في الرابع من شباط/ فبراير 2019 وقّع البابا فرانسيس مع
شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب وثيقة الأخوّة الإنسانية في أبو ظبي، واتخذت الأمم المتحدة قرارا باعتبار هذا اليوم يوما عالميا للأخوّة الإنسانية، ولم يكتف
البابا فرانسيس بتوقيع هذه الوثيقة فقط، بل شكّلت مواقفه ونشاطاته خلال السنوات الثلاث الأخيرة برهانا عمليا على تبني ما جاء في هذه الوثيقة من مواقف إنسانية، والاهتمام بقضايا اللاجئين والمآسي التي يواجهها العالم، وكان يطلق النداء تلو الآخر لوقف الحروب والصراعات، ويعبّر عن اهتمامه الخاص بالفقراء في العالم.
كما جاءت زيارته إلى العراق في آذار/ مارس من العام الماضي واللقاء مع محتلف المرجعيات الدينية العراقية تأكيدا للروحية التي ينطلق بها البابا فرانسيس لرؤيته للعالم اليوم، وأن لقاءه الخاص مع المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني كان متميزا جدا. والملفت ما قاله البابا آنذاك بعد تلك الزيارة؛ من أنه استفاد روحيا من هذه اللقاءات وانعكس ذلك إيجابا على رؤيته ومواقفه.
ومن يواكب اليوم أداء الفاتيكان و
مواقف البابا في مواجهة تحديات العالم المختلفة يشعر أنه أمام كنيسة كاثوليكية جديدة؛ تختلف عن تلك الكنيسة التي تابعنا أدوارها ونشاطاتها طيلة قرون طويلة من الصراعات والأزمات في العالم.
من يواكب اليوم أداء الفاتيكان ومواقف البابا في مواجهة تحديات العالم المختلفة يشعر أنه أمام كنيسة كاثوليكية جديدة؛ تختلف عن تلك الكنيسة التي تابعنا أدوارها ونشاطاتها طيلة قرون طويلة من الصراعات والأزمات في العالم
ونحن كنا دائما نلجأ في تقييمنا لأداء الكنائس المسيحية إلى ذلك المشروع التاريخي الذي ربط بين ثلاثية: الاستشراق والتبشير والاستعمار، وتلك العلاقة الجدلية والقوية بين هذه الأركان. وكان كتاب "التبشير والاستعمار في البلاد العربية" للدكتور مصطفى خالدي والدكتور عمر فروخ؛ أحد أبرز الكتب والمصادر التي كنا نعود إليها لتأكيد مقولاتنا التاريخية، إضافة إلى العودة إلى تلك الحقب التاريخية من الصراعات التي خاضتها شعوب العالم العربي والإسلامي في مواجهة الاستعمار، ومسؤولية الكنائس المختلفة عن تلك المرحلة.
وفي مرحلة الصراع بين الرأسمالية والشيوعية وبين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، لا يمكن أبدا إغفال الدور الذي لعبه البابا يوحنا بولس الثاني في دعم الثورة الشعبية والعمالية البولندية في مواجهة النظام الشيوعي.
