قضايا وآراء

الأمية السياسية الفلسطينية والبراغماتية المبتذلة

نزار السهلي
1300x600
1300x600
مفاهيم المتداولة فلسطينيا، ومعمول بها حصراً في السلطة الفلسطينية على اعتبارها من أفضل الإنجازات حسب رأي قادتها، لمواجهة الأخطار المتعلقة بالقضية الفلسطينية وصد العدوان المتواصل والمتضخم من المؤسسة الصهيونية، على كل شيء متصل بالوجود والحقوق الفلسطينية.. بعض السذج بتكرار هذه المفاهيم، وعلى رأسهم الرئيس أبو مازن مع بقية مسؤولي السلطة التي هي رهن أسئلة كثيرة عنها، وحكمت وتحكم الموقف والفعل السياسي الفلسطيني المعاصر، الذي كانت نتائجه ما نتلمسه كل يوم بالتخلي الطوعي عن مكامن القوة السياسية والأخلاقية والقانونية والتنظيمية والكفاحية، وفي كيفية تقييم هذا الأداء الخارج من معادلة "الصواب والخطأ" إلى واقع الفشل الكارثي الذي هو أشد تمثيلاً للسلطة الفلسطينية وسياساتها.

ما يجب أن يكون واضحاً، في ضوء النتائج المحققة لعملية المواجهة الفلسطينية الرسمية للاحتلال ونضال الشارع الفلسطيني، أن الأول دائما يقود إلى التخلي عن الحقوق وإلى التفريط بها برحلة طويلة ابتدأت من أوسلو، ولم تنته حتى بانتهاء كل ما ارتبط بما سمي عملية السلام، وانهيار صناعة الموقف السياسي نظرياً وعملياً. والنتيجة استمرار التفريط وفرض العجز على المجتمع الفلسطيني، ولا مستقبل لقضية فلسطين ولحركة التحرر الوطني الفلسطيني مع جملة المفاهيم والسياسات المنتهجة على كل الملفات المتعلقة بها.
ما يجب أن يكون واضحاً، في ضوء النتائج المحققة لعملية المواجهة الفلسطينية الرسمية للاحتلال ونضال الشارع الفلسطيني، أن الأول دائما يقود إلى التخلي عن الحقوق وإلى التفريط بها برحلة طويلة ابتدأت من أوسلو، ولم تنته حتى بانتهاء كل ما ارتبط بما سمي عملية السلام، وانهيار صناعة الموقف السياسي نظرياً وعملياً

فلا مجال لحضور فلسطيني سياسي فاعل دون مصداقية تعبر عن الشارع الفلسطيني، وعن حقوقه وهمومه، والتي تحدد المواقف تجاهها من عوامل شتى لا حصر لها. سنكتفي هنا بما تشتكي منه السلطة نفسها والرئيس محمود عباس، وبما تقره بكل مناسبة بانتهاك إسرائيل والاحتلال لكل المواثيق والأعراف الدولية ولكل الاتفاقيات، التي أصبحت ميتة بحكم العدوان والاستيطان والإعدامات والتهويد وفرض الأمر الواقع الذي نسف كل شيء، وواجهته السلطة الفلسطينية بإطلاق شعارات وقف التنسيق الأمني وملاحقة الاحتلال بالمحافل والمحاكم الدولية وتصعيد المقاومة الشعبية، وصولاً "لجرأة" التهديد بإلغاء اتفاق أوسلو مع الاحتلال.

هذه الشعارات تبقى فرضية، مع واقعية السياسة الرسمية الفلسطينية بتبني عقلية براجماتية مبتذلة تحسم أو تقضي على نضال وآمال الشارع الفلسطيني. فتركيز الموقف الفلسطيني في الأسابيع الأخيرة التي أعقبت إعدام الإعلامية "شيرين أبو عاقلة" مشابه لمحطات كثيرة من الإيغال في العدوان، منذ بناء جدار الفصل العنصري، والحماس المقتول في تبني تقرير غولدستون، إلى التهديدات الجوفاء بملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل، وعدم العودة للمفاوضات قبل وقف الاستيطان، أو مواجهة العدوان المستمر بوقف التنسيق الأمني ووقف التواصل مع الإدارة الأمريكية في عهد "ترامب".

