هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أشارت فيه إلى أن تونس تنزلق نحو الديكتاتورية وأنه حان الوقت لكي تقوم الولايات المتحدة بالتحرك.
وأضافت في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن تسعة أشهر مضت على بداية الانقلاب البطيء في تونس، البلد الذي منح حتى وقت قريب المثال الأفضل عن عمليات التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. وبعد إغلاقه البرلمان في تموز/ يوليو علق الرئيس قيس سعيد الدستور وحل المجلس الأعلى للقضاء. وفي تحرك مثير للقلق، سيطر سعيد على هيئة الانتخابات المستقلة، بشكل يسمح له بترسيخ دعائم حكمه.
وأشارت الصحيفة إلى أن العالم يراقب التطورات في أوكرانيا برعب، وهو ما يجب عمله. وأطر الرئيس جو بايدن المعركة في أوكرانيا بأنها حرب بين "الديمقراطية والديكتاتورية"، لكن الشرق الأوسط وفي الفترة الماضية كان ساحة مهملة في هذه المعركة. إلا أن الأزمة الحالية في تونس تعطي فرصة لإرسال إشارة قوية جدا للدفاع عن القيم الديمقراطية. وحتى هذا الوقت تردد المسؤولون الأمريكيون بوضع ضغوط شديدة على سعيد، وتعاملوا مع تحركه في تموز/ يوليو بأنه تحرك حظي بشعبية.
ذلك أن الكثير من التونسيين سئموا من الإقتتال بين الأحزاب السياسية التي لم تكن قادرة على عمل أي شيء ووقف الإقتصاد المتهالك. ثم جاء سعيد الذي وعد المواطنين بأنه سيتجاوز النخبة ويقدم نتائج إلى الشعب مباشرة، وأنه الوحيد القادر على حل المشاكل. إلا أنه لم يفعل. وإذا كان هناك وقت متاح لإعادة التفكير وتقييم الوضع في تونس، فهذا هو قبل أن ينجح سعيد بتوطيد سلطته ويقضي على الديمقراطية بشكل كامل. وكما شاهدنا في معظم الشرق الأوسط، وبشكل تراجيدي في مصر عام 2013 فعندما يرسخ النظام نفسه في السلطة تقل خيارات المجتمع الدولي وتتراجع فرصه للمناورة.
اقرأ أيضا: NYT: مع تراجع الديمقراطية بتونس.. انهيار اقتصادي يهدد البلاد
ومثل بقية المستبدين، لا يؤمن سعيد بالديمقراطية التمثيلية وزعم في عام 2019 أنها "أصبحت فاسدة وانتهى عصرها"، ومن الواضح أن الحوار ومحاولة الإقناع لن يكونا كافيان لكي يغير رأيه. واكتشفت إدارة بايدن وإن متأخرة أن ممارسة الضغط عبر الكلام بدون أن يكون مرفقا بتهديدات لم يحقق نتائج.
واقترحت وزارة الخارجية في آذار/ مارس قطع الدعم الاقتصادي والعسكري لتونس إلى النصف. ووضح أنطوني بلينكن أن الدعم لن يستأنف إلا في حالة تبني سعيد "عملية إصلاح شاملة للأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني". وهذه بداية جيدة لكنها محدودة.
فتعليق جزئي للمساعدات سيخفف من النفوذ الأمريكي ويقسمه للنصف- أي تنفير سعيد بدون تغيير حساباته. وبدلا من ذلك فإن على الولايات المتحدة التأكيد لسعيد أنه في حالة رفضه تصحيح المسار فإن تعليقا كاملا للدفع سيتبع هذا. ومحاولة استخدام ورقة الدعم الأمريكي لن تكون كافية، وعليها بالتعاون مع شركائها في أوروبا التفكير بأمر لم تفعله من قبل وهو ما يمكن تسميته الخيار "الأقصى".
فعلى مدى العام الماضي كان سعيد يتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ بمليارات الدولارات يمكن أن تجنب تونس أزمة التخلف عن السداد التي تلوح بالأفق. وللحصول على القرض، فإن "على تونس أن تقدم برنامج إصلاحات ومعالجة الدعم ورواتب القطاع العام المرتفعة والشركات المملوكة من الحكومة والخاسرة"، وحان الوقت لدعم هذه المطالب التي نشرتها وكالة أنباء رويترز بشروط سياسية واضحة، وهي إعلان سعيد عن مبادرة حوار وطني مع الأحزاب السياسية والتوصل لخريطة طريقة من أجل العودة للديمقراطية وتطبيق خطة الطريق هذه. ونؤكد هنا أن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها صندوق النقد الدولي، فبنود الاتفاقيات التي تعقدها مع الدول لا تشمل شروطا سياسية، فالديمقراطيون والمستبدون على حد سواء يستحقون الدعم.
ولأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي، فإنه يمكنها الضغط على مؤسسة التمويل وتعليق المفاوضات. وربما كانت هذه آخر وأحسن فرصة للضغط على سعيد كي يغير مساره. فتونس التي ينهار اقتصادها بشكل سريع تحتاج لدعم الشركاء الغربيين.
وكما أخبر مسؤول تونسي الصحيفة، فإنه "لا يستطيع سعيد العيش بدون صندوق النقد الدولي"، فقرض الصندوق مهم لتونس ليس لأنه يمثل حلا مؤقتا لتمويل ميزانية الدولة ولكن كإشارة ضمان للحصول على قروض أخرى. وفي الفترة الأخيرة تم تخفيض تونس إلى مرتبة "سي سي سي" في التصنيف الائتماني وهي أدنى درجة على الإطلاق.
وبالطبع فاستخدام ورقة النفوذ الأمريكية بهذه الطريقة فيه مخاطر، ولكننا شاهدنا في السنوات الماضية أن عدم استخدامها فيه مخاطر أيضا. وفي الحقيقة فإن هذا يعني الحكم على التونسيين بالعودة إلى النظام الديكتاتوري القديم. ولو اعتقد الأمريكيون أن الديمقراطية جيدة فعليهم الإيمان بأنها جيدة للتونسيين أيضا، وإلا فسيظل خطاب بايدن الجدير بالثناء مجرد كلام. هو مثال نتحدث عنه ولكننا نتجاهله حتى في معظم الحالات المهمة.