هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب والمحلل السياسي ماجد مندور، في اعتراف نادر إن السياسة المتبعة خاطئة، وذكر وزير المالية المصري أن الاعتماد على المال الساخن كان خطأ.
وأضاف مندور في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21"، أن هذا الاعتراف، من وزير مالية مصر محمد معيط، جاء في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة شهدت ارتفاع مستوى الدين الخارجي لمصر إلى 158 مليار دولار في آذار/ مارس الماضي، مقارنة بمبلغ 145.5 مليار دولار في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2021.
وأشار إلى أن السيسي قام باعتماد برنامج ضخم للخصخصة، سيتم من خلاله بيع ما قيمته 44 مليار دولار من أصول الدولة خلال السنوات القادمة.
ولفت إلى أنه من المتوقع أن يستمر النظام في الاقتراض، الأمر الذي يجعله أضخم مصدر للدين السيادي في الأسواق الناشئة في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث سيصدر هذا العام 37 مليار دولار.
ورأى أن أي محاولة لتغيير الأمر الواقع ستنطوي على تخفيف قبضة العسكر على الدولة – وكذلك على صدام مباشر مع قاعدة السلطة التي يرتكز عليها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
وتاليا التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":
في اعتراف نادر بأن السياسة المتبعة خاطئة، قال وزير المالية المصري محمد معيط في ظهور أخير له في أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة إن الاعتماد على المال الساخن كان خطأ.
يأتي الاعتراف في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة شهدت ارتفاع مستوى الدين الخارجي لمصر إلى 158 مليار دولار في شهر آذار/ مارس، مقارنة بمبلغ 145.5 مليار دولار في شهر ديسمبر من عام 2021، وهي زيادة بمعدل 8 بالمائة خلال أربعة أشهر.
ترافق الارتفاع مع مستويات تضخم غير مسبوقة وصلت تقريبا إلى 15 بالمائة، بينما فقد الجنيه حوالي 22 بالمائة من قيمته منذ شهر آذار/ مارس، عندما خفضت مصر قيمة عملتها. ويوم الاثنين، كان البنك المركزي يشتري الدولار الواحد مقابل 19.01 جنيه، مقارنة بسعر صرف بلغ في شهر آذار/ مارس 15.6 جنيه للدولار.
اقرأ أيضا: هل يناور الجيش المصري بطرح شركتي وطنية وصافي بالبورصة؟
وأكثر ما يقلق هو تزايد الضغط على ميزانية الدولة والهبوط التدريجي في الاحتياطيات الأجنبية. لقد تجاوزت تكاليف سداد الفوائد والديون على ميزانية مصر للسنة المالية 2022-2023 حوالي 90 مليار دولار، مقارنة بمبلغ 63 مليار دولار في السنة المالية السابقة – وهذا يستهلك أكثر من نصف الإنفاق الحكومي.
وهذا يضع ضغوطا هائلة على قدرة الحكومة على توفير الخدمات الاجتماعية والوفاء بالتزامات الدين المستقبلية بدون اللجوء إلى مزيد من الاقتراض.
وانخفضت احتياطيات العملة الأجنبية إلى 35.5 مليار دولار في نهاية شهر مايو، بعد أن كانت قبل شهرين اثنين تزيد على 37 مليار دولار. إذا ما استمر هذا التوجه فسوف يواجه الجنيه المصري مزيداً من الضغط، وقد يشهد جولة أخرى من تخفيض قيمته، الأمر الذي سيشدد الخناق على طبقة الفقراء وعلى الطبقة المتوسطة.
دفعت الأزمة المتفاقمة وكالة موديز للتصنيف الائتماني في شهر أيار/ مايو إلى خفض النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سالبة.
رد النظام على الأزمة من خلال السعي لجذب رؤوس الأموال الخارجية، وبشكل أساسي من الخليج، وكذلك التفاوض على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي من أجل الوفاء بما عليها من التزامات متراكمة. وتعهدت دول الخليج بما يقرب من 22 مليارا من المساعدات المالية لمصر خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك اتفاق استثماري مع المملكة العربية السعودية تقدر قيمته بما يقرب من 10 مليارات دولار.
في نفس الوقت قام الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتماد برنامج ضخم للخصخصة، سيتم من خلاله بيع ما قيمته 44 مليار دولار من أصول الدولة خلال السنوات القادمة. ويتوقع أن يستمر النظام في الاقتراض، الأمر الذي يجعله أضخم مصدر للدين السيادي في الأسواق الناشئة في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث سيصدر هذا العام 37 مليار دولار.
كارثي ماليا
تعتبر هذه السياسات بعيدة جداً عن التحولات الجذرية المطلوب إحداثها في الاقتصاد السياسي المصري لمعالجة مشاكل البلاد المالية. فمن أجل إصلاح حقيقي للاقتصاد، ينبغي بشكل تام إصلاح المنظومة الرأسمالية العسكرية للنظام.
لقد أثبت هذا النموذج، الذي يعتمد على استثمار مدفوع بالمديونية في مشاريع بنى تحتية عملاقة ذات فوائد اقتصادية مريبة - يقوم الجيش بإدارتها أو بتنفيذها، ليس فقط أنه غير فعال في التخفيف من حدة الفقر، ولكن أيضاً أنه كارثي بالنسبة للوضع المالي في البلاد، إذ إنه يترك مصر في وضع بالغ الخطورة.
