الحروب
لا تشتعل فجأة، هي فقط قدور الأحداث تغلي حتى إذا وصلت إلى نقطة الفوران طفت
الصراعات على السطح.
ومسرح
البلقان يغلي منذ سنوات من دون أن ينتبه إليه أحد، وقد نبهنا قبل ثلاث سنوات في
هذا الزاوية إلى كيف أن مذابح المسلمين في البلقان عامل ملهم لليمين المتطرف الغربي،
وليس رادعا للتكرار كما يظن كثير من العقلاء. من الذي بدأ إذن سكب مزيد من البنزين
الآن ويريد الاستثمار في هذا الاشتعال؟ الإجابة بدون مواربة: روسيا.
آخر
غيث التطورات غير المبشرة هو التوتر الحدودي بين كوسوفا وصربيا في المنطقة
الحدودية الفاصلة بينهما، وهي منطقة تضم بعض القرى الصربية الواقعة في النطاق
الجغرافي لكوسوفا، ولا تزال وحدات من الناتو تجوب فيها تحسبا لأي احتكاك بين
الكوسوفيين المسلمين والأقلية الصربية الأرثوذوكسية هناك.
وتصاعد
الأمر مؤخرا بعد أن حاولت الحكومة الكوسوفية إلزام الشاحنات الصربية بتغيير
لوحاتها إلى أخرى كوسوفية أثناء عبورها الحدود بين البلدين، الأمر الذي أشعل توترا
كاد أن يصل إلى ما هو أبعد من ذلك، لو تدخل تركيا لدى كوسوفا واقتناع الأخيرة
بتأجيل تطبيق القرار.
الجانب التقني الإداري فيما يتعلق بقرار لوحات الشاحنات ليس مهما في هذا السياق؛ لأنه من تبعات التوترات الإقليمية في البلقان وليس منشئا لها. فمنذ شهور وزعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك يقود خطابا يمينيا متطرفا تجاه مسلمي البوسنة
بالمناسبة،
استخدم هذا المقال اسم كوسوفا وليس
كوسوفو، بناء على رغبة أهالي البلاد الذين
أخبروني بها أثناء زيارتي للعاصمة بريشتينا، باعتبار أن كوسوفا هو الاسم المعتمد
لديهم وكوسوفو يشير إلى التسمية الصربية بكل ما يحمله ذلك من دلالات سياسية.
الجانب
التقني الإداري فيما يتعلق بقرار لوحات الشاحنات ليس مهما في هذا السياق؛ لأنه من
تبعات التوترات الإقليمية في البلقان وليس منشئا لها. فمنذ شهور وزعيم صرب
البوسنة
ميلوراد دوديك يقود خطابا يمينيا متطرفا تجاه مسلمي البوسنة، رغم أنه جزء من مجلس
رئاسي تأسس بموجب اتفاق دايتون للسلام الذي أنهى الصراع في البلقان عام 1995.
وبينما
كانت طبول
الحرب تدق في أوكرانيا مطلع هذا العام 2022، كان زعيم صرب البوسنة يشهد عرضا عسكريا
احتفالا بتأسيس جمهورية صرب البوسنة، وهو احتفال ممنوع بحكم المحكمة الدستورية في
البوسنة بسبب إثارته للنعرات القومية والطائفية. ومناط الغرابة ليس العرض العسكري
فقط، بل كان لحضور
السفير الروسي وأعضاء من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في
فرنسا لهذا الاحتفال، جنبا إلى جنب مع دوديك، في رسالة لا تخطئها عين، حينها أصدر
الاتحاد الأوروبي بيانا خجولا يستنكر ما حدث.
مناط الغرابة ليس العرض العسكري فقط، بل كان لحضور السفير الروسي وأعضاء من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا لهذا الاحتفال، جنبا إلى جنب مع دوديك، في رسالة لا تخطئها عين، حينها أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا خجولا يستنكر ما حدث
قبل هذا الاحتفال بعدة أشهر وتحديدا
في أيلول/ سبتمبر الماضي 2021، زارت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل وهي
في منصبها دولة صربيا، وحثت على تسريع انضمام دول البلقان للاتحاد الأوروبي بالنظر
للمخاطر الجيوسياسية التي تحيق بالقارة. وكالعادة كانت ميركل الحكمية أبعد نظرا من
مؤسسات الاتحاد الأوروبي وكثير من الزعماء الأوروبيين، لأن البلقان كان مسرحا
لصراعات الدول الغربية وروسيا. وبعدها انشغل الجميع بالحرب الروسية في أوكرانيا
ونسوا أو تناسوا ملف البلقان.
أصابت التوترات الأخيرة عددا من
الدول الأوروبية بالصدمة وخاصة ملف كوسوفا؛ لأنه يستدعي إعلانا مباشرا لفشل حلف
الأطلسي إذا تم مسه باعتبار أنه أحد إنجازات الحلف؛ بعد أن تدخل لصالح استقلال
البلاد ومنع من اندلاع حرب أخرى هناك على غرار حرب البوسنة. وظهرت دعوات لسرعة ضم
كوسوفا لحلف شمال الأطلسي، و
تذكرت هولندا فجأة بعد نحو ثلاثة عقود أن قواتها كانت
تمثل القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة عام 1995 وفشلت أو تواطأت في منع مذبحة
سيربرينتشا، وقدمت اعتذارا الشهر الماضي للشعب البوسنوي. وهي خطوات متأخرة وربما
متأخرة جدا بعد أن اقترب اللهيب من دول البلقان.
twitter.com/hanybeshr