هل وقع الدب الروسي في الفخ الأمريكي؟

لقد خالفتُ كل وسائل الإعلام الغربية، وكل استنتاجات المخابرات الأمريكية، والبريطانية، وذهبتُ من قبل إلى القول بأن كل المؤشرات تدل على أن الحرب على الأبواب، ولكن قرار الحرب صعب، لأن الآثار على أطرافها كارثية، لذلك الراجح عندي هو أن روسيا لن تجازف بإشعال حرب عالمية مع الغرب، أو بغزو أوكرانيا واحتلالها، وإذا حدثت حرب ستكون محدودة، أو خاطفة. ولكني أيضا ذكرت أن الحرب ستكون لها آثار كارثية على روسيا وأوكرانيا، وأن روسيا ستكون وقعت في الفخ الأمريكي.

وكان ذلك تأسيسا على أسباب واقعية وموضوعية، أختصرها فيما يلي:

- إن روسيا يمكن أن تحقق جميع أهدافها أو أكثرها بلا حرب.

- لا مصالح حقيقية لروسيا، حال الدخول في حرب كبيرة أو طويلة، وأنها معيقة لها استراتيجيا.

- تكاليف وآثار الحرب على روسيا على المستوى الطويل والمتوسط كارثية، فلن تكون نزهة.

- إن إيقاع روسيا في مستنقع الحرب الأوكرانية هو فخ أمريكي لعزلها، ثم إضعافها، ثم تفكيكها.

- من الخطأ الفادح أن تخوض روسيا حربا ضد الغرب في هذه المرحلة، التي تسعى فيها لبناء دولة عظمى وقوية، اقتصاديا، وصناعيا، وسياسيا.

ولكن غزت روسيا أوكرانيا، في مشهد قدمت فيه نفسها على أنها ستحقق أهدافها بالقوة الغاشمة، وأنها قادرة على سحق أوكرانيا، بعد أن حيّدت أمريكا وأوروبا والناتو، وأن الاستيلاء على أوكرانيا أصبح أمرا واقعا، فيجب على العالم الصمت، أو مباركة ذلك.

وهنا تتزاحم مجموعة من الأسئلة أمام المهتمين بالشأن، سوف نطرحها ونحاول الإجابة عليها، وذلك على النحو التالي:

1- من المستفيد الأول من هذه الحرب، سواء انتهت بالنصر أو الهزيمة لروسيا طالت أم قصرت؟

الإجابة: بالقطع أمريكا وبريطانيا، لأن فيها إضعافا وتوريطل لروسيا في مستنقع أوكرانيا، وجعلها في مواجهة مباشرة مع أوروبا والغرب.

2- هل يمكن أن تسقط روسيا العاصمة كييف، وهل يمكن أن تحتل جميع أراضي أوكرانيا؟

الإجابة: إذا حدث فرضا واستولت روسيا على العاصمة كييف وعلى كامل أوكرانيا، بشكل سريع، فلن يكون من السهل السيطرة عليها وبسط الأمن فيها وإدارتها، فروسيا لا تملك الموارد اللازمة لإدارة أوكرانيا تحت الاحتلال الروسي، وعلى هذا، سوف تصبح أوكرانيا مستنقعا لروسيا.

3- هل من الممكن أن تتحول الحرب في العاصمة والمدن الأوكرانية إلى حرب مدن؟

الإجابة: من المعروف، أن المدن مقبرة الجيوش النظامية، ولو أن النظام في أوكرانيا أعد نفسه وشعبه على حرب الجيش الروسي داخل المدن، فسوف يطول أمد الحرب، وبالتالي سوف يتكبد الروس خسائر فادحة، وسوف تتلقى أوكرانيا المزيد من الدعم، وسوف تعاني روسيا من العقوبات الدولية التي تؤثر عليها.

4- هل حققت روسيا حتى الآن تقدما كبيرا أو نجاحا عسكريا كاسحا؟

الإجابة: حتى الآن (حسبما كانت تخطط) لا، فلقد بدأ الروس الحرب بهجوم من جهات متعددة، وبحشد مفزع من الجنود والأسلحة والعتاد، وكأنهم سوف يحكمون سيطرتهم على أوكرانيا ومدنها في خلال ساعات معدودة، ولكن الواقع أن الروس يواجهون مقاومة أعاقت تقدمهم (حتى الآن)، وبدأت أوكرانيا تنشر صور حصد أرواح الجنود الروس، وتدمير الآليات الروسية.