اقرأ أيضا: النقد الدولي يطالب مصر بإحراز تقدم حاسم في الإصلاحات المالية
ينبغي على القاهرة من أجل التخفيف من حدة الأزمة الحالية تنفيذ ثلاثة تغييرات في السياسة المتبعة. أولاً، ينبغي أن تسحب استثماراتها من عدد ضخم من المشاريع التي يملكها الجيش، وخاصة في القطاعات التي كبد فيها تدخل الجيش القطاع الخاص خسائر ضخمة.
ثانياً، يجب أن تبتعد عن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الضخمة، وبدلاً من ذلك عليها أن تركز على زيادة قدرة الاقتصاد المصري على المنافسة وعلى تعميق قاعدته الصناعية.
وأخيراً، ينبغي أن تصلح الحكومة نظام الضريبة، وتحويله من نظام تنازلي يفرض ضرائب مرتفعة على الاستهلاك إلى نظام تصاعدي.
وهذا يتطلب وضع حد للكم الهائل من الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها الشركات المملوكة للجيش، ووضع تلك الشركات رهن التحكم المدني.
مثل هذه الإجراءات من شأنها ليس فقط تقوية قاعدة الحكومة الضريبية، والتي تشكل حالياً ما يقرب من 14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بما يقرب من 28 بالمائة في المغرب، ولكن سوف تخفف أيضاً من الفقر وتنشط الطلب المحلي، بما يعزز أداء القطاع الخاص، الذي أظهر مؤشرات نمو سلبي طويل الأمد.
اقرأ أيضا: هل ينفذ الجيش المصري أوامر صندوق النقد؟.. "جولة تلاعب"
إلا أن عوائق تنفيذ هذه السياسات ذات طبيعة سياسية لا اقتصادية، وذلك ناجم عن هيمنة الجيش على جهاز الدولة وعدم وجود حزب حاكم مدني يوازن الجيش الذي يضعف موقف الرئيس.
وبالفعل، فإن الخاصية المميزة لنظام السيسي، مقارنة بالنظام في عهد مبارك، هي غياب حزب حاكم مدني كبير، مثل الحزب الوطني الديمقراطي، الذي بإمكان الرئيس استخدامه لتقييد نفوذ الجيش وإدخال الإصلاحات الضرورية.
خيارات محدودة
على الرغم من أن البرلمان تشغل مقاعده أحزاب مؤيدة للسيسي، وبشكل خاص حزب مستقبل وطن، فإنه لا يوجد دليل على أن هذه الأحزاب تلعب أي دور في صناعة السياسة، ولا يحتل أعضاؤها أي مناصب وزارية في الحكومة. وذلك يضع السيسي تحت رحمة الجيش باعتبارها المؤسسة الحاكمة في مصر، ما يقيد إلى حد كبير خياراته في صنع السياسة.
بل إن تسلط الجيش على النظام السياسي منصوص عليه في الدستور، مع إضافة وردت في تعديل عام 2019 تنص على أن واجبات الجيش تتضمن "حماية الدستور والديمقراطية والدولة وصفتها العلمانية، والحريات الشخصية"، الأمر الذي ضاعف من نفوذه وسلطانه.
لا يوجد ما يشير إلى أن الاتجاه نحو عسكرة الدولة يشهد تباطؤا، بل إنه على العكس من ذلك تشير جميع الدلائل إلى تكثيف العسكرة؛ بدليل أنه في منتصف شهر تموز/ يوليو أدى رئيس القضاء العسكري الجنرال صلاح الرويني القسم كنائب لرئيس المحكمة الدستورية، في سابقة خطيرة تأخذ بعسكرة القضاء إلى ذروة جديدة.
يمكن بطرق شتى اعتبار النظام ضحية نجاحه هو. فمن خلال القضاء على جميع مراكز القوى المدنية أتم الجيش السيطرة على الدولة وغير من طبيعته بشكل جوهري، إذ تحول من مؤسسة أمنية إلى حزب سياسي، بمعنى أن الجيش المصري يتصرف الآن كما لو كان حزباً سياسياً، إذ إنه يتحكم بشكل مباشر بالسياسة وبجهاز الدولة، الأمر الذي تنجم عنه عواقب مهولة.
من أبرز هذه العواقب إضعاف موقف الرئيس، وذلك أنه لم يعد يعتمد على قوى مدنية لموازنة العسكر. وذلك يترك النظام مقيداً جداً من حيث قدرته على تنفيذ الإصلاحات، وخاصة في مجال الاقتصاد، نظراً لأن الجيش يجني فوائد جمة من استمرار الوضع القائم.
ويتطلب إحداث أي إصلاحات سياسية قيام السيسي بإضعاف قبضة الجيش على الدولة وعلى الاقتصاد – ولكن هذا غير محتمل الوقوع بما أنه سيؤدي إلى صدام مباشر مع قاعدة نفوذه وسلطانه. وبناء عليه فلا مفر من أن تكون الإصلاحات المقترحة محدودة، ولسوف تخفق في التخفيف من حدة الأزمة المتفاقمة في مصر.