قضايا وآراء

قراءة في صفحة الفقيد الموؤودة (3-3)

أحمد عبد العزيز
1300x600
1300x600
قضية صفحة "كلنا خالد سعيد" وأيقونتها

نجحت صفحة "كلنا خالد سعيد" نجاحا باهرا في اختيار "قضيتها" و"أيقونتها"، وأحسنت إنتاجهما، ثم إعادة إنتاجهما طوال فترة "الحملة".. فأما "القضية"، فكانت إزهاق روح شاب بريء تحت التعذيب في أحد أقسام شرطة مبارك.. وأما "الأيقونة"، فكانت وجه "خالد سعيد" الوديع!

فلماذا تم اختيار خالد سعيد أيقونة لضحايا شرطة مبارك، وليس أي شاب آخر مات تحت التعذيب (أيضا) في أحد أقسام شرطة مبارك، أو مات مشنوقا في سجون مبارك، مثل المجند سليمان خاطر الذي يعتبره المصريون جميعا (بحق) أيقونة للمصري الأصيل الذي لا يقبل الضيم، ولا يرضى المساس بحياض وطنه، ولا يسمح بانتهاك شرفه العسكري؟ علما بأن السواد الأعظم من ضحايا التعذيب في عهد مبارك كانوا من "الإسلاميين" باستثناء خالد سعيد، وآخرين الله يعلمهم.. فلماذا كان الاستثناء هو "الأيقونة" وليس العكس كما يقتضي المنطق؟!
لماذا تم اختيار خالد سعيد أيقونة لضحايا شرطة مبارك، وليس أي شاب آخر مات تحت التعذيب (أيضا) في أحد أقسام شرطة مبارك، أو مات مشنوقا في سجون مبارك

عند مقارنة خالد سعيد مع أي شاب "إسلامي" من ضحايا التعذيب، سترجح كفة خالد سعيد (تسويقيا) على كفة أي شاب إسلامي آخر مهما علا كعبه؛ للاعتبارات الآتية:

- خالد سعيد، شاب عادي جدا، ليس له انتماء سياسي أو ديني، بل وليس متدينا من الأساس.. بمعنى آخر، هو شخصية "محايدة" لا يرفضها ولا يتحسس منها، مسلم أو مسيحي، متدين أو علماني، أو حتى ملحد.

- يتمتع خالد سعيد بوجه بريء، تكسوه وداعة، مريح بصريا، يحملك على التعاطف معه، إذا ما قورنت صورته المعروفة بصورته بعد تشريحه، والتي يظهر فيها وجهه مشوها تماما، حتى تكاد تنكر أن هذا الوجه المشوّه لخالد سعيد.

- خالد سعيد شاب إسكندراني "رِوِش"، يدخن السجائر وأشياء أخرى.

- أخت خالد سعيد فتاة عادية، لا يمكنك التعرف على هويتها "الدينية" إذا صادفتها في الشارع، فلباسها لا يوحي بأنها متدينة.

- أم خالد سعيد (السيدة ليلى مرزوق) تشبه (في هيئتها العامة) معظم أمهات شباب مصر، وهم الجمهور المستهدف من جانب صفحة "كلنا خالد سعيد".. أما من حيث سماتها الشخصية، فهي سيدة بسيطة، سلسة القياد، وبالتعبير الدارج "مع اللي راكب" وبتعبير آخر "مع الخيل يا شقرا"!

فحسب وكالة الأناضول بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2012: "استقبلت والدة خالد سعيد خبر إعلان مرسي رئيسا للبلاد بالزغاريد، وقالت بسعادة بالغة إنها لم تفرح بهذا الشكل منذ تنحي مبارك، وإن فوز مرسى يعتبر "انتصاراً" لشهداء الثورة وابنها خالد".

وبحسب اليوم السابع بتاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2014: "في ذكرى 25 يناير.. والدة خالد سعيد: السيسي أنقذ مصر من مخططات الإخوان.. وأقول للشباب مش عوزاكم تيأسوا.. واحتفالات الشرطة بيوم الثورة غرضها المصالحة مع الشعب.. ولا يوجد فرق بين ثورتي يناير ويونيو".

