قضايا وآراء

منطق الإدارة الغربية للحرب الأوكرانية.. لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600

حقيقة الأمر أن الغرب يريد روسيا الضعيفة، لا روسيا المفككة، ولا يريد خسارة حربها في أوكرانيا، ولا حتى تخيل مشهد روسيا في حال الهزيمة، فهذا سيناريو كارثي وصورة قاتمة جدا للإدارة الأمريكية. 

إذن؛ لماذا يخشى الغرب سقوط عدوهم اللدود؟

أولا ـ الحسابات الغربية المعقدة حول مُخرَجات الحرب الأوكرانية.. يقول التاريخ: بالعودة إلى آخر سنوات الإمبراطورية الروسية وبالتحديد زمن القيصر "نيقولاس الثاني" خاض الروس حرباً ضد اليابان وخسروها مابين عامي 1904 و1905، ودخلت روسيا بعدها الحرب العالمية الأولى 1914، ثم جاء انهيار الإمبراطورية الروسية ليخرج منها وحش جديد للساحة الدولية هو الغول الشيوعي المسمى الاتحاد السوفييتي، وهنا تحديداً كان أول منابع القلق الغربي.

وقبل الغوص في أسباب القلق الغربي من سقوط روسيا البوتينية، لابد من إلقاء نظرة سريعة عن الحرب الجارية حالياً في أوكرانيا، حيث طال أمد الحرب ومازالت "كييف" صامدة على عكس ما توقع الجميع في موسكو والغرب، وبالطبع ليست العقوبات هي ما أخرت إعلان الروس للنصر، فالغرب ليس متحمسا كثيرا لفكرة انتصار "كييف"وهذا مايؤكده الرئيس الأوكراني نفسه، الذي يكرر دائما أن الناتو والغرب غدروا به، حيث قال بالحرف: "إنهم قد فتحوا الباب لبلاده ثم قالوا لها نعتذر عن استقبال الغرباء".. 

نعم.. أوكرانيا غريبة عن الغرب والناتو، وهي تاريخياً البنت البارَّة للروس، بل هي أول مستوطنة للروس، وكييف أول عاصمة لهم، حتى وإن اختلفت مع موسكو الآن وتقاتلتا، وحتى وإن انتصرت فالغرب لن يرحب بها كدولة غربية، أوكرانيا "بنظر الغرب" ذات يوم ستنقلب على الغرب وتعود لحضن أمها روسيا، فأوكرانيا أُولى البلاد التي مدت يدها للبلاشفة وساندتهم في تأسيس الاتحاد السوفييتي الشيوعي، وهذه مسألة لم ولن ينساها الغرب.

ثانيا ـ مخاوف الغرب من شكل روسيا في حال خسرت الحرب في أوكرانيا، وهذا أمر آخر يخشاه الغرب، فبحسب العقلية الروسية فإن البلاد ستنقلب على الرئيس الخاسر، حتى وإن بدا ممسكا بزمام السلطة فإن الروس لن يقبلوا برئيس مهزوم، فبوتين بنى جزءاً كبيرا من شعبيته اعتماداً على ترويج حلم (إعادة المجد الروسي)، وبالتالي لن يقبل الروس برئيس أضاع هذا المجد، وحتى إن استطاع بوتين البقاء في السلطة ففى حالة الخسارة قد تتعرض روسيا لخطر الانهيار، وفيها دول تحديداً في القوقاز ستتجرأ على موسكو، كذلك ستفعل جورجيا ودول شرق آسيا وعدة أقاليم، وهنا يصبح سيناريو تفتت روسيا قائم.. وقد يسأل أحد: أوليس هذا ما يريده الغرب أعداء روسيا؟

 

أوكرانيا غريبة عن الغرب والناتو، وهي تاريخياً البنت البارَّة للروس، بل هي أول مستوطنة للروس، وكييف أول عاصمة لهم، حتى وإن اختلفت مع موسكو الآن وتقاتلتا، وحتى وإن انتصرت فالغرب لن يرحب بها كدولة غربية، أوكرانيا "بنظر الغرب" ذات يوم ستنقلب على الغرب وتعود لحضن أمها روسيا،

