أطلقت
مؤسسة القدس الدولية في بيروت يوم الاثنين (22 آب/ أغسطس) تقريرها السادس عشر تحت
عنوان: عين على الأقصى، وهو يتضمن معلومات مهمة حول ما يجري في القدس من محاولات
صهيونية لتهويد المسجد والسيطرة عليه، وما يقوم به الشعب الفلسطيني من مقاومة
حقيقية لمواجهة هذه العمليات. كما يتضمن مجموعات توصيات مهمة في كيفية مواجهة
المشاريع الصهيونية لتهويد المسجد وهدمه وفرض السيطرة اليهودية عليه.
وهذا
التقرير المهم يصدر سنويا في ذكرى حرق المسجد الأقصى من قبل الصهاينة في 22 أب/ أغسطس
1968، والذي كان أحد الشرارات لتشكيل لجنة القدس العربية والإسلامية من قبل منظمة
المؤتمر الإسلامي، ولاندفاع الشعوب العربية والإسلامية لدعم قوى المقاومة في
مواجهة الاحتلال، وخصوصا حركة فتح التي كانت تعيش أفضل مراحلها في تلك المرحلة.
ومؤسسة
القدس الدولية هي إحدى أبرز المؤسسات العربية والإسلامية الناشطة اليوم دفاعا عن
حياض القدس، وحفاظاً على مقدساتها، وقد تشكلت هذه المؤسسة الهامة بعد انطلاق انتفاضة
الشعب الفلسطيني دفاعا عن الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2000، والتي
عمّت جميع فلسطين وعُرفت بـ"انتفاضة الأقصى المباركة".
وقد استجاب
لصداها العالم العربي والإسلامي بأسره، وكانت الدعوات لنصرة فلسطين والقدس والمسجد
الأقصى، فكان للمؤتمر
القومي الإسلامي الثالث، المنعقد في بيروت بتاريخ 21-23 كانون
الثاني / يناير 2000م، دور مهم في الدعوة لنصرة الأقصى والقدس فاتخذ قراراً
بتشكيل لجنة من بين أعضائه لعقد مؤتمر يعمل على إنقاذ مدينة القدس، ومن ثم قرر إنشاء "مؤسسة" تعنى
بشؤون القدس وتساهم في إنقاذ هذه المدينة المقدسة، وتحافظ على طابعها الحضاري،
وتتصدى لمحاولات تهويدها وتهجير أهلها، وتواجه التهديدات ببسط السيادة الصهيونية
عليها.
وقد
تمكنت اللجنة التحضيرية من عقد مؤتمر القدس في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير 2001
في لبنان وبدعم من المسؤولين اللبنانيين وبمشاركة مئات العلماء والقادة والمفكرين
الذين لبوا نداء القدس من أربعين دولة فمثلوا الأمة العربية والإسلامية بمختلف
تياراتها وأعراقها وطوائفها، وتبنوا فكرة إنشاء "مؤسسة القدس"، فأقروا
نظامها الأساسي مع التعديلات المقترحة، وانتخبوا من بين أعضاء مجلس الأمناء هيئة
لرئاسة الأمناء برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي،
وثلاثة نواب للرئيس هم: معالي الشيخ عبد الله بن حسين
الأحمر، وسماحة حجة الإسلام السيد علي أكبر
محتشمي، ومعالي الوزير الأستاذ ميشيل إده،
والدكتور محمد مسعود
الشابي أميناً للسر.
واستمرت هذه المؤسسة في نشاطاتها طيلة السنوات الإحدى والعشرين
الماضية، رغم كل الظروف الصعبة التي مرّت على الدول العربية والإسلامية والتحديات
التي واجهت القوى القومية والإسلامية، مما يؤكد أن قضية فلسطين والقدس تشكّل إحدى أهم القضايا الجامعة اليوم، وهي التي توحّد الأمة والعالم العربي والإسلامي على
اختلاف انتماءاته وتياراته الفكرية والسياسية والدينية، حيث يتولى مجلس الأمناء إدارة
هذه المؤسسة برئاسة الوزير السابق بشارة مرهج، وتضم المؤسسة شخصيات متنوعة ولديها
العديد من الأنشطة في الدول العربية والإسلامية.
وفي
التقرير الذي أصدرته مؤخرا في بيروت، تؤكد المؤسسة أن "الاحتلال الإسرائيلي لم
يستطع ابتلاع صفعة معركة "سيف القدس" في أيار/ مايو 2021، خاصة أنها
باغتته وجاءت شرارتها من ملعبه الذي يشعر بقدرة أعلى على تنفيذ ما يريد فيه، أي
القدس التي أنفق جهده، وماله، ومقدراته لجعلها رخوة، ضعيفة، وخارج دائرة التفاعل
الفلسطيني والعربي والإسلامي. تنبه الاحتلال إلى معادلة جديدة يسعى الفلسطينيون
إلى تثبيت أركانها، تتلخص باستعادة وحدة عناوين القضية الفلسطينية، ووحدة
الجغرافيا، ووحدة الشعب الفلسطيني، ومبادرة المقاومة العسكرية للتدخل دفاعاً عن
القدس والأقصى. ولذلك جاء سلوك الاحتلال ما بين 1/8/2021 و1/8/2022 ردا على نتائج
هذه المعركة ومحاولة لإعادة الأمور إلى ما قبل معركة سيف القدس".