خالد سعيد الذي تم استغلاله وحقه الذي ضاع

إذن، لم يكن هناك شيء يتميز به خالد سعيد عن باقي ضحايا التعذيب في عهد مبارك، يجعل منه "أيقونة" أو "رمزا" لـ"الثورة" المصرية، وإنما تم اختياره وفق معايير "تسويقية" بحتة.. أي يمكنك القول، ولن تكون مبالغا إن خالد سعيد تم "استغلاله" في تسويق "عملية إزاحة مبارك" التي استدعى فيها الجيش الشعب المصري، من خلال صفحة "كلنا خالد سعيد"، وقد استجاب الشعب (بكل صدق وعفوية) لدرجة بذل الدماء.
لم يكن هناك شيء يتميز به خالد سعيد عن باقي ضحايا التعذيب في عهد مبارك، يجعل منه "أيقونة" أو "رمزا" لـ"لثورة" المصرية، وإنما تم اختياره وفق معايير "تسويقية" بحتة.. أي يمكنك القول، ولن تكون مبالغا: إن خالد سعيد تم "استغلاله" في تسويق "عملية إزاحة مبارك" التي استدعى فيها الجيش الشعب المصري، من خلال صفحة "كلنا خالد سعيد"

أما "حق" خالد سعيد، الذي دندنت حوله الصفحة كثيرا كثيرا، فلم يكن سوى "شعار دعائي" محض، كان الغرض منه استثارة عاطفة الشباب الذين هم أشد الفئات العمرية استجابة للمؤثرات العاطفية؛ لإنجاز هذه "المهمة".. وقد سنحت الفرصة على مدى سنة ونصف، حكم فيها المجلس العسكري مصر بعد انقلابه الأبيض على مبارك، لمحاسبة قتلة خالد سعيد، وانتزاع "حقه" وحقوق مَن لحق به من الخوالد والخالدات على أيدي الشرطة، أثناء أحداث انتفاضة يناير 2011، ولكن هذا لم يحدث!

ولكي تكتمل الصورة، صنعت الصفحة من "ماما ليلى" (والدة خالد سعيد) "رمزا" للأم المصرية المكلومة التي فقدت ولدها صاحب الوجه البريء، تحت التعذيب، وخلعت عليها لقب "أم المصريين"!.. وفرحت السيدة البسيطة بهذا الاهتمام، وأسلمت قيادها لمسؤولي صفحة "كلنا خالد سعيد" الذين لم يدخروا وسعا في استغلالها وتوظيفها (هي الأخرى) في إطار المهمة التي كانوا يقومون بها.

وسائل "كلنا خالد سعيد"

اعتمدت الصفحة وسائل متنوعة لإنجاز مهمتها، ومن بين هذه الوسائل:

- الصور، والرسوم التعبيرية والكاريكاتورية، والتصميمات التي تحمل مضامين تثويرية أو تحريضية ضد مبارك.

- النصوص الزجلية التي يسهل ترديدها في الهتافات أو تلحينها، والتغني بها.

- استطلاعات الرأي.. فمن الأهمية بمكان، لأي صاحب قضية أو مهمة يرتبط نجاحها بالتفاف الجماهير حولها، أن يستمزج آراء هذه الجماهير من آن لآخر، كي يحسن من أدائه، ويعدّل من تكتيكاته، وقد فعلت الصفحة ذلك مرات عديدة.

- الفعاليات "الناعمة" التي تثير في نفوس الشباب النقي "شجنا" محببا، مصحوبا بالرضا عن النفس؛ كونها نصرت مظلوما، وتمثل ذلك في الدعوات المتكررة للوقوف الصامت، بالملابس السوداء، ورفع صورة خالد سعيد غير الملونة، وإضاءة الشموع على كورنيش البحر في الإسكندرية والمدن الساحلية، أو كورنيش النيل بالقاهرة والأقاليم التي يمر بها النيل.. جو آسر، جاذب للشباب عموما، والفتيات خصوصا.

- إشراك متابعي الصفحة في إثراء المحتوى من خلال الإعلان عن الترحيب بأفكار المتابعين في مناسبات معينة، وقد تبنت الصفحة بعضها فعلا.

