قضايا وآراء

الاختيار لك (2)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
يراهن البعض كما ذكرت في المقال السابق على أن ذاكرة الشعوب مخرومة، والحقيقة أنها سليمة بفعل أمرين؛ أولهما وكما ذكرت أن جوجل ويوتيوب وفرا ذاكرة تتسع لعشرات إن لم يكن مئات السنين، وثانيهما أن جيلا بكامله عاش تلك الأحداث ورآها رأي العين، ولا يزال يعود إلى تلك الأحداث كلما عاد هؤلاء إلى حديث الإفك المكذوب ويرد عليهم كلمة بكلمة وإشارة بإشارة وفيديو بفيديو وصورة بصورة، فهل تظن أن هذا جيل يمكن أن ينسى أو تشك أن ذاكرته مثقوبة؟

الاختيار عملية غسيل مخ فاشلة لسبب آخر، وهو أن الواقع مثبت في مؤخرة الرأس ومقدمتها وفي ثناياها، وأن الحقيقة أقوى مليون مرة من كل خيالات المؤلف ومن كل توصيات الجنرالات. ثم إن الدفاع المستميت عن تسريب المكالمات؛ في بلد ينص دستوره على احترام الخصوصيات وعدم التجسس على المواطنين، ناهيك أن يكون المواطن رئيس دولة أو قائد حزب أو زعيم جماعة أو حتى مواطنا عاديا.
الاختيار عملية غسيل مخ فاشلة لسبب آخر، وهو أن الواقع مثبت في مؤخرة الرأس ومقدمتها وفي ثناياها، وأن الحقيقة أقوى مليون مرة من كل خيالات المؤلف ومن كل توصيات الجنرالات

تعالَ أقرأ لك نصا من الدستور الذي أقسموا على احترامه فانتهكوه وعلى الحفاظ عليه فبدلوه، ولو وجدوا فرصة لحرقوه بأيديهم.. يقول الدستور في المادة 57: "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك".

وإذا لم تكن هذه المادة كافية فإليك المادة التي تليها مباشرة ودون فواصل وهي المادة 58:

"للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر أو الا ستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن".

إن صانع الاختيار نفسه بدأ يتفاعل مع ردة الفعل السلبية تجاه العمل ولم يترك لغيره فرصة للاشتباك مع الرأي العام، فقرر صبيحة يوم عيد الفطر استدعاء طواقم العمل ليقفوا أمامه ويعلن أنه هو من قام بالتأليف وإخراج مشاهد التسريبات، وهو بنفسه رد على تساؤلات الناس عن سر غياب أي تسريب يثبت تهديد الإخوان باستخدام القوة ولم يجد، فقرر اللجوء المعتاد للحلف علانية والقسم بالله ثلاثة أن أحدهم "أشار له بأصابع يده هكذا وقال له هنقتلكم"، ولا أعرف كيف فاته تسجيل هذه اللحظة التاريخية التي تدين الرجل والجماعة! كيف فات على رجل استخبارات مثل هذه اللحظة التي تساوي مليارات ولو أنها مجتزأة من سياقها؟
لم يترك صانع "الاختيار 3" خيارا سوى أنه خان الدستور والقانون وتجسس على مواطنين أبرياء، وقام بنقل محادثاتهم التي جرت في منازلهم وفي مؤسسات دخلوها باعتبارها أماكن محترمة للدولة ولا يجوز فيها تسجيل المقابلات إلا بعلم وإذن، وحتى لو سجلت فمن الذي أباح وسمح بإفشاء أسرار الدولة

لم يترك صانع "الاختيار 3" خيارا سوى أنه خان الدستور والقانون وتجسس على مواطنين أبرياء، وقام بنقل محادثاتهم التي جرت في منازلهم وفي مؤسسات دخلوها باعتبارها أماكن محترمة للدولة ولا يجوز فيها تسجيل المقابلات إلا بعلم وإذن، وحتى لو سجلت فمن الذي أباح وسمح بإفشاء أسرار الدولة خصوصا أن بعض هذه المحادثات جرت في مواقع عسكرية بحكم القانون؟ وهل القانون يبيح نشر هذه المحادثات أو المذكرات أو الوثائق إلا بضوابط؟ ومع ذلك فعلتَ ولم تجرؤ على إذاعة التسجيلات كاملة لأن فيها ما يدينك.

والغريب العجيب أنه لا يزال يقسم على أن ما قام به كان لصالح الدولة وأنه صادق أمين. ولا أعرف لماذا يقسم على شيء شاهده الناس وتيقنوا أنه فعل يدل على الخسة والنذالة والغدر ومخالفة القانون والدستور.

لم يبق لك من اختيار عزيزي المشاهد وأنت تسأل: وأين تسجيلات البقية؟ هل اختفت أم يحتفظ بها النظام لوقت قريب حين يستشعر خطرا آخر غير الخطر الذي يعيشه اليوم؟
الاختيار لك حين تسأل عن ردة فعل من شاهدوا هذه التسجيلات ممن يسمون أنفسهم بالتيار المدني.. لماذا لا يتحدثون؟ لماذا لا ينطقون؟ لماذا لا يدينون؟ هل يظنون أنفسهم بمنأى من التسجيلات أو منجى من لهيب التسريبات؟

والاختيار لك حين تسأل عن ردة فعل من شاهدوا هذه التسجيلات ممن يسمون أنفسهم بالتيار المدني.. لماذا لا يتحدثون؟ لماذا لا ينطقون؟ لماذا لا يدينون؟ هل يظنون أنفسهم بمنأى من التسجيلات أو منجى من لهيب التسريبات؟ للأسف لم أسمع للبرادعي صوتا ولا لعمرو موسى ولا الفقي ولا حمدين ولا أبو الغار ولا خالد داوود، ولا قادة الإنقاذ أو ما تبقى منهم... للأسف مثل هؤلاء لا اختيار لهم.

