هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قدم وزير خارجية روسيا لافروف أهم درس في العلاقات الدولية يوم الأربعاء 2 آذار (مارس) الجاري حين قال إن الأعضاء القارين في مجلس الأمن وقعوا بيانا في كانون الثاني (يناير) الماضي يلتزمون فيه بدفن الحرب الباردة إلى الأبد وبأن الحدود المكتسبة بعدها هي آمنة ومعترف بها، ولذلك لا نقبل مغامرة رئيس أوكرانيا بالحصول على السلاح النووي على حدودنا.
ومن جهة أخرى ففي عالم الفكر السياسي قامات عالمية وعلمية تعلمت منها وما زلت أتعلم لأنها لو اتفقت على موقف فإن ذلك الموقف هو الأصح.. واليوم أقرأ في بعض المواقع ما تردد عن الداهية الدبلوماسي الأمريكي (هنري كيسنجر) وعن رائد الجرأة السياسية المفكر عالم الألسنيات (ناعوم شومسكي) وعن الفيلسوف الفرنسي المجدد لفلسفة الحضارة (ميشال أونفراي) رأيهم ونتيجة قراءتهم للحرب في أوكرانيا، حيث اتفقوا على أن هذه الحرب ما كانت لتندلع لولا أخطاء في التقدير خطيرة وغير مسؤولة من الجانبين: جانب الغرب والولايات المتحدة وحلف الناتو بمواجهة جانب روسيا بقيادة فلاديمير بوتين.
يرى هؤلاء المتأملين بزادهم العلمي الثري أن بايدن وبوتين على وجه الخصوص يجران العالم إلى معاناة حرب "عبثية وزائدة عن اللزوم"، ويرون بأن التوازن الجيواستراتيجي القائم منذ سقوط جدار برلين هو الأفضل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأة الحرب الباردة ثم موت نفس هذه الحرب الباردة بتأسيس إتحاد الجمهوريات الروسية بدون 15 جمهورية اختارت شعوبها الإستقلال عن الراعي السوفييتي وإعلان دولها المستقلة وذات السيادة.
الحرب ما كانت لتكون لولا سوء التقدير ولولا تغليب العاطفة التاريخية على العقل السياسي
إذن يتساءل هؤلاء المفكرين الكبار: "ماذا وقع حتى يختل التوازن الضامن للأمن والسلام الدائمين؟ وما الذي اضطر الإدارة الأمريكية إلى اختيار المواجهة عوض المفاوضة والصدام عوض الكلام؟ وما الذي اضطر بوتين إلى الإسراع لغزو أوكرانيا عوض الاستمرار في النهج الدبلوماسي؟
في تقييم هؤلاء الثلاثة وغيرهم كثير، أن تفاقم الأخطاء من الجانبين أصبح مهددا للسلام العالمي لأن التاريخ أثبت بأن الحربين العالميتين (14 ـ 18) و (39 ـ 45) بدأتا من شرارات شبيهة بهذه وبأن البشرية دفعت فيهما أكثر من 80 مليون ضحية دون فائدة ترجى سوى فرض هيمنة هذه أو تلك من القوى العظمى!
ونذكر أنه على مدى أشهر نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التخطيط لغزو أوكرانيا لكنه الآن مزق كل اتفاق سلام وأرسل قواته عبر الحدود إلى المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية من أوكرانيا.. وبينما ترتفع حصيلة القتلى يواجه بوتين اتهامات بأنه يهدد السلام في أوروبا وأن ما سيحصل في الأيام القادمة قد يهدد أمن القارة الأوروبية برمتها.. وتتقدم القوات الروسية حاليا في العاصمة الأوكرانية كييف من عدة اتجاهات بعد أن أمر الزعيم الروسي بالغزو.
وقبل لحظات من بدء الغزو ظهر الرئيس بوتين على شاشة التلفزيون معلنا أن روسيا لا تستطيع أن تشعر "بالأمان والتطور" بسبب ما وصفه بالتهديد المستمر من أوكرانيا الحديثة. وفرضت دول غربية عديدة عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا خلال الأيام الماضية بسبب غزوها الأراضي الأوكرانية وصممت العقوبات بطريقة تعوق الاقتصاد الروسي وتعاقب الحكومة بسبب قرارها شن الحرب في أوكرانيا..