 


بلا شك، الغرب يريد روسيا أضعف مما هى عليه الآن، لكنهم لايريدونها مكسورة ولا مفتتة، فهي بلاد تمتلك أكبر ترسانة نووية، وتفتتها يعني قيام دول مسلحة بالنووي لا يمكن لأحد السيطرة عليها، كما أن ذلك يعني سيطرة قوميين ومتعصبين أكثر من بوتين بكثير على الحكم، وبالتالى امتلاكهم لمفاتيح هذه الترسانة النووية.. بلاشك لا أحد في الغرب يرغب بمجابهة نظام متعصب يمتلك أسلحة نووية، والخسارة قد تخلق للروس شعوراً بالحقد والكراهية؛ تماما كالشعور الذي نما في نفوس الألمان عقب هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وتسبب في صعود نجم هتلر وعقليته، وهو ماتسبب بالتالي في الحرب العالمية الثانية التي أدمت الدول الغربية.

ثالثاً ـ يضاف إلى هذه الهواجس والمخاوف الغربية خوف أكبر، فالكل يتذكر ما تسبب به غياب الاتحاد السوفييتي أو انهياره من صعود غول جديد للساحة الدولية بلباس التنين، والحديث هنا عن الصين؛ ذلك البلد القوى الذي تخشاه أمريكا أكثر من روسيا بكثير، فالصينيون المعروفون بالصبر انتظروا طويلا كي تصعد بلادهم للقمة، وهم يطمحون لأكثر من مزاحمة الأمريكيين، فهم يرون أن بلادهم التي تحوي أكثر عدد من الناس في الكوكب هم أَولى بزعامة العالم، ووجود روسيا متماسكة هذا قد يؤخر من صعود الصينيين، خاصة أن روسيا تتقاسم النفوذ مع الصين بحكم كونهم حلفاء وفي نفس المعسكر، وغياب روسيا يعني انفراد الصين بقيادة المعسكر المناوئ للغرب، مما يعني تفرغ الصينيين لمجابهة الغربيين وهذا أيضا ما لا يريده أحد في واشنطن وغيرها من عواصم الغرب.

"هل من المحتمل أن تخسر روسيا الحرب؟"

هنا يتجلى السؤال الأبرز، إذا احتكمنا للواقع ولغة الأرقام فهذا أمر مُستبعَد، فالقدرات العسكرية الروسية هائلة وتفوق بكثير ما يملكه الأوكرانيون، ولكن إذا احتكمنا للتاريخ فقد تكون الإجابة (قد يخسر الروس)، وقد حدث ذلك من قبل حين انهزموا في أفغانستان على الرغم من الفوارق الكبيرة أيضاً التي كانت بينهم وبين الأفغان، حروب الاستنزاف طويلة الأمد غالباً ما تصب في صالح الضعيف، ولكي يحدث هذا تحتاج كييف دعماً متواصلاً من العتاد الأمريكي والغربي، ومزيدا من الحصار على الروس وهذا ما هو مستبعد، فحتى الآن مازال الرئيس الأوكراني يخرج على الشاشات ليتحدث عن تقاعس الغرب بتسليمه طائرات ودبابات ومدرعات، كما أن هناك تململ كبير في الدول الأوروبية من فكرة العقوبات على روسيا، روسيا نفسها لا تخشى من سيناريو الهزيمة، فهى حتى الآن لم ترم بكامل ثقلها في الحرب كما لم تستخدم كافة أوراقها، وفي يدها الكثير من هذه الأوراق لو أرادت.. لذا فالجميع مطمئن ما عدا من هم في كييف، فهذه الحرب كانت مُتوقَّعة من الجميع من الروس والغربيين، وما يحدث حالياً هو إدارة لهذه الحرب بمنطق : "لا يموت الذئب ولايفنى الغنم" وهذه مصلحة الجميع.


التعليقات (0)

خبر عاجل