وفي
هذا التقرير المهم بعنوان "عين على الأقصى" السادس عشر، نلحظ أن
الاحتلال الصهيوني سعى ويسعى إلى تحقيق تقدم غير مسبوق في كلِّ مسارات تهويد
المسجد الأقصى، من خلال زيادة العدد القياسي لمقتحمي الأقصى، وقرارات الإبعاد عنه،
وعدد المعتقلين فيه وعلى أبوابه، وتصاعد أداء الصلوات اليهودية داخله، والشروع في
تنفيذ مخططات تهويدية وحفريات حول الأقصى وأسفل منه، ومساعي السيطرة على الساحات
الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، وتعريض المسجد لخطر انهيار بعض أجزائه، خاصة بعد
انهيارات متتالية شهدها مصلى الأقصى القديم تحت الجامع القبلي.
ويؤكد
التقرير أن حكومة نفتالي بينيت شكّلت واحدة من أفضل الروافع لـ"منظمات
المعبد"، فهذا الأخير بنى مجده السياسي على مغازلتها، والتماهي معها، وتبني
أطروحاتها. والواقع أنه لم يُشهد المسجد الأقصى مستباحًا من قطعان المستوطنين
المتطرفين أكثر من هذه المرحلة بسبب الاحتضان السياسي الذي وفرته حكومة بينيت
لـ"منظمات المعبد"، مع انحياز محاكم الاحتلال المتزايد لتطرف المستوطنين
وتجاوزاتهم في الأقصى، شكَّلا السكة التي سار عليها قطار شرطة الاحتلال بسرعة هائلة
وبلا توقف باتجاه حماية المستوطنين الذين يؤدون صلوات يهودية في الأقصى، وتنفيذ
قرارات المستوى السياسي بالسماح بكل ما يريده المستوطنون في الأقصى باستثناء بعض
المطالب التي يصعب على قادة الاحتلال تنفيذها حاليّاً خشية خسارة المكاسب، ومنها
تقديم القربان الحيواني داخل الأقصى.
وفي
مواجهة عمليات التهويد والعمل لفرض أمر واقع احتلالي وتهويدي على المسجد الأقصى،
كان أداء الشعب الفلسطيني ومقاومته في معركة "سيف القدس" وما تلاها من
معارك يومية هو الخيار الأقوى لمواجهة هذه العمليات. لكن في المقابل فإن بعض الدول
العربية انزلقت إلى عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني، فكانت "قمة
النقب" المشؤومة التي كشفت عن مخطط لتأسيس تحالف عربي- إسرائيلي- أمريكي في
المنطقة العربية والإسلامية بهدف كبح جماح قوى المقاومة، ودمج كيان الاحتلال في
المنطقة، وافتعال الحروب العبثية مع دول إقليمية. وبعد هذه القمة التطبيعية جاء
الرئيس الأمريكي بايدن ليبارك هذا الاتفاق، ويؤكد دعم بلاده اللا محدود للاحتلال
وسياساته في القدس وكل فلسطين.
وقد
تضمن التقرير معلومات هامة عما يجري في المسجد الأقصى وفي القدس وفلسطين من صراع
يومي بين الاحتلال الصهيوني والشعب الفلسطيني في كافة المجالات، وهو رسالة واضحة
وصريحة لكل الشعوب العربية والإسلامية كي تنخرط في هذه المعركة اليومية بكافة
الأشكال المناسبة، كما تضمن توصيات مهمة لمختلف الجهات الفاعلة في قضية الأقصى،
ولا سيما المملكة الأردنية الهاشمية التي تتضاعف المسؤوليات عليها في هذه المرحلة
الصعبة من تاريخ المسجد الأقصى.
هذا
التقرير وغيره من نشاطات مؤسسة القدس الدولية هو شكل من أشكال النضال والمقاومة
اليوم في مواجهة الاحتلال الصهيوني وكل محاولات التهويد للمسجد الأقصى، وتبقى
مؤسسة القدس الدولية إحدى أهم المؤسسات المعبرة عن التكامل والتعاون القومي- الإسلامي،
وهي تعبّر عن حالة التضامن العربي والإسلامي مع الشعب الفلسطيني ومع قضاياه
العادلة، وهي تستحق كل الدعم والتحية والتقدير في هذا الزمن الصعب.