نقطة أخرى حول الممثلين المشاركين في المسلسل أو المسلسلات والذين يبدو أنهم اختيروا بعناية من بين مئات أو ألوف على رؤسهم بطحات كما نقول بالعامية، فبعضهم متهم بعدم الاعتراف بأبنائه، وآخر متهم بعقوق والديه، وثالث هارب من التجنيد، ورابع متهرب من الضرائب، وخامس متحرش، وسادس متهم بضرب عامل حراسة، وسابع زوّر شهادة تعليمه، وثامن صاحَب وغرّر بالفتيات الصغيرات وسجل لهن، وتاسع جيء به لأنه غير مسلم ويعلم أن له حماية من الكنيسة ومن الخارج، وعاشرة سجلها في خدمة الأمراء والكبراء في الخليج معروف، وقد قالت عنها زميلة لها في الكار إنها تذهب "في أوردرات خاصة إلى الخليج"، وهو تعبير عن الطلبات الخاصة على بعض الفنانات.
نقطة أخيرة عن وثيقة مهمة كنت أتمنى أن تراها عزيزي القارئ في المسلسل إياه وأنشرها هنا، والتي تبين القاع الذي وصلت اليه البلاد، وهو قاع يبدو أن دونه قيعان أخرى وربنا يستر على البلد وأهلها

ومعظم من قاموا بتمثيل أدوار وطنية يحملون جنسيات أخرى ولديهم عقارات ومساكن واستثمارات خارج البلاد، ناهيك عن أنهم تعلموا فن التجسس وتسجيل المحادثات مع الأجهزة الرسمية والاحتفاظ بها للضرورة.. فعن أي اختيار يتحدثون عن اختيار الوطن، أم اختيار خيانة الوطن وتضييع الأمانة والتآمر على رئيس الدولة؟

نقطة أخيرة عن وثيقة مهمة كنت أتمنى أن تراها عزيزي القارئ في المسلسل إياه وأنشرها هنا، والتي تبين القاع الذي وصلت إليه البلاد، وهو قاع يبدو أن دونه قيعانا أخرى وربنا يستر على البلد وأهلها.

الاختيار الوحيد هو لك عزيزي القارئ، ولك أن تقول كلمتك وتعبر عما شاهدته، فالصمت في حضرة الظلم عار وأي عار.
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 03-05-2022 01:52 م
*** مقولة أن التاريخ يعيد نفسه، مقصود بها أن الطباع الإنسانية بفجورها وتقواها تبقى ثابتة عبر تاريخ البشرية، وهي تنطبق بحذافيرها وتفصيلاتها، على الأوضاع السياسية في مصر اليوم، فعندما قامت عصابة ضباط ناصر الانقلابية، بالانقضاض على السلطة والدولة، والملك الذي أقسموا بين يديه يمين الولاء له، ثم حنثوا بقسمهم ونفوه واستولوا على أمواله سحتاُ، ثم خانوا قائدهم ورئيسهم محمد نجيب واعتقلوه، ليلقى على أيديهم جزاء تأييده للانقلابيين، ولم يكتفوا بذلك بل حرضوا كتبة وإعلاميين كذبة فجرة بتشويه سمعة الملك وتاريخه، وتلفيق الأكاذيب ضده التي تمس شرفه وشرف أسرته، ونموذج لأولئك الكذبة الفجرة مصطفى أمين الذي أسس مع أخيه علي، دار أخبار اليوم، بموارد مجهولة المصدر، ورأس تحرير صحيفتها الأخبار، فقد سارع مصطفى أمين هذا بتأليف كتاب "ليالي فاروق" ليدبج بقلمه تفاصيل كاذبة عن خصوصيات أدعى كذباُ وبهتاناُ معرفته لها واطلاعه عليها، وياليتها كانت انتقادات لسياساته في الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة وتنظيم شئون الدولة واحترام القانون والدستور، ومصطفى أمين هذا هو وأخيه استمروا على ذات السياسة الإعلامية من الإشادة بحكم الانقلابيين وبإنجازاتهم الوهمية، حتى دارت الدوائر عليهم، فاعتقل مصطفى وزج به في السجن سنين طويلة بتهمة الخيانة في حكم المأفون ناصر، وهرب أخيه علي لخارج مصر، وانضموا بذلك إلى ضحايا حكم من ناصروه وجندوا أقلامهم لخدمة نظامهم، حتى ضحى ناصرهم الخائن بجيش مصر كله وألقى بهم في سيناء ليتركهم بين قتيل وأسير، وقدمهم مع سيناء قرباناُ لآلهة بني صهيون، ليتركوه على عرش حكم مصر، ثم دس السم لأقرب أصدقاءه عامر، ليحمله وحده تهمة خيانة مصر من دونه، وليبقى هو على عرشه، ولكن الله أخذه أخذ عزيز مقتدر، بعد أن أمرضه سنين عدة، ولم تفلح معه علاجات ملاحدة السوفيت الشيوعيين الذين والاهم ورهن مصر لهم، الذين لجأ إليهم للاستشفاء، وعندما نفق، وضع زملاء انقلابه جثته في ثلاجة حفظ اللحوم بقصر القبة لأيام، وسيشهد عليه وسيقتص منه يوم يبعث من في القبور كل من غدر بهم وخانهم، وليشهد عليه لسانه الكذوب الذي لفق الاتهامات لهم، ليلقى مصيره المحتوم، وسيعيد التاريخ نفسه، وسنرى في الجنرال المنقلب المسخ الدجال الكذوب هو واتباعه يوماُ قريباُ، وسيكونوا عبرة لمن يعتبر، والله أعلم بعباده.