5- هل تخلى الغرب عن أوكرانيا في حرب روسيا؟

الإجابة: في تصوري، أن أمريكا أوقعت روسيا في مستنقع أوكرانيا، تستهدف عزلها وإضعافها. فبعد اندلاع الحرب تغير الموقف الغربي، فأمريكا وبريطانيا وأوروبا تقدم دعما كبيرا، بالمعدات العسكرية والسلاح، وتقود تحالفا لفرض عقوبات متصاعدة، تؤثر على المدى المتوسط والبعيد على روسيا، وانضمت إليها اليابان أيضا، وتغير موقف ألمانيا فقدمت لأوكرانيا السلاح، وسوف يتطور الدعم الغربي لأوكرانيا.

6- هل تستطيع روسيا احتلال أوكرانيا ثم باقي دول الاتحاد السوفييتي القديم؟

الإجابة: إذا تمكنت روسيا من ذلك، فلا تملك الموارد الكافية لإدارة هذه البلاد، ولن تستطيع السيطرة الأمنية عليها، وإذا طال زمن السيطرة أم قصر، فسوف تثور هذه الشعوب على الاحتلال الروسي، وعلى ذلك فإن احتلال روسيا لأوكرانيا أو غيرها، على المستوى الاستراتيجي، لا يصب في صالح روسيا، بل يضر بها ويسهم في انهيار نظامها السياسي وتفككها إلى دويلات.

7- هل سيطول أمد هذه الحرب وهل ستتحول إلى مستنقع بالنسبة لروسيا؟

الإجابة: هذا يتوقف على إرادة روسيا، فيمكنها أن تنسحب بأقل الخسائر، ويمكنها الاستمرار في الحرب. وإذا استطاع الغرب مساعدة أوكرانيا، وأصرت روسيا على الحسم العسكري، فسوف يطول أمد الحرب، وهذا ليس في صالح روسيا، وستكون أوكرانيا مستنقعا لها.

8- هل سيتخلى الغرب عن الشعب الأوكرني كما تخلى عن الشعب السوري والعراقي والليبي واليمني؟

الإجابة: بالقطع لا، فهذه الشعوب مسلمة، ولكن الأوكرانيين أوروبيون مسيحيون، فلن يتخلى الغرب عنهم، سواء المهاجرون منهم أو المدنيون.

9- هل يمكن أن يزداد الدعم الغربي لأوكرانيا والضغط على روسيا؟

الإجابة: المؤشرات في الأيام السابقة تدل على رغبة حقيقية لدى أمريكا والغرب في ذلك، والمتوقع أن يزداد الدعم لأوكرانيا ويزداد الضغط على روسيا.

10- هل خسائر روسيا حتى الآن كبيرة في السلاح والأرواح؟

الإجابة: إذا ما صدقت الأرقام التي تعلنها أوكرانيا، فإننا أمام خسائر كارثية. وإذا ما صدقت الأرقام التي تعلنها روسيا، فإننا أمام خسائر كبيرة. وعلى ما تقدم، فإن سير العمليات الحربية، يواجه مقاومة كبيرة.

11- هل نحن أمام بداية لانهيار روسيا، وتقسيمها؟

الإجابة: أتصور أننا أمام بداية سيناريو إسقاط وتفكيك روسيا، عن طريق صراع روسي غربي طويل، سوف تكون نهايته في صالح الغرب، وسينتهي بتفكيك روسيا.

والخلاصة:

الحرب لن تكون نزهة، بل مستنقعا لروسيا، لأنها وقعت في الفخ الأمريكي، ولو دخلت كييف والمدن الكبرى، فإن قدرتها على إدارتها والسيطرة عليها محل شك، لأنها لا تملك الموارد الكافية لتحقيق ذلك. وإن روسيا ستخسر كثيرا على المستوى المتوسط والبعيد، وانتصارها عسكريا على أوكرانيا لا يعني أن ذلك في صالحها، ولكن قد يكون بداية تحجيم نفوذها إقليميا ودوليا، بل تفكيكها وانهيارها.