هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا يمكن تصنيف "الاختيار3"، على أنه عمل درامي، أو مسلسل وثائقي، فهو "هجين"، يجمع بين الدرامي والوثائقي، وبين التمثيلية والبرنامج، لا يصنف في الأخير على أنه مسلسل، أو برنامج تلفزيوني، كما أنه ليس عملاً وثائقياً، إنه في خانة "البغل"، الذي هو ليس حماراً وليس كذلك حصاناً، وضربنا لكم الأمثال لتقريب الأمر إلى الأذهان!
بيد أن "عالم الحيوان"، ولأنه موغل في القدم، فقد أمكن تصنيف مخلوقاته، لتجري تسمية الهجين فيه، وتخترع أسماء لمن هو في مرحلة بين المرحلتين، على العكس من الدراما، عندما ينظر النقاد إلى "الاختيار3"، الذي يجمع بين ما لا يجتمع!
فالدراما فن، ولأنها كذلك، فهي لا تنقل الواقع "نقل مسطرة"، انما يترك خيال المبدع يتحرك في إطار هذا الواقع، دون تزوير أو تحريف، بيد أن هذا العمل وإن كان تزويراً مطاعاً للواقع وهوى متبع، فعندما يستعين بلقطات حقيقية، فهو هنا يكون قد دخل على الوثائقيات، فضلا عن أنه عندما يتضمن تسريبات، فانه يكون قد دخل على خط البرنامج التلفزيوني، فالتسريبات ليس مكانها المسلسلات التلفزيونية!
وليست الأعمال التي تقوم على التقليد والتقمص جديدة على الدراما المصرية، ومن هنا فلا يجوز على صناع "الاختيار3" التعامل على أنهم يخترعون العجلة، وقد شاهدنا فيلمي عبد الناصر والسادات، حيث تقمص فيهما الفنان أحمد زكي، دور الرئيسين السابقين، وقد اقترح البعض الاستعانة بالأصوات الحقيقية لهما لاسيما في بعض المواقف، لأن المشاهد يعرف أصواتهما، لكن أحمد زكي رفض هذا، وأصر على أن يقوم بالدور كاملاً، بدون استحضار ولو لأصواتهما وهم يلقون خطابات تاريخية!
وكذلك الحال في مسلسل أم كلثوم، الذي قامت فيه الفنانة "صابرين" بدور سيدة الغناء العربي، فلم يكن استدعاء الصوت الأصلي إلا في الحفلات الغنائية، لكن ترك المجال كاملاً دون ذلك لمن تقوم بالدور، مع التغييب الكامل للسيدة أم كلثوم، ولمحيطها الذي تحركت فيه، والأفراد الذين دار العمل في فلكهم.
أيام الشك
لأن استحضار الأصل، فضلاً عن أنه عمل وثائقي، نشاهده في الأفلام الوثائقية، فإنه يشوش على العمل الدرامي، ويجعل المقلد نفسه في مقارنة مع الأصل طول الوقت في ذهن المشاهد، وكان يمكن للقوم بدلاً من هذا التشويه لمصنف الدراما، أن ينتجوا فيلماً وثائقياً يرون فيه حكايتهم، لولا أن أزمتهم في أن الرواية الحقيقية لا تسعفهم، ويبدو أن هدف "الاختيار3"، هو عمل للعلاج النفسي، أكثر منه تقديراً لشأن الدراما وقدرتها على حمل الرسائل وتوصيلها!
وفي التسريب الخاص باللقاء الذي جمع الدكتور محمد مرسي بالمشير محمد حسين طنطاوي، في "أيام الشك"، لم يكن المقطع الحقيقي قادراً وحده على تأدية الغرض منه، في أن يكون السيسي هو سيد الموقف وبطل الليلة، وإذ كان المفروض أن ينتهي الأمر بالمقطع الحقيقي، إلا أنه تم إقحام التمثيل إقحاماً، فقد حرص العمل على توديع مدير المخابرات الحربية عبد الفتاح السيسي للمرشح الرئاسي محمد مرسي، عبر الممثلين، فيظهر السيسي طويلاً ،ويبدو مرسي قزماً يتودد إلى صاحب الصولجان والأمر والنهي، فيتعامل معه بتعال، وبسخرية مكبوتة في كل اللقاءات التي تجمعهما!
لأن المقطع الحقيقي، لم يظهر السيسي سوى بأنه "كاتب الجلسة"، احتاج وجوده إلى تبرير من قبل المشير، الذي زكاه لضيفه، وأثنى على صلاحه وتدينه، ولم يكن له من دور إضافي سوى أنه ذكر المشير بأن موعد نتيجة الانتخابات يوم الخميس، وبرد التحية لأستاذه ومعلمه!