- تشجيع العناصر الموهوبة من الفنانين والمصممين بنشر أعمالهم.. وقد نجحت الصفحة في استقطاب كثير من أصحاب المواهب شبانا وفتيات..

باختصار.. لقد نجحت صفحة "كلنا خالد سعيد" نجاحا باهرا، بمنهجها المدروس، وأساليبها الفعالة، في استقطاب الناشطين من الجنسين، وتوظيفهم في مهمتها، وحققت بهم النتيجة المرجوّة من وجودها.
لست سعيدا بهذه النتيجة المؤلمة التي توصلت إليها، بعد قراءة موضوعية لمحتوى صفحة "كلنا خالد سعيد"، من أول منشور إلى آخر منشور، وكم كنت أتمنى أن يقوم المعنيون من الباحثين بالإجابة عن الأسئلة التي طرحتُها، فربما يصلون إلى نتيجة أو نتائج مختلفة، تدحض قراءتي

لست سعيدا

بالقطع، لست سعيدا بهذه النتيجة المؤلمة التي توصلت إليها، بعد قراءة موضوعية لمحتوى صفحة "كلنا خالد سعيد"، من أول منشور إلى آخر منشور، وكم كنت أتمنى أن يقوم المعنيون من الباحثين بالإجابة عن الأسئلة التي طرحتُها، فربما يصلون إلى نتيجة أو نتائج مختلفة، تدحض قراءتي.. ويكفيني جدا أني "حرّضت" على التفكير الناقد الموضوعي، وهذا (لعمري) من أشد ما نحتاج إليه في هذه المرحلة المظلمة التي نمر بها..

إلا أن وائل غنيم وأدَ صفحة "كلنا خالد سعيد"، فلم يعد لها وجود في العالم الافتراضي، غير عابئ بالتاريخ، وحق الأجيال القادمة في الاطلاع على أجواء حدث كبير لم يحدث نظير له في مصر خلال قرنين، ومستخفا بحقوق متابعي الصفحة الذين تجاوز عددهم الثلاثة ملايين ونصف المليون متابع، شارك المئات منهم في الفعاليات التي دعت إليها الصفحة، معرضين أنفسهم لبطش داخلية مبارك!

رحم الله الشاب خالد سعيد، الذي تعاملت معه صفحة "كلنا خالد سعيد" كما يتعامل المصريون مع بقلة (الفول).. فمنها يصنعون الطعمية "الفلافل"، والمدمس، والنابت، والبصارة، وأحيانا يقدمونه علفا للحيوانات!.. ورحم الله شباب انتفاضة يناير، وكل شبابنا الذين قضوا على أيدي العسكر "جيشا وشرطة" حتى كتابة هذه السطور، وما بعد كتابتها، فالمعركة طويلة وممتدة.. تقبلهم الله جميعا في الشهداء، وألحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين ولا مبدلين.

(انتهى)!

