هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
(1)
انتهى تدخل المجتمع الدولي في السودان إلى خلق أربعة مواقف سياسية، متباعدة، ومتنافرة:
- مجموعة حوار الآلية الثلاثية (مبعوث الأمم المتحدة- يونتاميس، والاتحاد الأفريقي، والإيغاد)، وتضم تيارات سياسية ارتضت الجلوس إلى مائدة حوار، وبدأت جلساتها المباشرة يوم الثلاثاء (7 حزيران/ يونيو 2022) وتم تأجيل الجلسات المقررة الأحد (12 حزيران/ يونيو).
- مسار قوى الحرية والتغيير وما تلا لقاءات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في الخرطوم (8-9 حزيران/ يونيو)، وموافقة هذه القوى الممانعة على الجلوس مع المكون العسكري. ومن مطالبها إيقاف حوار الآلية الثلاثية ومخاوفها من تشكيل حاضنة سياسية جديدة، وتهدئة المواجهة بين المكون العسكري والمجتمع الدولي، وهذه محاولة لقطع الطريق على ذلك.
- مجموعة مقاطعة لكل هذه الحوارات ومتمسكة بإنهاء ما أسمته الانقلاب (قرارات البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021) وتسليم السلطة للمدنيين، وسلوك التظاهرات الشعبية ورفع شعار "لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية"، وهو ذات شعار قوى الحرية قبل الموافقة على الحوار. ويمثل هذه القوى الحزب الشيوعي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين.
المستثنى الوحيد المعلن هو حزب المؤتمر الوطني، لكن الإقصاء شمل قوى وأحزابا سياسية كثيرة وجماعات وكتل ذات وزن جهوي واجتماعي، وبعضها يعارض الحل والتدخل الأجنبي من أساسه
- مسار "الاستثناء" و"الإقصاء"، والمستثنى الوحيد المعلن هو حزب المؤتمر الوطني، لكن الإقصاء شمل قوى وأحزابا سياسية كثيرة وجماعات وكتل ذات وزن جهوي واجتماعي، وبعضها يعارض الحل والتدخل الأجنبي من أساسه..
هذا الراهن السياسي خلق تعقيدات أكثر وارتباكا في المشهد، وهذه سمة المجتمع الدولي، والتجاذبات الإقليمية والمصالح المتقاطعة، وهو ذاته الذي أنتج أكثر من حكومة في ليبيا واليمن، والدور قادم على السودان..
(2)
استغرقت زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مولي، للسودان ساعات محدودة، أنجزت خلالها مهمة استنزفت جهود شهور من المجتمع الدولي ممثلاً في اليونتاميس، والمجموعة الأفريقية ممثلة في مبعوثها ود لبات، والإيغاد (أي الآلية الثلاثية)..
لقد زارت مولي الخرطوم صبيحة 8 حزيران/ يونيو 2022م، والتقت مجموعة الحرية والتغيير، وانتهى اللقاء بإعادة جسور الحوار مع المكون العسكري، بعد أن تعالت منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021م أصوات تنادي "لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية لانقلاب"، وبعد أن أقسم قادة في المكون العسكري بأنهم لن يجلسوا مرة أخرى مع الانقلابيين.. هذه إشارة لحقائق مهمة:
تأثير وفاعلية المحاور الخارجية في الراهن السودان، فرغم كل جهود المجتمع الدولي والضغط الداخلي، لم تسفر عن زحزحة موقف قوى الحرية عن لاءاتها، ولكنها رضيت بالحوار بعد لقاء سريع مع الوافدة الأمريكية، والتي لم يقتصر دورها على السياسيين، بل التقت وحاورت لساعات طويلة مجموعات من لجان المقاومة
- تأثير وفاعلية المحاور الخارجية في الراهن السودان، فرغم كل جهود المجتمع الدولي والضغط الداخلي، لم تسفر عن زحزحة موقف قوى الحرية عن لاءاتها، ولكنها رضيت بالحوار بعد لقاء سريع مع الوافدة الأمريكية، والتي لم يقتصر دورها على السياسيين، بل التقت وحاورت لساعات طويلة مجموعات من لجان المقاومة. ولكن المريب في الأمر أن هذه التحركات الأمريكية وبعض الأطراف الغربية أدت إلى خلق مسار مواز لما تم خلال الشهور الماضية..
- غياب المبدئية في المواقف السياسية، وعبثية الشعارات، والمواقف، وكلها تدلل على هشاشة المنظور والمنطق.. لدرجة أن قوى الحرية قالت في بيانها إنها "ساعية لإبعاد الداعمين للانقلاب والمساندين له" من خلال التفاوض مع "الانقلابي"..
- حجم الاختراق للقرار الوطني السوداني، ورغم ابتداء جلسات حوار الآلية الثلاثية صبيحة الثلاثاء (8 حزيران/ يونيو)، فإن مساراً جديداً بدأ بمعطيات جديدة وشروط من بينها "نسف كل ما جرى"..
(3)
وأخطر ما جرى في الساحة السياسية السودانية، هو:
- رهن مطالب الشارع السوداني ومصالحه بمجموعة سياسية، محدودة، وهذه كانت خلاصة تصريحات المتحدث باسم الآلية الثلاثية: "إن عدم مشاركة هذه القوى يجعل الحوار بلا جدوى"، وهو ذات منطق مبعوث الاتحاد الأفريقي ود لبات، فهذه المجموعة محظية برعاية دولية وأجندة إقليمية..
رهن مطالب الشارع السوداني ومصالحه بمجموعة سياسية، محدودة، وهذه كانت خلاصة تصريحات المتحدث باسم الآلية الثلاثية: "إن عدم مشاركة هذه القوى يجعل الحوار بلا جدوى"، وهو ذات منطق مبعوث الاتحاد الأفريقي ود لبات، فهذه المجموعة محظية برعاية دولية وأجندة إقليمية
- رهن المواقف الدولية بالإدارة الامريكية وتحكمها في المشهد السوداني وتأثيرها على المجتمع الدولي، فقد تم تجاهل كل الجهود السابقة واللقاءات أملاً في تدبر مخارج سياسية لقوى سياسية بعينها.. وقد أوضحت ذلك قوى الحرية دون مواربة وقالت إنها استصحبت "رأي الضغط الدولي"، مع العلم أنها لم تستجب لتلك النداءات الدولية قبل اجتماعها مع المبعوثة الأمريكية.. كما أن الرضا تأخر سبعة شهور..
(4)
ومع أن الوضع يبدو قاتماً، فإن المؤشرات تؤكد:
- حرص الولايات المتحدة الأمريكية على وجود قوي الحرية (تحديداً) في سدة الحكم، بغض النظر عن مواقف بقية التيارات السياسية، فهذه حليفة ونتاج السياسات الأمريكية..
- حرص دول عربية وأفريقية على وجود تأثير للمكون العسكري، بما يحفظ وحدة السودان واستقراره ومصالح الإقليم..
تبقى الخيارات الواقعية محدودة، متمثلة في استمرار المكون العسكري ورفض العودة للحوار الثنائي، وضرورة إدارة الشأن الوطني من خلال جميع الفاعلين، فلا أحد صاحب مصلحة أكثر من الآخر.. واعتماد المضي قدماً في تمليك السلطة للشعب، فهو صاحب الخيار والقرار، وعدم الركون إلى محاولات اختطاف السلطة