وإذا كان هناك مبرر لإخفاء صورة الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري، في مقابلة مع قيادات الجماعة، لأن المخرج يريد ذلك، ولا يريد التذكير بشخص عنان، أو بأي دور له، وهو من سبق للسيسي أن اعتقله، فلا معنى لإخفاء صورة المشير طنطاوي، مع وجود صوته، والحديث يدور بينه وبين مرسي، إلا للتركيز على صورة السيسي، حتى وإن كان مجرد "كاتب جلسة"، احتاج وجوده إلى تبرير، وإزاء هذا الدور الهامشي، كان لابد من الاستقواء بالتمثيل، بمشهد الانصراف!
وهو المشهد الذي يؤكد لماذا لجأ القوم إلى صناعة مسلسل، ولم يكتفوا بنشر روايتهم في عمل وثائقي، أو من خلال برنامج تلفزيوني يتم من خلاله بث هذه التسريبات، وهو الأفضل، لأن المذيع ومن يحضر من ضيوفه يمكن لهم أن يذكروا "الدروس المستفادة"، من هذه التسريبات، التي لا تصلح بذاتها في نقل الرسالة الإعلامية، ولابد من شرح وتوضيح، وإذا كان القوم يقلدون "مكملين"، و"الجزيرة مباشر مصر"، في إذاعة التسريبات، فلم يحدث أن أذيعت التسريبات بدون حضور محللين لها، ومذيع يوجه الناس إلى ما تحمله من معان ودلالات!
وبدا واضحاً أن صناع "الاختيار3"، هم من وجدوا في هذه التسريبات كنزاً ثميناً لابد من استخدامه لدعم العمل، لكنهم كانوا يفتقدون لفكرة التوظيف، فتركوا المشاهد يسأل عن الدروس المستفادة من كل تسريب، وكان يمكن أن يكون هذا من حوار جانبي بين السيسي والمشير عقب اللقاء، في تسريب الدكتور محمد مرسي، أو بين الحاضرين في التسريبات الأخرى، لكني أزعم بأن الرسالة نفسها ليست واضحة في ذهن صناع العمل، الذين نشك في كفاءتهم المهنية، الا اذا كانوا قد تخلوا عن وظيفتهم وتركوا الأمر بيد الضباط، فهذه سلطة لا يمكنها ترك عمل كهذا بيد المدنيين، احتقاراً لشأنهم، وتزكية للنفس، وإن لم يكن هناك شواهد في أي مجال تبرر هذا العلو، أو تؤكد أنهم أصحاب فتوحات في أي ميدان.
ظهور المالك
إن أهل الحكم وإن أسسوا شركات للاستحواذ على الإعلام واحتكار الدراما، فإن تأسيس هذه الشركات، كان للمداراة على أن يكونوا لاعبين أساسيين أمام الرأي العام، وإلا لما كان الأمر يحتاج للإدارة من الخلف من قبل العسكريين، لقد قامت المعارضة بدعاية مكثفة، للتدليل على أن اعلام المصريين، والشركة المتحدة، وشركة إيغيل، وغيرها، ليست إلا شركات أمنية مملوكة لأهل الحكم، ومن ثم فان عملية نزع الصحف والقنوات التلفزيونية من أصحابها، هي لتؤول ملكيتها للسلطة، لتتصرف فيها تصرف المالك فيما يملك، وكان هذا في البداية يحتاج إلى بذل المزيد من التوضيح وتقديم القرائن على ذلك، لكن من الواضح أن هذه الحملة نجحت في أن تدفع أهل الحكم أنفسهم للعلب على المكشوف، باعتبار أن الأمر ليس سراً، وربما نسوا أن يتصرفوا على أنه سر!
لقد كان هناك تخوف من قبل الثوار، أن يكون الرئيس مرسي قد أعطى الدنية في أمره وقدم تنازلات للمجلس العسكري، في الفترة التي أطلقت عليها "أيام الشك"، وهي الفترة بين الموعد المقرر بحسب الإعلان الدستوري لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، والموعد الذي أعلنت فيه فعلاً!
ومن هنا كانت هذه التسريبات، فالأصل أن هذه اللقاءات تمت في مقار عسكرية، يُمنع فيها التصوير قانوناً، وكون هذه الجهات نفسها هي التي قامت بالتسجيل، فلا يعني هذا ان يصل إلى صناع مسلسل تنتجه شركة خاصة، وليس من انتاج الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، والحال كذلك، فلم يعد هناك مبرر لاستمرار "المدارة"، ولابد أن تلحق هذه الشركات بما يتبعها من صحف وقنوات تلفزيونية لقيادة الجيش رسمياً، حتى يكون هناك مبرر لخروج هذه التسريبات من مناطق عسكرية إلى صناع المسلسل!
