من غير المعتاد في
السنوات الأخيرة، أن يُعقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية بين الأردن وإيران، ما
أثار التساؤل حول أبعاد اجتماع الوزيرين الأردني أيمن الصفدي والإيراني حسين أمير عبد
اللهيان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة.
وكان من الملاحظ أن
الخارجية الأردنية أعلنت عن اللقاء بعد يوم من عقده، مكتفية بالإشارة إلى أنه بحث
العلاقات الثنائية، والجهود المبذولة لحل الأزمات في المنطقة، وتحقيق الاستقرار على
أساس علاقات إقليمية مبنية على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وعادت
"الخارجية" في تصريح آخر، مساء السبت، لتضيف أن اللقاء بحث أيضا
"الأوضاع في سوريا، وخصوصا في الجنوب السوري، وتحدي تهريب المخدرات إلى
الأردن"، لافتة إلى أن الصفدي أكد أن "تخفيف حدة التوتر في المنطقة، الذي
يمثل هدفا أردنيا يتطلب معالجة كل أسبابه".
ويأتي هذا اللقاء
بعد نحو شهرين من تصريحات الملك الأردني عبدالله الثاني بأن بلاده تواجه هجمات على
حدودها، و"بصورة منتظمة" من "مليشيات لها علاقة بإيران"، معبّرا
عن أمله في أن تغير طهران من سلوكها.
وأضاف الملك في
لقاء مع صحيفة "الرأي" اليومية الأردنية، أن بلاده "لا تريد توترا في
المنطقة، وأن الأردن وكل الدول العربية تريد علاقات طيبة مع
إيران، مبنية على الاحترام
المتبادل، وحسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها".
وحينها؛ رحبت وزارة
الخارجية الإيرانية بتصريحات العاهل الأردني، على لسان متحدثها ناصر كنعاني، الذي أكد
أنه تنتظر "خطوات فعلية" من دول المنطقة لتعزيز العلاقات الإقليمية.
"مستويان من الخطاب"
وأثار لقاء الصفدي
- عبداللهيان تساؤلات حول القضايا التي طُرحت خلاله، وهل هو لقاء دبلوماسي عابر،
أم بداية لتدشين صفحة جديدة من العلاقات، التي تشهد برودا مشوبا بالحذر، وفق وصف
مراقبين؟
ورأى المحلل
السياسي فرج شلهوب، أن الحكومة الأردنية في السنوات الأخيرة عبرت عن مستويين من
الخطاب تجاه إيران، أحدهما يتعاطى بشيء من الانفتاح مع طهران، وكان يمثل هذا
المستوى عادة رئيس البرلمان.
وأضاف
لـ"عربي21"، أن المستوى الثاني يعبر عن شكوك الحكومة تجاه إيران، تارة عبر قضية تهريب المخدرات من شمال وجنوب سوريا، وتارة على خلفية إيثار
الاقتراب من السياسة الأمريكية في مواقفها من طهران، باعتبارها دولة خارجة عن السياق
الدولي، أو أنها تشكل خطرا على الإقليم.
وأشار شلهوب إلى أن "هذا التردد في العلاقة مع إيران، وعدم الذهاب إلى
خطاب واحد، يمثل جزءا من إشكالية الإدارة السياسية لدى المملكة، وهذا راجع إلى أن
الأردن لا يريد أن يوتر علاقته مع إيران وحلفائها، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يخسر
علاقته مع حلفائه الغربيين".
واستبعد أن يكون اللقاء بين الصفدي وعبداللهيان بهدف التباحث حول قضية
تهريب المخدرات من الجنوب السوري، معللا ذلك بأن إيران ليست منخرطة في نشاط كهذا،
ومن المستبعد أن تستخدم طائرات مسيرة لتهريب الحبوب المخدرة.
وتساءل شلهوب: "إذا كان ذلك صحيحا، فمن الطرف الذي يتلقى المخدرات في
الأردن عبر المسيّرات؟ ولماذا لم يكشف الأردن عن هذا الطرف الذي يمكن أن يكمل مسار
التهريب؟".
