هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تواصل الأزمة السياسية بتونس إلقاء ظلالها على اقتصاد البلاد، ما جعل جميع المؤشرات الاقتصادية بتونس تتراجع وتنذر بدخول البلاد في انهيار اقتصادي وشيك، فشبح الإفلاس بات يهدد الدولة فيما أطلق خبراء الاقتصاد صيحة فزع.
واستفاق التونسيون الثلاثاء على خبر رفع أسعار المحروقات، فيما عرف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي تأخرا في صرف الرواتب لأكثر من عشرة أيام في قطاع الوظيفة العمومية، في وقت تعرف فيه بقية الأسعار ارتفاعا، رغم تعهد رئيس البلاد قيس سعيّد بخفضها.
وتعرف الأسواق التونسية خلال هذه الأيام فقدان مواد أساسية عديدة أهمها السميد، ما تسبب في طوابير طويلة أمام المخابز، خاصة في المناطق الداخلية، فمنذ ساعات الصباح الأولى لا وجود للخبز، فضلا عن مواد أخرى أهمها الزيت والسكر المفقودة هي الأخرى منذ أشهر طويلة.
وكشف مدير توزيع المحروقات بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم عفيف المبروكي أن الزيادة كانت مبرمجة بنسبة 3 بالمئة، لكنها لم تُفعّل في كانون الثاني/ يناير نظرا للصعوبات الاقتصادية.
وتوقع المسؤول التونسي زيادة جديدة خلال السداسي الثاني بالنظر لارتفاع الأسعار العالمية للبترول.
إفلاس وانهيار
تقدر موازنة الدولة لسنة 2022 بـ57291 مليون دينار (20 مليار دولار)، أي بزيادة بـ 3.2 بالمئة مقارنة بقانون المالية التكميلي لسنة 2021، وتقدر كتلة الأجور في تونس بـ20,345 مليون دينار بزيادة قدرها 1228 مليون دينار مقارنة بـ2021.
وتسبب تأخر صرف الأجور في فرض البنوك لغرامات على الموظفين وهو ما أثار استنكارا واسعا، فيما اعتبرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي التأخير بغير المقبول وبالعنف المعنوي الذي تسلطه الدولة على المدرسين.
وكشف المكلف بالإعلام في الاتحاد العام التونسي للشغل غسان القصيبي، أن البريد التونسي قام بتقديم مدخراته للدولة بقيمة 700 مليار لخلاص الأجور.
وقالت الخبيرة الاقتصادية جنات بن عبدالله في حديث لـ"عربي21"، إن "الوضع مخيف في تونس والتقارير الدولية تحذر من الانهيار والاحتقان الاجتماعي، الدولة فعليا باتت عاجزة عن خلاص ديونها".
وكشفت بن عبدالله أن "البلاد أفلست وهي في طريق مسدود والخوف كل الخوف من خروج الشارع للتعبير عن الغضب".
الأزمة السياسية
تعمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بتونس جراء الأزمة السياسية وذلك بعد اتخاذ الرئيس قيس سعيد سلسلة من التدابير الاستثنائية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، حيث أعلن تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان، وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية.
وقال الخبير الاقتصادي محمد النوري، في تصريح لـ"عربي21": "لا أظن أن هناك خلافا في توصيف الوضع الاقتصادي اليوم في تونس وفي هذه اللحظة بالذات التي تعيش فيها البلاد حالة غير مسبوقة من أزمة مركبة يختلط فيها الاقتصادي بالسياسي بالاجتماعي بالصحي".
وقال النوري: "على رأس هذه الأزمة يبدو المشكل المالي العنوان الأبرز للوضع الاقتصادي عامة، حيث بلغت الأزمة المالية ذروتها في عدم القدرة على الالتزام بصرف رواتب الموظفين والأجراء في تاريخها المعتاد، بالإضافة إلى فقدان السوق لبعض المواد الغذائية الأساسية كالسميد والدقيق والزيت النباتي والأرز والبيض".
وأرجع الخبير ذلك إلى "تراجع الإنتاج المحلي من جهة، واضطراب في سلاسل التوريد من جراء تداعيات الأزمة الوبائية الجديدة من جهة ثانية، وتفاقم الاحتكار والتلاعب بالأسعار لمعظم هذه المواد التي سجلت ارتفاعا ملحوظا في الأشهر القليلة الماضية، بلغ في بعض الأحيان إلى عدة أضعاف كالدواجن والبيض على سبيل المثال".
اقرأ أيضا: "سابقة الأجور" تثير غضبا بتونس.. وموازنة سعيد تخلف خسائر كبرى
وأكد الخبير محمد النوري أن "هذا المشهد المتأزم يعكس عجز الحكومة القائمة على إدارة سليمة للأوضاع والتحكم في مفاصل الأزمة، وخصوصا القدرة على استشراف المستقبل القريب ناهيك عن البعيد في ظل ترقب الجميع لبوادر دخول الحكومة في مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي البوابة التي لا بد منها للولوج للأسواق المالية".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه "علاوة على الشكوك المرتبطة بإمكانية حصول هذه المفاوضات، فإن التوصل لنتائج عملية ملموسة يحتاج إلى فترة زمنية لا تقل عن أربعة أشهر، وهو ما يضاعف من حدة الأزمة واستفحال المأزق"، مؤكدا أن "الخروج من المأزق لن يكون إلا بوحدة وطنية تضامنية وبمعالجة سريعة للأزمة السياسية التي تخنق بالبلاد".