يعد موضوع
الزواج السياسي من الموضوعات المهمة في مجال دراسات تاريخ العصور الوسطى؛ لشيوعه آنذاك عند مختلف العناصر التي حفل بها عالم العصور الوسطى، ولما له من الصفة الاجتماعية، والسياسية، والإنسانية أيضا. وقد تم استخدام الزواج السياسي لتسوية النزاعات بين القبائل والعائلات النبيلة، ولإقامة تحالفات سياسية، ولتعزيز معاهدات السلام بين ذوي القربى.
لقد شاع الزواج السّياسي في العصور التاريخية حتى صارت ظاهرة في
أوروبا في العصور الوسطى، وهي ظاهرة حاول الباحث والكاتب محمود عبد الله مهدي عبد الحافظ، رصدها وتحليلها، في
كتابه "الزَّواجُ السّياسي في أوروبا العصور الوسطى (492 ـ 770م)"، (نور حوران للدراسات والنشر والتراث، دمشق، ط1، 2020).
الكتاب في الأصل هو عبارة عن أطروحته لنيل درجة الماجستير في التاريخ الوسيط. توزع الكتاب على تمهيد وأربعة فصول وخاتمة، ويقع في 384 صفحة من القطع المتوسط.
يبدأ الباحث بـ "فصل تمهيدي"، للحديث عن القبائل الجرمانية، أصولهم، وموطنهم، وأحوالهم، وتناول أبرز القبائل الجرمانية، وتحركاتها، وعلاقتها بالإمبراطورية الرومانية.
الفصل الأول "نشأة الممالك الجرمانية في أوروبا العصور الوسطى"، شكل خلفية ضرورية لفهم العلاقات بين الممالك الجرمانية في أوروبا العصور الوسطى، ونشأة هذه الممالك التي أدت دورا رئيسا في تلك الفترة، وكان لها العديد من العلاقات فيما بينها. وتناول الباحث نشأة مملكة القوط الغربيين في جنوب غالة وإسبانيا، ونشأة مملكة البرجنديين في جنوب شرق غالة، ونشأة مملكة القوط الشرقيين في إيطاليا، ونشأة مملكة الفرنجة في غالة، ونشأة مملكة اللمبارديين في إيطاليا.
في الفصل الثاني "ظهور الزواج السياسي في الممالك الجرمانية"، تتبع المؤلف في هذا الفصل ظهور الزواج السياسي ترتيبا زمنيا، بدأ بزواج ثيودريك العظيم ملك القوط الشرقيين، وأودفيلدا شقيقة كلوفس ملك الفرنجة، ثم زواج كلوفس ملك الفرنجة وكلوتيدا الأميرة البرجندية ابنه شلبريك ملك البرجنديين، وزواج آلاريك الثاني ملك القوط الغربيين، وثيودوجونا ابنه ثيودريك ملك القوط الشرقيين.
أوضح المؤلف دورالمصاهرات السياسية في عقد التحالفات بين الممالك الجرمانية، ودورها في الحرب والدمار، وأيضا دورها في القضاء على تلك الممالك.
ركز المؤلف في الفصل الثالث "الزواج السياسي بين مملكتي القوط الغربيين والفرنجة"، بجانبه العسكري والدبلوماسي، وعالج فيه الباحث الأسباب التي أدت إلى الزواج السياسي، ومن بينها التنافس الداخلي في مملكة الفرنجة، الذي أدى إلى التحالفات السياسية الخارجية، كما وضح الباحث في هذا الفصل أسباب اتجاه ملوك القوط الغربيين إلى التحالف مع الفرنجة، وذلك لحماية حدود مملكتهم الشمالية من غارات الفرنجة، كما وضح الباحث أيضا فشل الزواج السياسي بين الفرنجة والقوط الغربيين؛ إذ إن الزواج لم ينجح في تقرير السلام بينهما إلا لبضغة شهور أو سنين، وانقلب ود وسلام الأمس إلى عداء وقتال بينهما. ويتبين في ذلك الفضل أيضا أن التأثير الديني كان له دور كبير في حياة الأفراد، فقد كان سببا في الكثير من الحروب والخراب بين مملكتي الفرنجة والقوط الغربيين.
يتابع الباحث في الفصل الرابع وهو الأخير "الزواج السياسي بين مملكتي الفرنجة واللمبارديين"، تلك المصاهرات التي نجحت في البداية إلى تقرير السلام بينهما، ولكن طموح ملوك الفرنجة أدى إلى خرق الاتفاقيات بينهما، بل والتحالف مع الإمبراطورية البيزنطية للقضاء على مملكة اللمبارديين، ولكن في النهاية يتضح أن اللمبارديين قد تعلموا الدرس، وعملوا على محالفة مملكة الفرنجة، ولكن قد يكون ضعف الممالك السبب في نهايتها، ولكن في حالة مملكة اللمبارديين كان الزواج السياسي السبب في القضاء عليها، كما حدث مع شارلمان.
ناقش الباحث في الخاتمة النتائج التي توصل إليها، مع حرصه على تزويد البحث بالخرائط، وتم تذييل البحث بالعديد من الملاحق.
*كاتب وباحث فلسطيني