ورجّح أن يكون الموضوع الأهم في المباحثات الأردنية الإيرانية، هو ما
أعلنته "إسرائيل" عن وجود نشاط إيراني عبر طائرات مسيّرة لتسليح
المقاومة في الضفة الغربية، لافتا إلى أن عمّان لا تريد أن تدخل مع "تل
أبيب" في نوع من التوتر على خلفية ذلك.
وبيّن شلهوب أن علاقة الأردن بإسرائيل وأمريكا حساسة جدا، فإذا كان ثمة طرف
ثالث يخترق الأجواء الأردنية، فهذا يعني أن المملكة أمام موضوع خطير من الناحية
الأمنية، ويرتب على الأردن مسؤولية أمام واشنطن و"تل أبيب".
وكان الملك عبدالله
الثاني قد كشف قبل نحو عام، عن تعرض بلاده إلى هجمات بطائرات مسيّرة إيرانية الصنع
تم التعامل معها، وبيّن حينها في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، أن هذه الهجمات "في تصاعد" دون تقديم تفاصيل أخرى بهذا الخصوص.
مستقبل العلاقة بين
البلدين
ويرى مراقبون أن اللقاء بين الصفدي وعبداللهيان جاء في سياقه الطبيعي؛ لكونه عُقد على هامش الاجتماعات العامة للأمم المتحدة، ومن غير المستغرب أن تكون هناك
لقاءات لوزير الخارجية الأردني مع أطراف مختلفة.
وقال مدير عام مركز الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية، عمر الرداد؛ إن
"ما يمكن أن يثير الدهشة، هو أن هذا اللقاء أتى في ظل عدم وجود علاقات دبلوماسية
كاملة بين عمّان وطهران، واصطفاف الأردن مع المحور العربي، ولكن دون أن يصل إلى مستوى
العداء مع إيران".
وتابع: "لكن، كل ذلك لا ينفي أن ثمة قضايا ثنائية وإقليمية بين الجانبين؛ كالتهديدات التي يتعرض لها الأردن من مناطق الجنوب السوري في إطار ما يُعرف بقضية تهريب
المخدرات".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الجانبين بحثا بالفعل هذه القضية التي
باتت مهمة جدا للأمن الوطني الأردني، خصوصا أنها مرتبطة بمليشيات تتبع لإيران،
بدأت تمارس أعمالا مسلحة خلال عمليات التهريب، عبر استعمال طائرات مسيرة على الحدود
الشمالية للأردن".
واستبعد الرداد احتمالات إطلاق حوار أردني - إيراني على غرار الحوار السعودي
- الإيراني الذي يجري في بغداد، معللا ذلك بأن "حجم الخلافات بين عمّان
وطهران أقل بكثير مما هي عليه بين الأخيرة والرياض، ومن ثم يمكن حلها عبر لقاءات
بمستويات أمنية وعسكرية، في حال سلمت النوايا الإيرانية"، وفق تعبيره.
واستبعد أيضا أن يفضي اللقاء إلى تطور جديد في العلاقات بين الطرفين، "فهو
لقاء دبلوماسي بالدرجة الأولى، ومن المؤكد أن الأردن أرسل رسالة واضحة لإيرا،ن ربما
لا تخرج عن الموقف العربي الشامل، الذي يؤكد ضرورة احترام وسيادة الدول، وعدم التدخل
بشؤون الآخرين".
والتقى المحلل السياسي فرج شلهوب مع ما ذهب إليه الرداد، قائلا؛ إنه "لا
توجد آفاق واعدة لإقامة علاقة تشاركية أو استراتيجية بين الأردن وإيران".
وأضاف أن "كل ما تريده عمّان حاليا، هو أن تدرأ عن نفسها ما يمكن أن
تندفع إليه الأمور في حال اتخذت موقف العداء الصريح لطهران، فإيران دولة مؤثرة،
ولها حلفاؤها في الإقليم، والأردن لا يريد أن يصطدم مع هؤلاء الحلفاء".
وتجدر الإشارة إلى
أن العلاقات الأردنية الإيرانية شهدت قطيعة استمرّت قرابة عقدين، بعد دعم الأردن للعراق
في حربه ضد إيران في ثمانينيات القرن الماضي.