وكما نعلم فإن العقوبات هي وسيلة تستخدمها الدول لمعاقبة دول أخرى أو قادة دول أخرى أو سياسيين بسبب قيامهم بخرق ما يعتبرونه القوانين الدولية في محاولة لمنع استمرار ذلك، وتكون العقوبات مصممة للإضرار باقتصاد الدولة المستهدفة ومواردها المالية وقادتها السياسيين، ويمكن أن تتضمن العقوبات حظر السفر وحظرا على الأسلحة وإخراج روسيا من ألية (سويفت) المالية الدولية لنقل الأموال، وهو إجراء أيضا قد يعطل نهائيا تزويد أوروبا بالغاز الروسي أو بالنفط الروسي بسبب وقف تسديد المبالغ المقررة.
اليوم ونحن في الأسبوع الثاني من الغزو نسجل أن الغاز الروسي ما يزال يتدفق نحو الإتحاد الأوروبي وأن الصين تساند بحذر "زميلتها أو حليفتها!" روسيا وأن السياسة البريطانية والألمانية والفرنسية الداخلية بدأت تتأقلم مع حرب أوكرانيا لتعدل ساعاتها على الحدث الأخطر من ذلك،
ومن جهة أخرى أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيش بوضع القوات النووية الاستراتيجية في حال تأهب خاصة، وقال في اجتماع لقادة الدفاع في الكرملين: إن الغرب اتخذ إجراءات غير ودية تجاه روسيا و ذكر أن أول من نطق بالتهديد النووي كان وزير خارجية فرنسا (جون إيف لودريان) منذ أسبوع حين قال "بأن على روسيا عدم تناسي أن حلف الناتو هو حلف ذو قوة نووية رادعة"! وشمل تحذير بوتين ما وصفه بالعقوبات الاقتصادية غير القانونية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وقال بوتين: إن القوات النووية ستوضع في حال تأهب قصوى لأن كبار مسؤولي الناتو سمحوا "بتصريحات عدوانية" تجاه روسيا.
اليوم ونحن في الأسبوع الثاني من الغزو نسجل أن الغاز الروسي ما يزال يتدفق نحو الإتحاد الأوروبي وأن الصين تساند بحذر "زميلتها أو حليفتها!" روسيا وأن السياسة البريطانية والألمانية والفرنسية الداخلية بدأت تتأقلم مع حرب أوكرانيا لتعدل ساعاتها على الحدث الأخطر من ذلك، أن الرئيس الفرنسي ماكرون بصفته رئيسا للإتحاد الأوروبي دوريا وبصفته مترشحا لعهدة رئاسية ثانية (مايو 2022) بدأ في تزعم حركة ردود الفعل الأوروبية ضد روسيا وتفعيل العقوبات ضدها حتى لو ضحى بعديد الامتيازات الفرنسية التي تعود عليها الشعب الفرنسي بسبب علاقاته التاريخية بالإمبراطورية الروسية منذ قرون (المنطقة السياحية الأولى في جنوب فرنسا الساحل اللازوردي مأهولة إلى اليوم بعائلات روسية غنية هربت منذ عام 1917 من روسيا مع الثورة البلشيفية واستقرت في نيس وكان ومونتون).. ثم إن رئيس الحكومة البريطانية وكذلك المستشار الألماني يشعران بحرج كبير أمام ما سمته (الغارديان) بالتهور والخفة وانعدام المسؤولية لدى الرئيس الأوكراني منذ فوزه بالانتخابات عام 2015!
وبنفس الإنتقادات المبطنة حللت كبرى المجلات الأمريكية (فورين بوليسي) وهي عادة الناطقة الرسمية باسم الأنتليجنسيا الأمريكية لتكتب في افتتاحية عددها لشهر آذار (مارس) الجاري "بأن الحرب ما كانت لتكون لولا سوء التقدير ولولا تغليب العاطفة التاريخية على العقل السياسي"، وهو نفس ما نقلته لكم من تحليل بعيد النظر حكيم التأمل للقامات الفكرية التي ذكرتها.
أما نحن العرب فنخبتنا المشرقية تتخبط في تشبيه أوكرانيا بسوريا والعراق! وعلى قياداتنا الحذر كل الحذر مما يحدث في أوكرانيا حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر!