اقتصاد عربي

زيادات حتى 50 بالمئة في الأسعار بتونس في رمضان.. ما أسبابها؟

شهدت الأسعار في تونس ارتفاعا منذ اليوم الأول لشهر رمضان - الأناضول
شهدت الأسعار في تونس ارتفاعا منذ اليوم الأول لشهر رمضان - الأناضول

غابت بعض المواد الأساسية عن طاولات العائلات التونسية مع بداية شهر رمضان المبارك، بسبب موجة ارتفاع الأسعار التي عرفتها الأسواق، رغم محاولات الحكومة التحكم في الأسعار وتثبيتها.


واعتاد التونسيون مع قدوم شهر رمضان المبارك أن يتوجهوا للأسواق من أجل شراء الأغراض الأساسية للتزود بكل ما تحتاجه العائلات للشهر الكريم.


وفي هذا الشهر، يزداد إقبال التونسيين على سلع معينة مثل الحلويات التقليدية والبهارات والمخللات، فضلا عن أنواع أخرى من الخبز غير المدعم والأواني المزخرفة وأجهزة المطبخ.


وتلقي الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد بظلالها على أجواء رمضان، فيما عبر عديد التونسيين عن تذمرهم بسبب ارتفاع الأسعار، فضلا عن نقص كبير في بعض السلع الأساسية مثل الزيت والسميد.


ارتفاع ملحوظ


وفي أول أيام رمضان، تفاجأ التونسيون بارتفاع حاد للأسعار رغم توفر أبرز السلع، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من الفلفل حاجز الـ5 دنانير (1.7 دولار)، والطماطم بـ1.5 دينار (0.51 دولار)، ولحم الخروف بـ29.8 دينارا (10.15 دولارات)، والتفاح بـ6.5 دنانير (2.21 دولار).


وفي حديثه لـ"عربي21"، عبر أحد المواطنين عن استغرابه من ارتفاع الأسعار قائلا: "لم أفهم ما الذي حصل، لقد تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من الفلفل الذي نزرعه في تونس سعر الموز الذي نستورده من الخارج بالعملة الصعبة".


وأضاف: "زيادة عن الأسعار المرتفعة، فإن بعض المواد الغذائية الأساسية كالزيت المدعم والطحين والأرز مفقودة في السوق".


وقالت مواطنة أخرى: "الأسعار ارتفعت بشكل جنوني مع أول يوم في رمضان رغم تطمينات المسؤولين بخفض الأسعار، أكاد لا أوفر ما أحتاجه لكل يوم".


وتابعت: "حتى في سوق من المنتج إلى المستهلك، الذي خصصته الدولة لشهر رمضان، الأسعار مرتفعة عكس ما كان متوقعا، زد على ذلك فقدان بعض المواد الأساسية".


وتحدثت "عربي21" لمواطن آخر أكد أنه يتنقل من سوق إلى أخرى ليس بحثا عن الأسعار المنخفضة فقط، بل عن بعض المواد الضرورية التي لم يكن يتخيل أن تُفقد، بحسب تعبيره.


وقال: "بعض المواد التي تنتجها تونس مثل السكر لم تعد متوفرة بكميات تكفي كل المواطنين، حتى إن عثرت عليها، فالمحلات ستفرض عليك كمية محدودة للشراء بسبب نقص المواد، دون الحديث عن التجار الذين يرفعون الأسعار باستمرار".


في المقابل، قال أحد الباعة لـ"عربي21": "الأسعار لا نحددها نحن فقط، بل إن هناك دورة تجارية كاملة تتحكم في الأسعار، فتوصيل السلع مثلا أصبح باهظا بسبب ارتفاع أسعار الوقود، فضلا عن نقص بعض المواد الأساسية، الذي تقابله زيادة الطلب بمناسبة شهر رمضان".


"زيادات من قَبل رمضان"


من جهته، أكد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك (غير حكومية) عمار ضية تسجيل ارتفاع في الأسعار في الأسواق التونسية بشكل ملفت للنظر مع بداية شهر رمضان المبارك.


وفي تصريح لـ"عربي21"، قال ضية: "سجلنا ارتفاعا للأسعار مع أول أيام رمضان بشكل ملفت، شمل  المنتوجات الفلاحية والصناعية، وحتى الخدمات".


وأضاف: "الارتفاع في حقيقة الأمر كان موجودا من قبل شهر رمضان، إلا أنه مع دخول الشهر المبارك، زادت الأسعار أكثر فأكثر، رغم إعلان وزارة التجارة الجمعة الماضي تثبيت الأسعار".


وتابع: "تفاجأنا منذ اليوم الأول من رمضان بعدم احترام الأسعار التي حددتها الوزارة للخضروات والسلع الأخرى، خصوصا فيما يخص الطماطم، أو الفلفل الذي ارتفع سعره بنسبة 50 بالمئة، حيث حددت الوزارة سعره بـ4 دنانير (1.35 دولار)، إلا أنه يباع اليوم بـ6 و6.5 دنانير".


وأشار رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك إلى أنه "كذلك الخبز غير المدعم عرف ارتفاعا، التونسيون في شهر رمضان يقدمون على الخبز غير المدعم من الدولة، وفي ظل نقص مادة الدقيق، فإن أسعار الخبز غير المدعم ارتفعت كذلك، فضلا عن ارتفاع أسعار مواد أخرى مثل مواد التنظيف والأدوية".