الدروس المستفادة
ما علينا، فهناك أزمة في معالجة التسريبات بالشكل الذي يجعل المشاهد يسأل عقب تسريب: ما هي الدروس المستفادة منه؟!
وهو السؤال الذي طرحه المشاهد عقب تسريب اللقاء الذي جمع بين الرئيس محمد مرسي، والمشير محمد حسين طنطاوي بحضور "كاتب الجلسة"، وإذا كان هذا للإيعاز بأن الرجل هدد المشير بحرق البلد في حال عدم إعلان نتيجة فوزه في الانتخابات، فإن المشاهد المدقق يكتشف أنه لم يكن تهديده بأنه وجماعته من سيقومون بذلك، لتسقط هذه الدعاية لكن يظل الباقي أن من اعتمدوا هذا التسريب للإذاعة، لم ينتبهوا لرسالة مهمة، فهذا اللقاء ظل سرياً وكونه كذلك، فقد سمح للناس بملء الفراغ في المعلومات كل حسب اتجاهه، وقد بنى كل فريق رؤيته بناء على هذا الملء الحر للفراغ!
لقد كان هناك تخوف من قبل الثوار، أن يكون الرئيس مرسي قد أعطى الدنية في أمره وقدم تنازلات للمجلس العسكري، في الفترة التي أطلقت عليها "أيام الشك"، وهي الفترة بين الموعد المقرر بحسب الإعلان الدستوري لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، والموعد الذي أعلنت فيه فعلاً!
وهذا القلق هو الذي جعل قوى الثورة تلتف حول المرشح الرئاسي الدكتور محمد مرسي، فيما عرف بلقاءات فيرومونت، والتي كانت بعد انتهاء جولة الإعادة، وكانت رسالة للمجلس العسكري بأنها جميعها لن تسمح بتزوير إرادة الشعب تحت أي ظروف!
وهذا القلق هو الذي استوجب أن يلتقي الرئيس محمد مرسي بشباب الثورة، يوم الخميس 21 يونيو 2012 ويقطع وعداً بعدم التفاوض مع المجلس العسكري، وأنه لن يقبل أي مساومات، ولم يتردد من إعلان استيائه من الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في هذه الفترة بهدف تقليص صلاحيات الرئيس، وأوجد مبرراً لبقاء المجلس العسكري وعدم تسليم السلطة بشكل كامل.. وأنا هنا أنقل حرفياً مما جاء في جريدة "المصري اليوم"، عدد الجمعة 22 يوليو 2012 (العدد 2931)!
خطورة استخدام سلاح التسريبات في "الاختيار 3"، إنه وإن أثبت أن الإخوان والرئيس كانت لقاءاتهم مسجلة، فإن لم تذع تسريبات تؤكد الرسالة الإعلامية وتعززها بعيداً عن المشاهد التمثيلية عن العسكري العملاق ومرسي المهزوز المضطرب، فسوف يكون القوم في وضع بائس.
وفي هذه الفترة نشر أن الدكتور محمد البرادعي سيذهب للقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتفاوض!
ولم ينشر شيء عن لقاء الدكتور مرسي، أو لقاء البرادعي بعد ذلك، ولا يعرف الرأي العام ما دار في جلسات المفاوضات مما فتح المجال للحديث عن أن تنازلات قد قدمت، وصفقة أبرمت، وعدد من أنصار الرئيس محمد مرسي يجردوه من أهم قرار اتخذه بعزل طنطاوي وعنان، باعتبار أن هذا قرار كان مقررا في هذه اللقاء التفاوضي، لتبرير قرار تعيين السيسي، لأنهم يرون من الأفضل لهم أن يكون السيسي مفروضاً عليه، على أن يكون هو من أهل الغفلة!
بيد أن هذا التسريب قطع قول كل خطيب، وكشف أن الدكتور مرسي لم يهادن ولم يدخل في صفقة مع المجلس العسكري يقبل فيها أن يكون رئيساً تحت الوصاية مقابل اعلان فوزه!
وخطورة استخدام سلاح التسريبات في "الاختيار 3"، إنه وإن أثبت أن الإخوان والرئيس كانت لقاءاتهم مسجلة، فإن لم تذع تسريبات تؤكد الرسالة الإعلامية وتعززها بعيداً عن المشاهد التمثيلية عن العسكري العملاق ومرسي المهزوز المضطرب، فسوف يكون القوم في وضع بائس، وقد فتحوا هذا الباب، باب التسريبات، وهو الأمر الذي لم يحسبوا حسابه، ليمثل العمل في الأخير دعاية للإخوان، وإنصافاً للرئيس محمد مرسي، ويتبين أنهم أنفقوا على هذا العمل الملايين ليصدوا عن سبيل الديمقراطية.
ثم تكون عليهم حسرة!