لكن ما أود طرحه في هذا المقال، وهو مطروح للنقاش والتفكير وليس بالضرورة أنه يصل إلى نتائج حاسمة لأن ذلك يتطلب دراسات موثقة ومعطيات علمية شاملة، هل لا زالت الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها البابا فرانسيس جزءا من مشروع سياسي غربي أو أداة من أدوات العمل السياسي لترويج سياسات معينة؟ أم أننا أمام كنيسة جديدة تركز اهتمامها على قضايا العالم المعاصر ونصرة الإنسان، وتبحث عن كيفية معالجة هموم الناس والتعاون مع بقية المرجعيات الدينية في هذا المجال؟
وهل أولوية الكنيسة اليوم الاستمرار في عمليات التبشير أو الحفاظ على الوجود المسيحي في العالم والذي يتعرض للتراجع والانقراض أحيانا، وخاصة في منطقة
المشرق العربي، حيث يواجه المسيحيون أزمات وجودية مختلفة أدت خلال العقود الأخيرة إلى تراجع كبير في أعدادهم ودورهم، وهاجر الكثيرون منهم من المنطقة إلى كافة أنحاء العالم، وفي فلسطين المحتلة يواجه المسيحيون أزمة خطيرة على مستوى الأعداد وانتزاع الملكيات وعمليات التهويد ولا سيما في القدس الشريف وبيت لحم؟
التركيز على حماية الوجود والبحث عن أشكال مختلفة للتعاون مع بقية المرجعيات الدينية الإسلامية، وهذا ما انعكس إيجابا في العلاقة مع الأزهر الشريف ومع المرجعية الدينية في النجف، إضافة للعلاقات المميزة مع مؤسسات إسلامية أخرى
من يراقب أداء البابا فرانسيس وأداء مؤسسات الفاتيكان في السنوات الأخيرة يلحظ التركيز على حماية الوجود والبحث عن أشكال مختلفة للتعاون مع بقية المرجعيات الدينية الإسلامية، وهذا ما انعكس إيجابا في العلاقة مع
الأزهر الشريف ومع المرجعية الدينية في النجف، إضافة للعلاقات المميزة مع مؤسسات إسلامية أخرى.
وما ينطبق على الكنيسة الكاثوليكية في روما ينبطق أيضا على مؤسسات كنسية عالمية حاولت التقارب والتعاون مع الجهات الإسلامية في مواجهة مختلف التحديات العالمية الجديدة، وخصوصا قضية انتشار التطرف والعنف وقضايا اللاجئين ومواجهة العنصرية والإسلاموفوبيا.
طبعا لا بد أن نستثني بعض الكنائس الإنجيلية المحافظة في أمريكا وبريطانيا، والتي تتبنى دعم الكيان الصهيوني والتي توصف بما يسمى "الصهيونية المسيحية". كما أنه من المهم التنبيه إلى محاولات البعض تبني دين جديد باسم "
الإبراهيمية الدينية"، والهادف لتبرير الصلح والتطبيع مع العدو الصهيوني تحت عناوين مختلفة، وقد جرى التحذير من ذلك من خلال كتب ودراسات هامة.
من ينظر إلى المؤسسات الدولية التقليدية في العالم يشعر أنها أصبحت عاجزة عن معالجة هموم الإنسان ومشاكله، فهل يمكن للتعاون بين المرجعيات الدينية أن يكون البديل عن ذلك؟ وهل يستطيع الفاتيكان بالتعاون مع المرجعيات الدينية الإسلامية ملء بعض هذا الفراغ الكبير في عالم الإنسان اليوم؟
وأما دور الفاتيكان الجديد فهو يحتاج لمتابعة ودراسة لتقييم أبعاد هذا الدور ودلالاته في عالم اليوم، وأين يمكن أن نلتقي مع هذا الدور في مواجهة التحديات والمشكلات التي تواجه العالم اليوم، لأنه كما أنه لم تعد هناك أية دولة لوحدها قادرة على مواجهة مختلف التحديات، كما أن أتباع أي دين واحد لم يعودوا قادرين على مواجهة هذه التحديات، ونحن جميعا بحاجة لتعاون مشترك بين أتباع مختلف الديانات، وحتى مع الذين يمكن أن نلتقي معهم في القضايا الإنسانية.
من ينظر إلى المؤسسات الدولية التقليدية في العالم يشعر أنها أصبحت عاجزة عن معالجة هموم الإنسان ومشاكله، فهل يمكن للتعاون بين المرجعيات الدينية أن يكون البديل عن ذلك؟ وهل يستطيع الفاتيكان بالتعاون مع المرجعيات الدينية الإسلامية ملء بعض هذا الفراغ الكبير في عالم الإنسان اليوم؟
إنه موضوع جدير بالاهتمام والنقاش في ظل ازدياد أزمات اليوم، فهل تكون العودة إلى الدين مجددا شبكة الخلاص من أزمات العالم المتفاقمة؟
twitter.com/KassirKassem