هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من جديد يدفع السودانيون ثمنا كبيرا للأزمة السياسية الطاحنة التي تمر بها البلاد، فمنذ رحيل البشير دفع السودانيون ثمنا اقتصاديا وسياسيا كبيرا، ومؤخرا بعد انقلاب البرهان فاقم ذلك معاناتهم اليومية.
انقلاب البرهان
في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 انقلب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، على الحكومة المدنية، ليزيد المشهد السوداني تعقيدا، وفيما اعتبره مراقبون وقتها أن البرهان يمضي قدما، في فرض سياسة الأمر الواقع، وربما حكومة الأمر الواقع، دون التفات لاحتجاجات الشارع والشركاء السياسيين، وبدا إصرار البرهان من خلال إعلانه تشكيل مجلس سيادة انتقالي جديد برئاسته، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وعين وقتها البرهان محمد حمدان دقلو "حميدتي" نائبا له، كما أدى البرهان اليمين الدستورية كرئيس للمجلس!!
السودان تخسر أكثر من مليار دولار بأول 24 ساعة للانقلاب
وفقا لتقرير نشرته "BBC" فقد خسرت السودان خلال أول 24 ساعة من انقلاب البرهان ما إجماله 1.46 مليار دولار من مساعدات كانت مقررة للبلاد قبل انقلاب البرهان المفاجئ وشملت هذه المساعدات التالي: 700 مليون دولار من المساعدات الأمريكية بالإضافة لـ 150 مليون دولار من صندوق النقد الدولي و500 مليون دولار من وكالة التنمية الدولية بالإضافة إلى 100 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي.
انهيارات متتالية لمؤشرات الاقتصاد بالبلاد
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وبعد أيام من انقلاب البرهان أظهر الأداء الاقتصادي للحكومة استمرار تفاقم الأوضاع مع زيادة التضخم إلى معدلات فلكية بلغت 422 % مقابل نحو 70 % في عهد البشير، كما واصلت العملة الانهيار من 47 جنيهاً مقابل الدولار الواحد إلى 441 جنيهاً حالياً، وهذا الرقم لم يسبق تسجيله في تاريخ العملة الوطنية بالسودان، وهو ما دفع شركات منتجات غذائية وتجار إلى إيقاف عمليات البيع للجمهور تماماً، خشية التعرض لخسائر مالية، نتيجة عدم ثبات سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية.
كما أثرت الأزمة على احتياطي السوان من العملة الصعبة " الدولار" ما أدى لانخفاض حاد بالاحتياطيات الأجنبية أدت إلى نقص الوقود والخبز والأدوية والاحتياجات الأساسية، وهو ما ينذر بقفزة التضخم الذي يسجل أعلى مستوياته على الإطلاق اليوم بالسودان.
بيانات اقتصادية دولية عن السودان تحذر من القادم!!
بحسب بيانات البنك الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في السودان إلى مستويات 26 مليار دولار في 2020، من 32 مليار دولار في 2019، بانكماش نسبته 19%، وبحسب صندوق النقد في 2021، ارتفعت مستويات التضخم بأكثر من 50%، الأمر الذي جعل من الصعب استقطاب استثمارات أجنبية في ظل زيادة التضخم، وعدم ثبات سعر الصرف، كما انعكس تراجع قيمة الجنيه وارتفاع معدل التضخم سلباً على أسعار جميع السلع الاستهلاكية والخدمات التي تشهد غلاءً فاحشاً هذه الأيام.
ليس هذا فقط بل يواجه الشباب السوداني أزمة بطالة حادة وصلت إلى معدل نحو 18% حتى 2020، وفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة السودانية، ولكن اقتصاديين يتحدثون عن نسب محدثة أعلى، تواجهها السودان للمرة الأولى على الإطلاق.
ما الذي يواجهه السودانيون في 2022؟
تزداد الأوضاع الاقتصادية بالسودان سوءا وتتفاقم حدتها هذا العام، فقد ارتفعت قيمة الإيجار مرات عديدة خلال السنوات الثلاث الماضية، من 6 الآف جنيه سوداني شهريا إلى 50 ألف جنيه حاليا، وتصل اليوم لأكثر من 150 ألف جنيه شهريا.