واعتبر رئيس المنظمة أن "المواطن التونسي لم يعد قادرا على توفير كل احتياجاته، وهناك عدم مواكبة للأسعار الجديدة المرتفعة".


وعن أسواق البيع من المنتج إلى المستهلك، قال عمار ضية: "هذه الأسواق أُريد بها خيرا، إلا أن الأمور ليست على ما يرام في بعض الجهات، الأسعار في هذه الأسواق ببعض الجهات أغلى حتى من الأسواق العادية".


حرب أوكرانيا والمضاربون


وعن أسباب ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان، أشار ضية إلى أنه "بشكل عام، تأثرت الأسواق بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي تسببت في ارتفاع أسعار المحروقات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كل الأسعار".


وتابع: "زد على ذلك دور الوسطاء في الأسواق الذين يحتكرون السلع ويخالفون القانون من خلال مضاربة وإخفاء بعض المواد كي يبيعوها لاحقا بأسعار أغلى".


وأشار عمار ضية إلى الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد فضلا عن تسبب التضخم في ارتفاع الأسعار، مؤكدا أن "المنظمة تتابع الوضع، ووزارة التجارة خصصت فرقا للمراقبة خلال شهر رمضان وسجلت بالفعل مخالفات مع بداية الشهر المبارك مثل رفع الأسعار والاحتكار وعدم كتابة الأسعار على المنتجات المعروضة للبيع".


واستبعد ضية أن يكون هناك رفع للدعم وراء ارتفاع الأسعار، قائلا: "لم نر أي شيء من هذا القبيل"، مضيفا: "الدولة تدعم كل المواطنين وبعض الدول المجاورة أيضا من خلال بيع بعض السلع المدعومة في الخارج، عوض أن تدعم الدولة الـ10 ملايين مواطن، هي تدعم 20 أو 30 مليون مواطن من خلال تصدير تلك السلع".


وتابع: "الدعم يجب أن يذهب إلى مستحقيه، من غير المعقول أن يتمتع الصناعيون وكبار التجار بنفس الدعم الذي يتلقاه المواطنون العاديون، لذلك يجب مراجعة الدعم الذي أصبح يثقل كاهل الدولة".


مفاوضات النقد الدولي


وتأتي الأزمة الاقتصادية في أعقاب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد إجراءاته الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو الماضي، فيما تحاول تونس الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار لدعم خزائن الدولة.

 

وتحاول الحكومة التونسية التحكم في الأسعار إذ أصدرت وزارة التجارة بلاغا الجمعة الماضي حددت من خلاله أسعار مختلف السلع من خضروات وغلال ولحوم، فيما أصدر سعيّد قبل بداية رمضان مرسوما  يتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة بعقوبات تصل إلى حد السجن المؤبد.


ويعتبر رفع الدعم من ضمن أبرز الشروط التي حددها "النقد الدولي" لدعم تونس، حيث تمسك بضرورة الحد من الدعم الموجه للطاقة (المحروقات والكهرباء والغاز) والمواد الأساسية (الخبز والزيت النباتي والسكر) وإعطاء أولوية للإنفاق على مجالات الصحة والاستثمار وحماية الإنفاق الاجتماعي الموجه للأطراف التي تستحقه بالفعل.


ومن المنتظر أن تستأنف الحكومة التونسية مفاوضاتها عن بعد مع صندوق النقد الدولي خلال الأسبوع المقبل، بناء على مخرجات الزيارة الأخيرة للبعثة التي تواصلت من 23 إلى 25 آذار/ مارس الماضي، في انتظار انطلاق المفاوضات الرسمية والمصيرية بين الطرفين.


ووفق عدد من المختصين في الاقتصاد والمالية المتابعين لسير هذه المفاوضات، فإن المحادثات بين الطرفين لم تجد المناخ المناسب للاتفاق النهائي حول تمويل الاقتصاد التونسي، وذلك على الرغم من التصريحات الإيجابية الصادرة عن وزيرة المالية سهام نمسية، والبلاغ الصادر الأسبوع الماضي عن صندوق النقد، وتأكيده العزم على مواصلة دعم الاقتصاد التونسي.


ويراهن الطرف التونسي على جدية المحادثات الأولى، وجدية الإصلاحات المعروضة من قبل الحكومة، وفق تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين. 

 

اقرأ أيضا: MEE: تونس مهددة بـ"أزمة غذاء حتمية" مع بداية شهر رمضان

وتركز تونس على تصريحات بعثة الصندوق التي أكدت جدية المفاوضات، وأهمية برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ستعرضه الحكومة.


وتنتظر الحكومة التونسية صدور موقف عن اتحاد الشغل الذي سيعقد "هيئة إدارية" لتحديد موقفه من المفاوضات مع الصندوق، والتعبير عن خياراته الاقتصادية، بعد أن أعرب عن مخاوفه الكثيرة بشأن ما احتواه البرنامج الحكومي المعروض على بعثة الصندوق، والمتضمن أساسا الحد من كتلة الأجور، والرفع التدريجي للدعم، والتفويت في المؤسسات العمومية.


وكان وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد قد أكد في تصريحات إعلامية عدم وجود نية لإلغاء الدعم، بل سيتم توجيهه بصفة تدريجية إلى مستحقيه.


في المقابل، من المنتظر أن تعرف تونس رفعا جديدا في أسعار المحروقات خلال الأسبوع المقبل، بعد الزيادات التي عرفها خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، في إطار رفع الدعم التدريجي عن المحروقات، بحسب شروط "النقد الدولي".

 

التعليقات (0)