twitter.com/AAAzizMisr
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 15-02-2022 07:01 م
*** هناك مبالغات وادعاءات وصلت لحد التلفيق المفضوح والكذب الصريح والتدليس على الناس في ما يسمى بدور صفحة كلنا خالد سعيد في قيام ثورة 2011 أو تأجيجها، ويلحق بذلك ما قيل عن صفحة شباب 6 ابريل، ففي هذا التاريخ لم تكن الهواتف المحمولة الذكية القابلة للدخول على مواقع الانترنت من خلال شبكات الهواتف السريعة متاحة لغالبية المصريين، وحتى اشتراكات الانترنت المنزلي والدخول على مواقعها من خلال الحواسب المنزلية كان محدوداُ، ولم يكن مصطلح برامج التواصل الاجتماعي قد عرفه إلا القلة خارج نطاق المتخصصين بالمقارنة بما هو عليه الحال اليوم، والأدهى أن شاب مهووس أخرق لا يعرفه أحد إلا شلة صغيرة من اصدقائه هو وائل غنيم، قد تم تقديمه باعتباره مفجر ثورة المصريين في يناير 2011 والمخطط لها، وقد احتفت به دوائر غربية واغرقته في الجوائز والتقدير ورفعته لمرتبة النجوم لأسباب لا تخفى على عاقل، كما تم الدفع بالبرادعي المتغرب المقيم خارج مصر ليظهر فجأة على مسرح الأحداث وسط زفة إعلامية باعتباره الزعيم اللوذعي والمرشح الرئاسي لإنقاذ مصر، وهو الذي لم ينطق قبلها في حياته الطويلة بأي كلمة تدل على اطلاع أو اهتمام أصيل بأحوال مصر والمصريين، وهو الوضع الذي انتهى إليه اليوم بعد أن اختفى مرة أخرى اختفاءً مريباُ في اوروبا يعيش في بلهنية من العيش، والواقع أن من خرجوا يوم الجمعة 28 يناير من المساجد في كافة أنحاء مصر في هبة تلقائية ضد عصابة مبارك وزوجته وابنيه وحزبهم المسمى بالوطني الديمقراطي، لم يكونوا يعلمون من هو خالد سعيد ولا من هم شباب 6 ابريل ولا من هو البرادعي، ومن المؤكد أنهم لم يكونوا يعلموا بوائل غنيم ولا أمه وأبيه ولا من أين جاء ولا أين ذهب، واتهام المتظاهرين المصريين بأنهم كانوا مساقين من أمثال هؤلاء النكرات هي تهمة نكراء، فحتى الذين كانوا وراء الوقفة الاحتجاجية يوم 25 يناير لم يتوقعوا الانفجار الشعبي الواسع النطاق يوم الجمعة 28 يناير، وقد حاول البعض بحسن نية أو بسوء نية أن يقزم من الثورة بقصرها على ثورة الشباب في ميدان التحرير، والحقيقة أن من سقطوا شهداء برصاص عصابات قناصة النظام في كافة أنحاء مصر من كل فئات المصريين أضعاف من سقطوا في ميدان التحرير وما حوله خلال أحداث الثورة وما تلاها بعد الانقلاب، والأدهى أن يقع بعض الثوار في نفس الخطأ متأثرين بعدم تحقيقها لما كانوا يأملون فيه، ويأسهم من وصولها إلى نيل أهدافها في الأمد القصير، فينكرون على ثورة المصريين صفة الثورة من الأساس، وهم في ذلك يخدمون أعدائها، رغم وضوح الأمور لكل عاقل بأنها لم تكن وقفة احتجاجية ولا مسيرة اعتراضية ولا مطالب فئوية ولا انتفاضة حرامية، ولا يصح تقزيمها ووصفها بكونها ليست إلا هبة مصطنعة أو هوجة أو اضطرابات أو قلاقل أو تمرد، ولا صراع أجيال كما يحاول البعض الإيحاء به اليوم لتفكيك الأحزاب القائمة، الثورة دورها هدم النظام المستبد القديم للتمهيد لإقامة نظام جديد أكثر عدلاُ، وقد تحقق هذا الهدف مرحلياُ بسقوط وانحلال حزب المقبور مبارك الوطني الديمقراطي، وعندما تقوم الثورات من المعتاد أن تنتهز قوى داخلية وخارجية الاضطرابات والفراغ الذي يتلوها للانقضاض على الحكم، بإدعاء أنهم يمثلون الثورة وانهم الأقدر على التعبير عن أهدافها، ومن العمالة الخفية أو السذاجة السياسية أن يتصور البعض بأن أولئك الانتهازيون هم من فجروا تلك الثورة في الأساس، وليسوا من ركبوا عليها بعد قيامها، الثورة المصرية تلت الثورة التونسية، ولم يكن تزامن قيام ثورات الربيع العربي بعدها صدفة، ولم تكن مؤامرة كونية أو محلية، بل كانت وما زالت رد فعل طبيعي للشعوب على فشل الحكومات المستبدة الفاسدة العميلة في إدارة شئون بلادها، وهي الأوضاع القائمة إلى اليوم سواء على يد أسر حاكمة قديمة، أو على يد قوى الثورة المضادة المدعومة من محاور خارجية معروفة الهوية والأهداف، والثورات مستمرة في كافة أنحاء العالم العربي لاستمرار أسبابها، وهي لا تخفى إلا على جاهل أو حاقد، والله أعلم.