غلاء طاحن بالسودان
يؤكد سودانيون في تقرير لـ "BBC" ونشطاء عبر مواقع التواصل أن الغلاء صار طاحنا، وأن سعر رغيف الخبز في كانون الثاني/يناير 2022 صار يساوي 33 جنيها بدلا من 5 جنيهات قبل شهور قليلة.
ووفقا لآخر إحصاء لمفوضية الضمان الاجتماعي بالسودان والذي أعلنت نتائجه في أيلول/ سبتمبر2020، يقبع 77% من السودانيين البالغ 40 مليون تحت خط الفقر، ولم يتجاوز دخل الفرد دولارا واحدا و25 سنتا فقط لليوم.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل زادت معاناة المرضى السودانيين فمثلا ارتفع سعر جلسات غسيل كلوي الذي يحتاجها مرتين أو ثلاثا أسبوعيا من 6 آلاف جنيه سوداني إلى 100 ألف جنيه واضطر كثير من السودانيين بالأشهر الأخيرة تحت وطأة الحاجة وارتفاع الإسعار للتخلي عن أدويتهم مقابل شراء الأطعمة والسلع الأساسية الأخرى.
لكن حتى هذه السلع تفاقم سعرها حتى امتنع بعض السودانيين عن شرائها فقد تضاعفت أسعار غذاء السمك 10 مرات خلال عام ما أدى لارتفاع أسعار الأسماك بالبلاد، وأثر على كثير من مشاريع المزارع السمكية بالبلاد وأدى لتوقف بعضها تماما.
برامج المساعدات ليست كافية.. الخسائر مستمرة للاقتصاد
بعد رحيل البشير تلقت الحكومة السودانية دعما خارجيا لتحسين جودة حياة مواطنيها فوزعته على فئات من مواطنيها تحت عنوان برنامج "ثمرات"، وبدأ بعضهم يحصل على عدة دولارات شهريا من هذه البرنامج الذي توقف في أعقاب انقلاب ٢٥ تشرين الأول/أكتوبر، وحسب وزير الاستثمار والتعاون الدولي في حكومة حمدوك فقد خسر السودان بسبب الانقلاب استثمارات تقدر بأكثر 35 مليار دولار في مجالات الزراعة والصناعات المتكاملة وغيرها.
تجميد المساعدات الدولية
وبعد الانقلاب العسكري، جمدت أميركا برامج مساعداتها للسودان و توقف برنامج تخفيف ديون السودان الخارجية للبلاد التي بلغت 59 مليار دولار قبل رحيل البشير. كما أوقفت مؤسسات تمويل دولية خططها لدعم الاقتصاد السوداني ومنها البنك الدولي، هذا بالإضافة إلى تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية.
وفي 2022 تأخر اعتماد موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ عادة مع بداية العام، لغياب الحكومة لأكثر من شهرين، قبل أن تقر نهاية الأسبوع الماضي، لكن اقتصاديون سودانيون يحذرون بشدة معتبرين أن أي حكومة جديدة بالبلاد ستنتهي للنتيجة نفسها بسبب وضع الاقتصاد السوداني الذي يعتمد على الريع، من الطبيعة سواء ثروة زراعية او حيوانية او المعادن كالذهب دون قاعدة إنتاجية زراعية أو صناعية قوية ومؤثرة، وهذا قد تفاقم وتأثر بشدة بعد الانقلاب العسكري والأزمة السياسية بالبلاد منذ رحيل البشير.
هل تتجه السودان لطبع العملة؟
يخشى نائب رئيس تحرير "السودان الدولية" طاهر المعتصم - في تصريحات صحفية - من لجوء الحكومة لطبع العملة دون غطاء مثلما كان يحدث سابقا (أيام البشير) والذي توقف تماما قبل الإنقلاب، خاصة وأن هذا سيفاقم التضخم المرتفع أساسا بشكل كبير، والذي سيؤدي لعجز المواطن السوداني عن توفير قيمة احتياجات كثيرة، فرغم أن أوضاع السودان قبل انقلاب البرهان كانت سيئة لكنها بحسب كثير من النشطاء السودانيين لم يكن الوضع بهذا السوء كما هو عليه اليوم.
