هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على إثر الأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط ومطالبة واشنطن الرياض بزيادة إنتاجها النفطي، عادت من جديد للواجهة فكرة استخدام السعودية لعملات أخرى بدلا من الدولار في تعاقداتها النفطية.
صحيفة "وول ستريت
جورنال" الأمريكية أشارت إلى أن السعودية تجري محادثات مع الصين لتسعير مبيعاتها
النفطية إلى بكين باليوان الصيني بدلا من الدولار، في خطوة من شأنها أن تقلل من
هيمنة الدولار على سوق البترول العالمي، بحسب مصادر الصحيفة.
وتابعت مصادر الصحيفة أن المحادثات مع
الصين بخصوص عقود النفط المسعرة باليوان توقفت قبل ست سنوات، لكنها عادت هذا العام
في ظل عدم الرضا السعودي عن الالتزامات الأمنية الأمريكية مع المملكة.
ولفتت الصحيفة إلى أن السعوديين غاضبون
من شكل الدعم الأمريكي للمملكة فيما يخص الحرب في اليمن، ومحاولة واشنطن إبرام
صفقة مع إيران بخصوص برنامجها النووي، إلى جانب الانسحاب الأمريكي الصادم والسريع
من أفغانستان العام الماضي.
خطوة غير متوقعة
وأثارت هذه التقارير تساؤلات عن جدية
السعودية في تنفيذ هذا القرار، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أكبر
حليف استراتيجي للرياض، وقد يؤثر هذا القرار على متانة هذا التحالف.
واعتبر الخبير في شؤون النفط والطاقة،
نهاد إسماعيل، "القرار السعودي بدراسة استخدام اليوان بدلا من الدولار في
تعاقداتها النفطية خطوة غير متوقعة بهذا التوقيت، لأن واشنطن تحذر الصين من مغبة
دعم روسيا ماليا أو عسكريا، وبنفس الوقت تضغط على السعودية لرفع إنتاجها من النفط،
والأخيرة ترفض ذلك".
وأوضح إسماعيل خلال حديثه
لـ"عربي21"، أن "هذه الخطوة لو نفذتها السعودية سترفع درجة التوتر
بين واشنطن والرياض، علما أنه كان هناك حديث عن التعامل باليوان مع الصين قبل 6
سنوات ولم يحدث".
وعبر عن اعتقاده بأن "السعودية
ستتوخى الحذر وعدم استفزاز واشنطن بهذا القرار، ولهذا قد تبيع كميات محدودة من
النفط باليوان، وذلك حتى تحافظ على علاقاتها التجارية مع الصين وعدم إثارة غضب
واشنطن بذات الوقت".
الصين غير جديرة بالثقة
ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي لعام
2021 احتلت الصين المركز الثاني عالميا من ناحية الناتج المحلي الإجمالي الاسمي
حيث بلغ نحو 17 تريليون دولار في 2021، ولا تزال الصين أكبر دولة مصنعة في العالم.
وتستورد الصين 25% من النفط السعودي
المصدر، وإذا تم تسعيره باليوان، فمن شأن هذه الخطوة تعزيز مكانة العملة الصينية
في مواجهة الدولار، وفقا لخبراء اقتصاديين.
اقرأ أيضا: 76 مليارديرا صينيا يفقدون خُمس ثرواتهم.. "انهيار تكنولوجي"
ومع إعادة طرح هذه الفكرة يبرز سؤال مهم عن قدرة الصين على منافسة واشنطن في هذا الأمر، خاصة أن اليوان ليس بقوة الدولار والذي يعتبر العملة الرئيسية في العالم، ومعظم المعاملات التجارية تتم به.
من جهته، اعتبر أستاذ علوم الاقتصاد
بجامعة كاليفورنيا في بيركلي وكبير خبراء الاقتصاد سابقًا في صندوق النقد الدولي موريس
أوبستفيلد، بأن "السؤال عن احتمالية تنفيذ السعودية لهذا القرار مربك"،
وتساءل عن سبب حاجة السعودية للصين لتسعير النفط باليوان، معتبرا أن الأمر سيكون
عبارة عن ضجيج مع قليل من التنفيذ.
وعبر أوبستفيلد خلال حديثه
لـ"عربي21" عن اعتقاده بأن "السعودية لن تفعل ذلك في النهاية، على
الرغم من أن السبب الرئيسي لتفكير السعودية بذلك هو تنويع الأصول السعودية الكبيرة
بعيدًا عن (الحراس) الذين قد يصادرونها أو يجمدونها".
وتابع متسائلا: "هل الصين محل ثقة؟
وما الذي يمكن أن تقدمه للسعودية لتيسير الصفقة؟"، مؤكدا على أن معظم دول
العالم لن تتبع خطى السعودية في حال نفذت هذا القرار، نتيجة لعدم الثقة بالصين.
وأردف: "صحيح أن الصين لن تستولي
على الاحتياطيات أو تجمدها بناءً على المبادئ الأخلاقية، لكن الميزة الجيوسياسية
أو التجارية ستكون مسألة أخرى فيها نظر وشك، وهذا هو السبب في أن البلدان التي
تكون فيها سيادة القانون ضعيفة لا تميل إلى أن تكون مراكز اقتصادية احتياطية".
فكرة قديمة
بدوره أشار خبير النفط العالمي،
الدكتور ممدوح سلامة، إلى أن "السعودية تفكر بهذا القرار منذ فترة طويلة،
خاصة بعد أن قامت الصين في 26 آذار/ مارس 2018 بطرح ما يعرف بالبترو يوان أي استخدام
اليوان في تسعير عقود النفط".
