هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم ما شهدته الساحة السياسية التونسية من تحول ملحوظ بعد ستة أشهر من الانقلاب على الديمقراطية والتمادي في تجميع السلط آخرها السلطة القضائية بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وإصدار مرسوم لا يدع مجالا للشك أو التأويل لما حصل غير التحكم في القضاء للتضييق على الحقوق والحريات واستهداف الخصوم السياسيين، وذلك في ظل أزمة اقتصادية تزداد تعقيدا وتفاقما وتؤشر على توترات اجتماعية في الأفق.
أمام الرفض المتواصل للحوار الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي المفتوح والجامع لكل الأطراف دون استثناء إلا أن يضطر الاتحاد العام التونسي للشغل للمرور بقوة في حوار بدون الرافضين بعد أن رتب بيته الداخلي في مؤتمره الخامس والعشرين وما أعلنه أمينه العام في تصريحه لإذاعة موزاييك حول تجديد الدعوة للجميع للحوار والتنازل للالتقاء في نقطة وسط محورها عودة الديمقراطية والتوافق على تحمل أعباء الإصلاحات الاقتصادية وإصلاح المنظومة السياسية من أجل العودة للشرعية الانتخابية .
يبدو التحول في موقف المعارضة للانقلاب بين حالة البهتة والاضطراب في البداية إلا من بعض المواقف الرافضة مبدئيا لما حصل إلى توسع ملحوظ في دائرة الرافضين من أطراف سياسية ومجتمعية وشخصيات وطنية ومنظمات مجتمع مدني وأكادميين ونخب، يعضده تحول في الرأي العام نحو حالة من الخوف والقلق وفقدان الثقة فيما أعلن من وعود وشعارات. يظهر ذلك في نتائج استطلاعات الرأي التي يتم نشرها خاصة من المؤسسات ذات المصداقية مثل معهد زغبي.
لقد باتت الساحة السياسية اليوم في حاجة إلى تشكيل جبهة سياسية ديمقراطية للإنقاذ أو الخلاص الوطني تتقدم كبديل قادر على قيادة النضال المدني السلمي من أجل عودة الديمقراطية وضمان تحقيق الاستقرار وإنجاز الإصلاحات السياسية والاقتصادية الكبرى،
إلا أن التوسع الحاصل لدائرة المعارضين للانقلاب لا ينسجم من حيث نسقه السياسي مع ما يحصل من تدهور سريع للأوضاع، حيث لا تزال الأطراف السياسية والمجتمعية والمواطنية تراوح مكانتها وتدور في حلقة مفرغة تغلب عليها الحسبات الصغيرة التي تتمحور حول الطموحات الشخصية أو الخلافات التاريخية أو ضعف منسوب الثقة أو سوء تقدير متطلبات المرحلة وأولوياتها بين النضال من أجل عودة الديمقراطية وترتيبات ما بعد عودتها.
لقد باتت الساحة السياسية اليوم في حاجة إلى تشكيل جبهة سياسية ديمقراطية للإنقاذ أو الخلاص الوطني تتقدم كبديل قادر على قيادة النضال المدني السلمي من أجل عودة الديمقراطية وضمان تحقيق الاستقرار وإنجاز الإصلاحات السياسية والاقتصادية الكبرى، وهذا يتطلب بالضرورة جرأة وإقداما وتواضعا من الجميع وخاصة الزعامات السياسية التاريخية وقيادات المنظمات الاجتماعية كما تتطلب تنازلات متبادلة وتضحيات ضرورية من أجل المصلحة الوطنية في علاقة بكل المسارات المطروحة، وأولها المسار النضالي وما يتطلبه من مصداقية وصلابة في الموقف ووحدة ميدانية، ثم مسار الحوار الوطني وما يتطلبه من مبدئية ومرونة ونقد ذاتي ومراجعات واستعداد للتجاوز وقبول بالآخر والمسار الدستوري لعودة الديمقراطية وما يتطلبه من مبادرات، وكذلك مسار الإصلاحات السياسية لمنظومة الحكم والقانون الانتخابي والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وما تتطلبه من توافقات والتزامات متبادلة وتحمل جماعي للأعباء .
فهل تعي المعارضة الديمقراطية بجميع مكوناتها وزعاماتها الدرس وتتجاوز حسابات الحقل البيدر التي غالبا ما تكون نتائجها غير متطابقة وتفوت الفرص وتضيع المصالح وتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه وفي حالتنا الراهنة تؤدي إلى التمديد في أنفاس الوضع الاستثنائي؟
وهل تتخلي أيضا ولو ظرفيا عن الأمنيات الجميلة وعن "بيع جلد الدب قبل صيده" لتقف صفا واحدا من أجل الحرية والديمقراطية؟
تبدو المؤشرات إيجابية من خلال ما يحصل هذه الأيام من اتصالات مكثفة بين مختلف الأطراف من ائتلاف مواطنون ضد الانقلاب واللقاء الديمقراطي والجبهة الديمقراطية وحركة النهضة وكثير من المكونات المجتمعية والحقوقية في اتجاه بلورة برنامج حد أدني ديمقراطي والمسارعة بإعلان عن الجبهة السياسية.
لننتظر حتي ينجلي الغبار عندها ستعرف البلاد ما تحت المعارضة أفرس أم حمار كما يقال.. أجبهة ونضال وخروج من المأزق العضال أم مراوحة في نفس المكان مع غموض في المآل؟
*كاتب ومحلل سياسي تونسي