ويدعم هذا التوقع ما أشار إليه الخبير الاقتصاد الدكتور السماني هنون من أن موازنة 2022 صدرت بطريقة غير قانونية حيث تم الموافقة عليها في غياب مجلس الوزراء ومجلس تشريعي، وأن من قدموها هم في حكم المستقلين لأنهم جزء من حكومة حمدوك، متوقعين سقوطها خلال أشهر، ومشيرين إلى أنها ليست موازنة بالمعنى المتعارف عليه لأنها لا تضم أي أرقام، بل عبارة عن توجهات وآمال وحديث إنشائي فقط.
إيجابيات قبل الانقلاب
وأقر صندوق النقد الدولي في تموز/ يوليو 2021 قرضاً بقيمة 2.5 مليار دولار للسودان، وأبرم اتفاقاً تاريخياً مع البنك الدولي يقضي بتخفيف قدره 50 مليار دولار من ديون السودان، وجاء الإقرار بعد أن وضع صندوق النقد الدولي اللمسات الأخيرة على اتفاق مع 101 بلد مانح يسمح للسودان بتسديد نحو 1.4 مليار دولار من ديونه المتأخرة للمقرض الذي يتخذ من واشنطن مقراً، وهو أمر كان يعرقل حصول السودان على مساعدات جديدة، لكن هذا كله توقف بعد الانقلاب.
بعثة الأمم المتحدة تحذر
وفي منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري أكدت بعثة الأمم المتحدة للسودان أن الاقتصاد السوداني يتجه نحو الأسوأ، مشيرة إلى أن إنجازات حكومة عبدالله حمدوك معرضة لخطر شديد، كما قال أستاذ لاقتصاد أبو القاسم إبراهيم في تصريحات صحفية إن: "الاقتصاد السوداني شبه منهار، وحركته شبه مشلولة"، مشيرا إلى أن "الاقتصاد لا يعمل إلا بـ30% من قوته فقط، وأن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السوداني حاليا هي الأكبر في تاريخه".
ولفت أبو القاسم إلى انهيار بورصات المحاصيل بسبب توقف حركة البيع والشراء، كما حذر من ارتفاع السلع والخدمات الأساسية في البلاد، وتوقف دعم بعض السلع الأسعار الأساسية مثل الخبز، وتدني الدخول في القطاعين العام والخاص.
الانقلاب دمر الأوضاع الاقتصادية للسودان
وحذر المحلل الاقتصادي، أحمد خليل في تصريحات أخرى من أن الاقتصاد السوداني منذ الانقلاب يواجه ركود كبير في جميع الأسواق، ويعاني من اختناقات اقتصادية كبيرة، حيث بلغ معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد المواد المتقلبة مثل الغذاء، ارتفع إلى 443.48٪ في كانون الأول/ديسمبر من 428.34٪ في تشرين الثاني/ نوفمبر، حتى حذرت الأمم المتحدة مؤخرا أن 30% من السودانيين سيحتاجون لمساعدة إنسانية في العام 2022، وهو المعدل الأعلى منذ عقد.
هل يخرج السودانيون من جديد؟
ويحذر أستاذ الاقتصاد أبو القاسم إبراهيم أن الأزمة الاقتصادية بالسودان ستدفع الناس للخروج في مظاهرات إلى جانب المطالبين بالحرية والديمقراطية، مما يزيد الضغط على المشهد السياسي، فالانهيار الاقتصادي سيؤثر على الأوضاع الأمنية في البلاد، ويزيد من ارتفاع معدلات النهب والسرقة.
— عبدالعظيم الأموي (@amaway) January 7, 2022
— Elia R William (@eliarwilliam) January 22, 2022
— عبدالعظيم الأموي (@amaway) January 10, 2022
— faten juma salem al (@fatenjumasalem) November 19, 2021
— مود بوقرمي 𝕸𝖚𝖉 𝕭𝖔𝕲𝖆𝖗𝖒𝖊𝖎 (@MudatherALamen) September 22, 2021
— K🅰️Rℹ️M☢️🆎🅰️SiRi (@Kimo_k0n0) October 26, 2021
— عبدالعظيم الأموي (@amaway) January 15, 2022