انكشاف الأقوال عن الأفعال في سياسة فلسطينية رسمية، تكرار لما سبق من حصاد في محطات النضال والاشتباك الفلسطيني مع الاحتلال، ويكشف عن سؤال ممزوج بين واقع هذه السياسة والسؤال عن قدرتها وجديتها في مقاومة التصهين العربي لمحاصرة وتقزيم الحق الفلسطيني أم مكملة له، كما عديد الأسئلة المتعلقة بجدية حماية المشروع التحرري للشعب الفلسطيني والإمساك الأبدي بالفشل. قراءة ومراجعة العدو التاريخي الذي نجابهه بهكذا سياسات، تجذير لبديهيات تستدعي نظرياً وعملياً مغادرة مرحلة الابتذال والخضوع السياسي الرسمي الفلسطيني لإملاءات وشروط المحتل.

لكن القرار السياسي "المناسب" الذي ترتأيه السلطة الفلسطينية كل مرة، وكل يوم تشهد عدوان المؤسسة الصهيونية أياً تكن قسوته ونتائجه، لا يستند لشرعية فكرية وأخلاقية وسياسية وتاريخية تستند إليها أيديولوجيا أصيلة ومتأصلة تفرض استحقاقات مواجهة الاحتلال.
القرار السياسي "المناسب" الذي ترتأيه السلطة الفلسطينية كل مرة، وكل يوم تشهد عدوان المؤسسة الصهيونية أياً تكن قسوته ونتائجه، لا يستند لشرعية فكرية وأخلاقية وسياسية وتاريخية تستند إليها أيديولوجيا أصيلة ومتأصلة تفرض استحقاقات مواجهة الاحتلال

ولا يفهم التبرير الذي تطلقه السلطة من طعن قرارات اللجنة المركزية وتنفيذية منظمة التحرير وإجماع الفصائل على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتتويج كل ذلك بالاجتماع خلسة بين وزير حرب الاحتلال والرئيس أبو مازن في ذروة العدوان وسلب الأرض والحصار، والخضوع للضغوط الإسرائيلية والأمريكية بعدم التوجه للجنائية الدولية؛ ليس في ملف اغتيال شيرين أبو عاقلة فقط، بل بكل ملف جرائم الحرب المنتهكة ضد الشعب الفلسطيني، بعدما هددت وأرعدت السلطة الفلسطينية منذ سنوات طويلة.

غدت الأمية السياسية للسلطة الفلسطينية حصيلة تشكيل واقع مبتذل منذ أكثر من عقدين، برفع جرعة شعارات القدرة على مواجهة العدوان، ثم أعقبها الحرص في كل مناسبة على إنهاء الانقسام الفلسطيني وترتيب البيت الفلسطيني لتحقيق شروط أفضل للمواجهة. والنتيجة توفير فرص أفضل لأمن المحتل بتكلفة زهيدة جداً، وخسارة كلية للشارع الفلسطيني ولكل مكامن القوة المستمدة منه بممارسة براغماتية مبتذلة لتحقيق مصالح الاحتلال، والامتناع عن براغماتية مماثلة نحو الذات الفلسطينية، مما خلق ويخلق مزيدا من الاختلال في ميزان القوى الذي تشتكي منه الحركة الوطنية الفلسطينية.

أخيراً، تمادي السلطة الفلسطينية وسياستها بالعجز والتراجع وخسارتها للشارعين العربي والفلسطيني، في دورة لا تنتهي من تجريب فشلٍ خبر الشارع الفلسطيني مآسي الرهان عليه، ولم يعد أمام أسئلة مسطحة، أو سياسة تركيبية معقدة، بل هو أمام ابتذال لا متناهٍ لأنبل وأعدل قضية على وجه الأرض. يتوهم قادة الأمية السياسية على الساحة الفلسطينية بوضع الصراع والتاريخ خلف ظهورهم واستبداله برضا أمريكي وصهيوني، وبمحاباة طغاة ومحتلين ومستبدين، وفي الجوهر، إنما تضيف أسبابا جديدة للصراع والنضال بمنطق التاريخ وحقائقه القوية.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)