1- اجتياحات 25 تموز
يتعرض المشهد السياسي التونسي منذ انقلاب 25 تموز/ يوليو 2021 إلى عملية "اجتياح" عنيفة يقوم بها الرئيس قيس سعيد، فهو أشبه بمن يركب جرافة يهشم بها كل ما هو في طريقه. انطلق من توسّع في تأويل الفصل الثمانين من الدستور ليعلن بواسطة الأمر الرئاسي عدد 117 بتاريخ 22 أيلول/ سبتمبر عن سلسلة من مراسيم جعلها فوق قوانين الدستور، وسمح لنفسه بحل كل المؤسسات الدستورية بداية من البرلمان مرورا بهيئة مراقبة دستورية القوانين ثم هيئة مكافحة الفساد ثم المجلس الأعلى للقضاء، لينتهي أخيرا وبمرسوم رئاسي إلى حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثم يقوم هو بتعيين رئيسها وأعضائها الجدد.
عملية "اجتياح" حقيقية يقوم بها قيس سعيد وبأسلوب استفزازي لمعارضيه ولجمهور واسع من الشعب التونسي، فهو لا يكف عن ادعاء الطهورية وعن وصم مخالفيه بكل النعوت المعيبة، بل ويسخر ممن ينقدونه فيرد عليهم بمزيد الترذيل والإهانة وكأنه يريد جرهم إلى مربع العنف حتى يجد مبررا لتصفية رموز المعارضة، بعد أن فشل في التخلص منهم عن طريق القضاء الذي لم يخضع لرغباته ولم ينتقم له من معارضية، خاصة بعد هزيمته في ملف وزير العدل السابق الأستاذ المختطف نور الدين البحيري.
قيس سعيد استعمل أكثر من مرة في كلماته التهديد بـ"وابل من الرصاص" لبث الخوف في معارضيه أو لجرهم نحو مربع العنف، حتى تكون له فرصة للتصفية.
كلما تعرى فشله في الجانب الاجتماعي وشعر بتفاقم الغضب الشعبي عليه بسبب عدم التزامه بوعوده بعد تسعة أشهر، لجأ إلى التحريض على المعارضة
وهو كلما تعرى فشله في الجانب الاجتماعي وشعر بتفاقم
الغضب الشعبي عليه بسبب عدم التزامه بوعوده بعد تسعة أشهر، لجأ إلى التحريض على المعارضة؛ يريد من المواطنين أن يهجموا عليهم لـ"تطهير" البلاد منهم بل ولإعطائهم "لقاحا" شبيها بلقاح كورونا (ولعل هذا أسوأ وأوضح تحريض قام به سعيد ضد معارضيه، وهي جريمة تحريض على التقاتل أعتقد أنه يُحاكم عليها مستقبلا).
2- مرحلة اليأس من توقف الاجتياح
منذ فجر 26 تموز/ يوليو 2021 حيث غزت صورة الغنوشي وهو يقف قبالة الدبابة مختلف وسائل الإعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، لم تتوقف التحركات الاحتجاجية في شوارع العاصمة، ولم تفتر عزائم المناضلين في التصدي السلمي للمنقلب، رغم هجماته على نواب وسياسيين ومدونين وإعلاميين، ورغم محاكماته لعدد من رموز الثورة وعلى رأسهم عميد المحامين السابق الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني، ورغم جريمة اختطاف وزير العدل السابق والنائب في البرلمان ونائب رئيس حركة النهضة الأستاذ نور الدين البحيري. ولكن كل هذه النضالات لم تدفع قيس سعيد نحو حوار وطني يخرج البلاد من أزمتها المركبة ويعيد المسار الديمقراطي ويسمح بمعالجات هادئة للأخطاء، وهي كثيرة بالتأكيد. قيس سعيد لا يستمع لأي صوت ولا يطلب نصيحة ولا يستشير ذا رأي، بل ولا يصغي إلى أصوات المنظمات الحقوقية والوفود البرلمانية، إنه ماض في مشروعه الهلامي رغم فشل استشارته الإلكترونية ورغم فقدانه ثقة الناس، ورغم حجم الضغوط الخارجية وخاصة حبس
المساعدات والقروض.
يوم 30 آذار/ مارس كان يوما فاصلا حين قررت أغلبية برلمانية عقد جلسة عامة عن بعد لاتخاذ قرار رئيس؛ وهو اعتبار إجراءات قيس سعيد الاستثنائية غير دستورية، هذا القرار أربك الانقلابي ودفعه إلى ارتكاب خطأ أفدح وهو دعوة وزيرة العدل ومطالبتها بإحالة النواب على القضاء وعلى رأسهم الأستاذ راشد الغنوشي، ولكنه اصطدم بقوة المجتمع المدني والحقوقي وبموقف مشرف للقضاة الذين لم يجاروه في غرائزيته الانتقامية.
