هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد لغة الخطاب السياسي في تونس تصاعدا لافتا بلغ درجة العنف والتحريض جراء الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر طويلة بتونس، فيما تعالت الأصوات المحذرة من حدوث تقاتل بين التونسيين خاصة بين مساندي الرئيس سعيد ومعارضيه.
ويتهم الرئيس قيس سعيد أطرافا لم يسمها بمحاولة "حرق البلاد وبث الفتنة بين نفوس التونسيين"، في حين اعتبر معارضوه أن هذا الخطاب تصعيد وتوتير للأوضاع من رئيس البلاد الذي يفترض أن يطمئن شعبه ويرص صفوفه.
وفي المقابل حذر رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي من العنف والتقاتل، مؤكدا وجود معلومات لديه من مصادر موثوقة ومطلعة بأن أنصار الرئيس يستعدون هذا الأحد للخروج في تحركات احتجاجية ومنها اقتحام مقرات الأحزاب والاعتداء عليها.
وحدة الشعب مهددة
وقال عضو "حراك مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك في تصريح لـ"عربي21" إن "وحدة الشعب واستقراره باتت مهددة من الخلايا الميلشياوية، فهي تحشد في خطاباتها وتعد لعمليات عنف ممنهجة ضد الأحزاب والشخصيات والمؤسسات".
واستنكر الحقوقي جوهر بن مبارك ما اعتبره حماية السلطة لجماعات العنف والتحريض، قائلا: "سابقة خطيرة أن تدعم السلطة جماعات عنف متطرفة وفوضوية غايتها الفرقة، صفحاتهم تؤكد ذلك وتصريحاتهم تقول إنهم سيقدمون على محرقة حقيقية ضد الديمقراطية".
ودعا ابن مبارك كافة القوى الديمقراطية والمنظمات وكل التونسيين إلى أن "يكونوا على درجة عالية من اليقظة للتصدي لجريمة العنف التي يعد لها الانقلاب وأنصاره".
في مقابل ذلك، قال الناطق الرسمي لحزب "التيار الشعبي" محسن النابتي (مساند للرئيس قيس سعيد) في تصريح لـ"عربي21" إن "خطاب الرئيس سعيد مبرر وهو ردة فعل طبيعية"، مضيفا أن "البيئة التي خلقت في تونس ونوعية الصراع المفروض من النهضة وحلفائها يستوجب هذا النوع من الخطاب".
وتابع الناطق الرسمي لحزب "التيار الشعبي": "خطاب القيادة بهذا الشكل هو ردة فعل على منظومة استقوت بالخارج وتبث العنف والإشاعات".
وأشار النابتي إلى أن "حصول احتدام سياسي بين أنصار 25 تموز/يوليو والدولة والشعب، مع منظومة ما قبل 25 تموز/يوليو.. هو ما أحدث ضغطا عاليا على القيادة السياسية التي فرض عليها صراع فباتت تواجه عدوانا لا معارضة".
اقرأ أيضا: سعيد يتوعد خصومه ويعلّق على "تسريبات عكاشة"
نار الفتنة
ومن جهته رفض الاتحاد العام التونسي للشغل "خطاب الكراهية والشتم"، حيث قال المكلف بالإعلام بالاتحاد غسان القصيبي، في منشور على حسابه بفيسبوك، إن هناك جهات تبث الإشاعات وتشعل المعارك، منبها من "مهاجمة السلطة لخصومها وكذلك الأمر للمعارضين وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مرحلة العنف والقتل".
من جانبها، حذرت حركة "النهضة" من تصاعد خطابات التقسيم والتحريض وتهديد للسلم الأهلي بالبلاد، ونبه الحزب الرأي العام الوطني من خطورة خطاب التقسيم والتحريض ودعوات العنف والفوضى وآثارها المدمرة على السلم الأهلي.
وأعلنت الحركة عن رفعها قضايا ضد كل من يحرض على استعمال السلاح والعنف والقتل والحرق وطالبت السلطة بتحمل المسؤولية كاملة في حماية الأرواح والممتلكات.
وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة محمد القوماني في تصريح لـ"عربي21" إن تونس تتجه إلى وضع أسوأ ما يكون، معتبرا أن خطاب الرئيس عنيف: "رفعه اللاءات الثلاث في وجه معارضيه ليلة العيد يتيح لأنصاره التهجم على السياسيين وهو أمر على غاية من الخطورة".
كما أكد القوماني وجود معلومات تتحدث عن "خطة لإشعال نار الفتنة من خلال التهجم على الأحزاب وهو أمر يدعو للانشغال والحذر الشديد".
بدوره قال النائب عن حزب "قلب تونس" رفيق عمارة في تصريح لـ"عربي21" إن "خطاب الفتنة مرفوض لأنه سيجر البلاد للفقر ونطالب الشعب باليقظة والوحدة".
وفي رسالة للرئيس قيس سعيد قال النائب عمارة: "نحن نريدك رئيسا لتونس يجمع ولا يفرق، خطاباتك ليست في مصلحة البلاد داخليا وخارجيا، حتى العائلة الواحدة باتت مقسمة بين من هو مع سعيد ومن هو ضده وهذا أبدا ليس من مصلحة البلاد".
وتابع: "على الرئيس جمع الأحزاب والقوى في حوار وطني دون إقصاء لأي أحد".
في مقابل ذلك قال عضو حراك 17 ديسمبر الداعم للرئيس سعيد عبد الحميد أولاد علي في تصريح لـ"عربي21"، "إن منظومة ما قبل 25 تموز/يوليو و"جبهة الخلاص" يفتعلون العنف وتخويف الشعب ويدفعون إلى سياسة الأرض المحروقة فقط من أجل الحكم".
وفي رده على الانتقادات حول عنف الخطاب الرسمي للرئيس سعيد، قال أولاد علي إن "الرئيس خاطبهم بلغتهم وكان واضحا، العنف الحقيقي مُتأتٍ ممن يعتبرون أنفسهم جبهة الخلاص، والخلاص الحقيقي عندما يتم التخلص ممن باع الذمم وارتمى في أحضان الخارج".
فقدان الخطاب العقلاني
وفي قراءة تحليلية لتصاعد مؤشر العنف والتوتر، قال الكاتب الصحفي كمال الشارني لـ"عربي21" إن "تصاعد خطاب العنف والتوتر هو أحد وجوه الأزمة الخانقة التي نعيشها، والتي تجعل كل طرف يندفع إلى تخوين الآخر المختلف واتهامه بأنه هو سبب الأزمة".
وأوضح الكاتب الصحفي أن العنف اللفظي والمعنوي الذي نعيشه في الفضاء العام هو "دليل فشل التعايش السلمي بين الناس وغياب خطاب عقلاني يحافظ على المشترك بيننا".
كما حذر الشارني، من تبعات ذلك الخطاب، بالقول: "للأسف هذا العنف اللفظي قد يتطور، حتى لأسباب عادية إلى عنف مادي بين المجموعات".
واستدرك الصحفي التونسي، قائلا: "إن اختلاط الشعب التونسي وغياب الفوارق الاجتماعية قد يخفف من احتمالات العنف الجماعي، لكن هذا رهين بمسار الأزمة السياسية والاقتصادية، ورهين بوجود قادة رأي في مقدورهم توجيه الناس نحو الحلول الحقيقية بدل العنف".