وحول ما إذا كانت الفكرة السعودية
مقدمة لقرار حقيقي سينفذ على أرض الواقع أم أنه مجرد تهديد لواشنطن، قال سلامة
لـ"عربي21": "هو تهديد وتحقيق للواقع، فالسعودية تشعر بأن تجارتها
مع الصين كبيرة جدا بمعنى أن 25 في المائة من صادراتها النفطية تذهب إلى الصين أي ما
يساوي مليوني برميل يوميا تقريبا، واستثمارات السعودية في الصين وخصوصا في مصافي
النفط عالية جدا وكذلك استثمارات بكين في المملكة كبيرة أيضا".
وتابع: "من ناحية اقتصادية سيصبح أمرا واقعا إن لم يكن اليوم فسيكون غدا، وكذلك من ناحية سياسية سيصبح أمرا واقعا ولن ينتهي الأمر عند السعودية بل ستلحقها أيضا الإمارات وربما أيضا أعضاء منظمة أوبك بلس".
وأوضح بأن "من أسباب الرغبة
السعودية باستخدام اليوان عوضا عن الدولار في تعاقداتها النفطية العقوبات الغربية
على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا".
وأضاف: "تابعت السعودية عن كثب
العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب حرب
أوكرانيا، ولاحظت أن هذه العقوبات طالت كل أموال البنك المركزي الروسي في بنوك
العالم على الرغم من أن روسيا تعتبر دولة عملاقة، وبالتالي هي وبقية دول الخليج
العربي يخشون من تكرار تجربة روسيا، وكأنهم يسألون أنفسهم كم نستطيع الصمود لو
فرضت علينا عقوبات، وبالتالي فكروا بتنويع احتياطاتهم من العملات الأجنبية".
وأشار أيضا إلى أن "السعودية تشعر
بأن النفوذ الصيني الروسي الإيراني في منطقة الخليج العربي ينمو على حساب تراجع
النفوذ الأمريكي، وبالتالي تعتمد في تهديدها على هذه الأسس والأسباب جميعها، إضافة
إلى أن هناك برودا في علاقاتها مع إدارة بايدن، ولهذا يعتبر قرار الرياض دراسة هذا
الأمر تهديدا".
التأثير على الدولار
وحول تأثير هذا الأمر على الدولار
الأمريكي، قال سلامة :"مجموع ما تصدر السعودية وروسيا من النفط إلى العالم 26
في المائة، وإذا تم تصدير هذه النسبة باليوان وليس بالدولار سيؤدي ذلك لتقوية
العملة الصينية على حساب العملة الأمريكية، وهذا ما لن تقبل به واشنطن أبدا".
وأضاف: "البترو دولار هو العماد
المالي للاقتصاد الأمريكي وبالتالي العماد المالي للعالم، وهدف الصين أن تضعف
اقتصاد أمريكا خلال السباق بينهما نحو القمة، وبالتالي إذا أضعفت البترو دولار
أضعفت النظام المالي الأمريكي، عندها سيكون التأثير المباشر على الدولار انخفاض قيمته".
وأكد أن "أمريكا لن تستفيد من ضعف
الدولار حتى لو أدى ذلك لزيادة صادراتها، فالاقتصاد الأمريكي ككل يعتمد على طبع
الدولارات واستخدامها في توسيع طاقة الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي ستضطر عندها لدفع
فاتورة أعلى للاستيراد".
من ناحيته أوضح الخبير الاقتصادي نهاد
إسماعيل، أنه "لو نفذت السعودية رغبتها ستحدث هزة كبيرة للتجارة الدولية
والدولار، خاصة إذا تحدثنا عن عقود نفط بمبالغ ضخمة أي بالمليارات، ولكن لا أعتقد أن
السعودية ستجازف ولهذا ستتعامل باليوان بمبالغ متواضعة على الأقل مبدئيا".
بدوره عبر موريس أوبستفيلد، عن اعتقاده
بأن "تسعير عقود النفط باليوان من غير المرجح أن يغير أي شيء جوهري في التجارة
الدولية أو أن يؤثر على هيمنة الدولار".
الرد الأمريكي
وحول الرد الأمريكي المتوقع في حال
نفذت السعودية قرارها، قال أوبستفيلد: "لا ينبغي للولايات المتحدة أن تهتم
بمثل هذه الخطوة في حد ذاتها، بل يجب أن تهتم بعلاقتها مع السعودية بشكل
عام".
بالمقابل توقع سلامة أن يكون الرد
الأمريكي سياسيا بالدرجة الأولى وأكد أنه "من الناحية الاقتصادية لا يمكن
لواشنطن فرض عقوبات على الرياض، لأن قرارها سيادي، بمعنى هي لم تعتد على أحد في
ذلك، ولهذا لا يوجد مبرر لفرض عقوبات اقتصادية عليها، ولا أتوقع أن يلحق حلفاء
واشنطن الأوروبيون بها في حال فرضت عقوبات".
بدوره رجح إسماعيل احتمالية تفعيل
واشنطن مشروع قانون أمريكي "NOPEC" يعتبر أوبك بقيادة السعودية منظمة
احتكارية، وهذا القانون ينص على أنه سيتم فرض عقوبات وتجميد أرصدة وقضايا قانونية
ضد أعضاء أوبك، وعلى رأسهم السعودية.
وأكد أن "أكبر المخاوف والنتائج
التي قد تمنع السعودية من المجازفة بإصدار مثل هذا القرار، هي تدهور العلاقة مع
المعسكر الغربي وخاصة الحليف التاريخي الولايات المتحدة".