3- مبادرة نجيب الشابي للخلاص الوطني
جلسة البرلمان تلك كانت موقفا شجاعا داعما لتحركات الشارع فكانت وقفة يوم 10 نيسان/ أبريل الاحتجاجية، حيث قدم الأستاذ أحمد نجيب الشابي
مبادرته للخلاص الوطني بعد استعراضه لوجوه الأزمة المتعددة، داعيا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم لتخليص البلاد مما هي فيه. وختم نص ندائه بقوله: "لكل ذلك وفي هذه اللحظة الحرجة من حياتنا الوطنية، فإني أتوجه بنداء حار إلى كافة القوى المعنية بالإنقاذ وبالعودة الى
الديمقراطية أن تلتقي حول هذه الأرضية، وأن تتعاون على بناء "جبهة للخلاص الوطني" تعمل على توحيد للكفاح الميداني وعلى إعداد برنامج الإنقاذ والدفع إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني دون توان ولا إقصاء".
هذه المبادرة لاقت قبولا لدى جل القوى السياسية المعارضة للانقلاب، وقد بدأت لقاءات نجيب الشابي بعدد من ممثلي أحزاب وكتل برلمانية وشخصيات وطنية، وبدأت تحركات ميدانية في أبرز محافظات البلاد
هذه المبادرة لاقت قبولا لدى جل القوى السياسية المعارضة للانقلاب، وقد بدأت لقاءات نجيب الشابي بعدد من ممثلي أحزاب وكتل برلمانية وشخصيات وطنية، وبدأت تحركات ميدانية في أبرز محافظات البلاد مثل بنزرت وسوسة وتونس العاصمة. وستعلن جبهة الخلاص عن أبرز ما توصلت إليه في ندوة صحفية غدا الثلاثاء (26 نيسان/ أبريل الجاري).
الأستاذ نجيب الشابي مناضل وطني زمن بورقيبة وابن علي، ويُعتبر بعد أحمد المستيري أبرز مناضل ديمقراطي. وقد كان مقر حزبه زمن الاستبداد ملاذا لكل الملاحقين سياسيا وفكريا، حيث كانت مختلف الأصوات المعارضة والملاحقة تجد في الحزب الديمقراطي التقدمي وفي جريدة الموقف يومها منبرا مفتوحا للتعبير.
السفير الفرنسي التقى يوم 14 نيسان/ أبريل نجيب الشابي، وقد ورد بصفحة الأخير البلاغ التالي: "التقى ظهر هذا اليوم الخميس 14 افريل 2022، بمقر حزب الأمل، السيد أحمد نجيب الشابي بالسيد أندري باران سفير فرنسا بتونس. وتناول اللقاء العلاقة بين البلدين وبين تونس والاتحاد الأوروبي، كما كان فرصة لتوضيح المبادرة التي أطلقها السيد نجيب الشابي من أجل بناء جبهة لإنقاذ تونس من أزمتها الاجتماعية والسياسية الراهنة".
الأستاذ نجيب الشابي يقود الآن كفاحا ميدانيا ضد الانقلاب، وهو يحظى بتقدير عال من مختلف مكونات المشهد المعارض لقيس سعيد، وخاصة لدى جمهور النهضة الذي تعود على الإعلاء من شأن كل دعاة الحرية ومناصري المسار الديمقراطي.
المشهد الآن يشهد سباقا في زمن سياسي ساخن بين "جبهة الخلاص الوطني" من جهة بقيادة الأستاذ نجيب الشابي، وبين "مقاولات الاجتياح" بقيادة قيس سعيد من جهة ثانية
المشهد الآن يشهد سباقا في زمن سياسي ساخن بين "جبهة الخلاص الوطني" من جهة بقيادة الأستاذ نجيب الشابي، وبين "مقاولات الاجتياح" بقيادة قيس سعيد من جهة ثانية.
هل يتجاوز السياسيون تفاصيل خلافاتهم ويتفرغون لمعركة الاستئناف الديمقراطي؟
هل تجد مبادرة نجيب الشابي دعما من أصدقائه الأوروبيين خاصة؟ ومن أصدقاء الأستاذ راشد الغنوشي خارج تونس؟
هل يسبقهم قيس سعيد باقتراف عملية اجتياح جديدة وقد سمعناه في ليلة إفطار سفراء دول عربية وإسلامية يوم الجمعة (21 رمضان) يعد بأن هلال العيد سيبلغ تمامه في تونس (قالها مرتين)..؟
twitter.com/bahriarfaoui1