هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعد الحرب في أوكرانيا
أكبر حدث مفصلي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وأخطر مواجهة بالعالم منذ
أزمة الصواريخ الكوبية.
وفي مقال نشرته
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، وترجمته "عربي21"، استعرض
الكاتب توماس فريدمان ثلاثة سيناريوهات محتملة لكيفية انتهاء الحرب الأوكرانية:
يتمثل الأول في حدوث كارثة شاملة، فيما يتمثل الثاني في التوصل إلى تسوية، أما
الثالث فيتمثل في عزل بوتين من منصبه.
وبحسب الصحيفة؛ فقد
أشار الكاتب إلى أن سيناريو الكارثة هو قيد التنفيذ الآن ما لم يغير بوتين رأيه أو يتمكّن الغرب من ردعه، في الوقت الذي يبدو فيه أنه مستعد لقتل أكبر عدد ممكن من
الناس وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية لأوكرانيا لمحو أوكرانيا كدولة حرة
مستقلة؛ حيث قد يؤدي هذا السيناريو إلى جرائم حرب لم تشهدها أوروبا منذ النازيين،
والتي من شأنها أن تجعل روسيا دولة منبوذة من جميع أنحاء العالم.
لكن التدخل
سيخاطر بإشعال الحرب النووية الأولى في قلب أوروبا، وسيسمح لبوتين بتحويل كييف إلى
أنقاض من خلال مقتل الآلاف، ما يؤدي إلى انتشار اللاجئين والفوضى.
وليس لدى بوتين القدرة
على تنصيب "رئيس دمية" في أوكرانيا وتركه هناك: لأن هذه الدمية ستواجه
تمردًا دائمًا، ولذلك؛ تحتاج روسيا إلى نشر عشرات الآلاف من القوات بشكل دائم في أوكرانيا
للسيطرة عليها، والتي سيطلق الأوكرانيون النار عليها كل يوم، وهو الأمر الذي يكشف
مدى ضآلة تفكير بوتين في الكيفية التي ستنتهي بها حربه، بحسب الكاتب.
ولفت الكاتب إلى ما
قالته الخبيرة البارزة في شؤون روسيا في أمريكا، فيونا هيل، في مقابلة نشرتها
صحيفة بوليتيكو يوم الإثنين، بأن بوتين يعتقد أن هناك شيئًا يسمى "روسكي
مير"، أو "العالم الروسي"؛ والذي يعني أن الأوكرانيين والروس هم
"شعب واحد"؛ وأن مهمته تتمثل في "إعادة جمع المتحدثين بالروسية في
أماكن مختلفة كانت تنتمي في وقت ما إلى القيصرية الروسية".
ولتحقيق هذه الرؤية،
بحسب الكاتب، يعتقد بوتين أنه من حقه وواجبه تحدي ما تسميه هيل "نظامًا
قائمًا على القواعد لا يتم فيه استخدام الأشياء التي تريدها الدول بالقوة"،
وإذا حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الوقوف في طريق بوتين، أو حاولوا إذلاله
بالطريقة التي عاملوا بها روسيا في نهاية الحرب الباردة، فإنه يشير إلى أنه مستعد
للتغلب عليها بالجنون، أو كما حذر بوتين - في اليوم الذي سبق إعلانه وضع قوته
النووية في حالة تأهب قصوى - فإن أي شخص يقف في طريقه يجب أن يكون مستعدًا لمواجهة
عواقب لم يرها من قبل.
وأضاف بأن السيناريو
الثاني يتمثل في أن الجيش الأوكراني وشعبه سيكونون قادرين بطريقة ما على الصمود
لفترة كافية ضد الحرب الروسية، فيما ستبدأ العقوبات الاقتصادية في ضرب عمق
الاقتصاد الروسي، بحيث يشعر كلا الجانبين بضرورة قبول التسوية.
وستتمثل ملامحها
التقريبية في أنه مقابل وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، فإن المناطق
الشرقية لأوكرانيا الواقعة الآن تحت السيطرة الروسية الفعلية سيتم التنازل عنها
رسميًّا لروسيا، بينما تتعهد أوكرانيا بشكل واضح بعدم الانضمام إلى الناتو، في
الوقت نفسه، توافق الولايات المتحدة وحلفاؤها على رفع جميع العقوبات الاقتصادية
المفروضة في الآونة الأخيرة على روسيا.
ويرى الكاتب أن هذا
السيناريو لا يزال غير محتمل لأنه سيتطلب من بوتين الاعتراف بأنه غير قادر على
تحقيق هدفه المتمثل في إعادة ضم أوكرانيا إلى روسيا، بعدما دفع ثمنًا باهظًا كلّفه
اقتصاده وموت العديد من جنوده.
إلى جانب ذلك؛ سيتعين
على أوكرانيا التنازل رسميًّا عن جزء من أراضيها وقبول أنها ستصبح أرضًا حرامًا
بين روسيا وبقية أوروبا بشكل دائم - على الرغم من أنها ستحافظ على الأقل على
استقلالها الاسمي -، ولكن في الوقت نفسه؛ يتعين على الجميع الإدراك بأنه لا يمكن
الوثوق ببوتين في التخلي عن أوكرانيا.
أما السيناريو الثالث؛
فيقول الكاتب بأنه الأقل احتمالًا، ولكن يمكن أن يُسفِر عن أفضل النتائج، ويتمثل
في أن يُظهر الشعب الروسي قدرًا كبيرًا من الشجاعة والالتزام تجاه حريته كما التزم
الشعب الأوكراني بحريته، ويحقق الخلاص من خلال عزل بوتين من منصبه.
وفي سياق ذلك؛
يجب أن يبدأ الشعب الروسي في القلق من أنه ما دام بوتين هو زعيمهم الحالي
والمستقبلي، فلن يكون لديهم مستقبل، وقد تجلّى ذلك في المظاهرات الروسية التي جابت
الشوارع احتجاجًا على حرب بوتين المجنونة، وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه
معرفة ذلك؛ فإن ردود فعلهم تثير تساؤلات عما إذا تم كسر حاجز الخوف، وما إذا كانت
الحركة الجماهيرية يمكن أن تُنهي حكم بوتين في النهاية.
ويعتقد الكاتب أن
بوتين يبدو قد فقد خبرته الاستراتيجية خلال عزلته في الوباء، أو أنه في حالة
إنكار عميق لمدى سوء تقديره لقوة الأوكرانيين وأمريكا وحلفائها والمجتمع المدني
العالمي عمومًا، وإذا مضى بوتين إلى الأمام واستقر على أكبر مدن أوكرانيا وعاصمتها
كييف، فلن يرى هو وجميع أعوانه مرة أخرى الشقق التي اشتروها في لندن ونيويورك بكل
ثرواتهم المسروقة.
وأضاف بدلا من ذلك؛ سيتم حبسهم جميعا في سجن كبير يسمى روسيا، مع
حرية السفر فقط إلى سوريا والقرم وبيلاروسيا وكوريا الشمالية والصين، وسيتم طرد
أطفالهم من المدارس الداخلية الخاصة من سويسرا إلى أكسفورد.
ويؤكد الكاتب على
أنه إذا لم يتعاون الشعب الروسي للإطاحة ببوتين سينتهي بهم المطاف جميعا شركاء له
في خليته المنعزلة، ووفقا للكاتب؛ فإنه على الرغم من أن هذا السيناريو الأخير هو
الأقل احتمالية من بينهم جميعًا، لكنه السيناريو الأكثر وعدا بتحقيق الحلم
المتمثل في أوروبا متماسكة وحرة، من الجزر البريطانية إلى فلاديفوستوك.