة الطفيلية تسم كل البرجوازيات في العالم؛ لأنها تتطفل على عرق الطبقة العاملة، إلا إذا كانت البرجوازية الأردنية تتصف بطفيلية مزدوجة، فبعد التطفل على الطبقة العاملة الأردنية، فإن تلك البرجوازية تتطفل على اقتصاد البلد؛ فتضخ الأرباح التي تجنيها إلى الاحتكارات الأجنبية.

من جهة أخرى، تضخمت حصة قطاع الخدمات إلى نحو 67% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تراجع مستوى هذه الخدمات.

عن الفئات والطبقات النافذة، في المجتمع الأردني، يؤكد الكتوت بأنها من تمتلك وسائل الإنتاج، والمستفيدة من القيمة المضافة، ومن مؤسسات الدولة، ومن ثم مسيطرة على القرار السياسي. وقد نفذت هذه الشرائح السياسات النيوليبرالية، بخصخصة مؤسسات الدولة، وتفكيكها، وتقاسمت السلطة من البيروقراطية المدنية، والعسكرية، وقد مكنتها الامتيازات التي حصلت عليها من اقتحام مجال التجارة، والعقارات.

 

عن الفئات والطبقات النافذة، في المجتمع الأردني، يؤكد الكتوت بأنها من تمتلك وسائل الإنتاج، والمستفيدة من القيمة المضافة، ومن مؤسسات الدولة، ومن ثم مسيطرة على القرار السياسي.

 



وتحتل الكومبرادور (وكلاء الشركات الاحتكارية الأجنبية) موقعا مؤثرا في المجتمع الأردني. كما تمكَّنت الرأسمالية المصرفية والمالية من الصعود إلى قمة الهرم، وقد استفادت من سياسة الانفتاح، وتحرير أسواق المال. ما يُفسِّر خضوع القوانين الاقتصادية لمنطق التبعية. وتحمَّس هذا القطاع لضخِّ السيولة في شريان الأنشطة الطفيلية عبر استيراد السلع الكمالية، والمضاربات العقارية.

نأتي إلى كبار الملاك العقاريين؛ حيث يمتلك 3.4% من الملاك نحو 60% من الأراضي الزراعية (1.331 مليون دونم)، بينما امتلك 68.6% نحو 9.4%؛ مع ملاحظة أن النسبة الأكبر من هذه الأراضي غير صالحة للزراعة.

أما المقاولون، فقد نشؤوا مع التوسع العمراني، وتطور البنية التحتية. وحرصت نخبة منهم على الوصول إلى السلطة التشريعية، والمشاركة في صنع القرار السياسي.

تساءل المؤلف: ما هي الشرائح، والطبقات الاجتماعية النافذة، والمستفيدة، والمنتفعة، التي تُشكِّل السند الطبقي للحكم؟

يرد بأنها التخمة المالية، والكومبرادور، والبيروقراطية، المدنية والعسكرية، وكبار المقاولين، والملاكين الكبار.

وأضاف بأن توزيع قسم كبير من العمال في مؤسسات، وورش صغيرة، ذات طابع حِرفي، يشكِّل أحد أهم عوامل ضعف الطبقة العاملة، فضلا عن المفاهيم الغربية، التي تسلَّلت إلى ثقافة هذه الطبقة، وأخلاقياتها، وتقاليدها، وتدني وعيها الطبقي، ومن ثم استصغار شأن التنظيم النقابي، والحزبي.

مع سياسة الخصخصة، والتخلي عن أهم القطاعات الاقتصادية لصالح الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، تم فصل آلاف العمال.

بينما تم إهمال القطاع الزراعي، حتى إن الرقعة المزروعة لا تُشكِّل سوى نحو 3% من مجموع مساحة البلاد، والأراضي الخصبة من بينها محدودة، مع ملاحظة أن مساحة الأراضي الزراعية قد انخفضت من 4.842 مليون دونم، العام 1950، إلى مجرد 2.204 مليون دونم، العام 2017، وارتفع عدد الحيازات إلى 75,417 حيازة، بتأثير تفتيت الملكية، بينما يمتلك 3% من أصحاب الحيازات 60% من مجموع الأراضي المزروعة.

تبقى بعض الملاحظات غير الجوهرية؛ ولنبدأ بالإيجابية منها، أولا هذا هو الكتاب الوحيد في موضوعه، وإن لمست كتب أخرى جوانب، هنا وهناك. وثانيا الأسلوب جزل ومشوِّق.

ننتقل إلى الجانب الآخر. فأولا ربما كان الأجدى أن يقتصر عنوان الكتاب على "البنى الاجتماعية".

أما الجداول، فربما كان من الأجدى نقلها إلى متن كل فصل، حتى يتسنى إلحاق كل جدول بدلالاته.

يبدو أن المؤلف اعتمد على أن كتبه السابقة، إضافة إلى كتب هاني حوراني، قد غطَّت الخلفية التاريخية؛ بينما كان الأجدى أن نبدأ بهذه الخلفية في خطوط عريضة جدا، مستعينين بالإحالات.

وبعد، فهذا الكتاب ضروري لكل من أراد التعمق في متابعة الأحداث الجارية في الأردن، فضلا عن الوعي بالحركة السياسية هناك.


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل