هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب سايمون تيسدول؛ إنه على الولايات
المتحدة وأوروبا، إجراء مراجعة شاملة للعلاقات كافة مع السعودية، وممارساتها كافة في العديد من الملفات، سواء حرب اليمن أو الانتهاكات الحقوقية، وحتى محاولاتها
تبييض صورتها عبر الاستثمارات الرياضية في أوروبا.
وأشار في مقال نشرته صحيفة الغارديان، وترجمته
"عربي21" إلى أن السعودية التي رعتها بريطانيا، ودافعت عنها الولايات
المتحدة وغضت الطرف عن ارتباطها الوثيق بهجمات 11 أيلول/سبتمبر، لم تعد ذلك الحليف
المعتمد عليه غربيا، ووجد ولي عهده محمد بن سلمان أصدقاء جددا لنفسه.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
كل صورة تروي حكاية، أو هكذا يقال، وصورة بوتين
المبتسم بتكلف وهو يصافح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في افتتاح بطولة
كأس العالم لكرة القدم في موسكو في حزيران/يونيو من عام 2018، كانت تحمل تحذيرا واضحا للغرب.
والرسالة، لمن يبالون بها، هي كالآتي، إن
المملكة العربية السعودية، التي رعتها واعتنت بها بريطانيا في أيام الإمبراطورية،
ودافعت عنها الولايات المتحدة في مواجهة صدام حسين وإيران، ثم غفرت لها ارتباطها
الوثيق بالهجمات الإرهابية يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، لم تعد ذلك الحليف الذي كان
ذات يوم يعتمد على الغرب وينصاع له؛ فقد وجد الأمير محمد بن سلمان لنفسه أصدقاء
جددا.
بثراء مذهل بفضل ما يبدو أنه معين من النفط لا
ينضب، وبانتهاج سياسة خارجية مشاكسة في اليمن ولبنان، وإقامة علاقات مع روسيا
والصين، وتجاهل متغطرس لما يبديه الغرب من قلق إزاء أوضاع حقوق الإنسان، ها هم
السعوديون يشقون طريقهم الخاص بهم.
لا يجسد هذه الولاءات المتغيرة أحد أكثر من
صاحب اللحية الكثة والجثة الضخمة، وريث العرش، الذي غدا الحاكم الفعلي للبلاد،
والرجل الذي يبلغ من العمر الآن سبعة وثلاثين عاما ويتوقع أن يحكم المملكة لخمسين
سنة قادمة.
وهكذا كان في موسكو، من بين كل الأماكن، يلتحم
بشكل ودي مع رئيس روسيا القاتل. فحتى في تلك الأيام، كان بوتين زعيم نظام خاضع
للعقوبات الغربية بسبب ضمه غير القانوني للقرم – بلطجي سلطوي يُعتقد على نطاق واسع
بأنه المسؤول عن جريمة التسميم التي ارتكبت في سالزبري في وقت مبكر من ذلك العام،
والمسؤول كذلك عن العديد من الاعتداءات الفتاكة على خصومه من السياسيين والنقاد
والصحفيين داخل روسيا وخارجها. ومع ذلك، بدا محمد بن سلمان في غاية الارتياح بينما
كانت الجماهير تهدر وروسيا تحرز الأهداف.
ثم، بعد أربعة شهور فقط لا أكثر، في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2018، وقعت جريمة قتل في إسطنبول، كان ضحيتها الصحفي السعودي
المعارض جمال خاشقجي. بدت بما اتسمت به من توحش وجسارة، وكأنها عملية اغتيال تنفذها
دولة بخطوات استلهمتها مباشرة من كتاب توجيهات بوتين نفسه.
لم يُنتخب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة
إلا بعد ذلك بعامين. وكان خلال حملته الانتخابية قد وصف المملكة العربية السعودية،
ومن ثم ولي عهدها نفسه، بالمنبوذة، وذلك بعد جريمة قتل جمال خاشقجي. وعندما أصبح
رئيسا جمد مبيعات السلاح، وسمح بنشر معلومات استخباراتية تدين الأمير.
كل هذا جعل تراجعه المحرج من خلال الزيارة التي
قام بها إلى الرياض في تموز/يوليو من هذا العام، وملامسته بقبضته قبضة محمد بن
سلمان بينما كان هذا الأخير يرسم على وجهه ابتسامة عريضة، أمرا يصعب تقبله.
فلماذا فعل بايدن ذلك؟ إنه سؤال يمكن الإجابة عليه بأشكال متعددة كلها غير مقنعة،
وهو سؤال عاد ليطارده أينما حل. أراد بايدن من السعوديين وأعضاء منظمة البلدان
المصدرة للنفط (أوبيك)، أن يزيدوا من إنتاج النفط، أو على الأقل أن يحافظوا على
مستواه، من أجل التصدي لاستخدام روسيا الغاز والنفط سلاحا في الصراع الأوسع بين
الشرق والغرب، الذي فجره غزو بوتين لأوكرانيا.
أراد أن يذكر الأمير بأن الولايات المتحدة كانت
لاتزال لاعبا كبيرا في الشرق الأوسط، وأن يشجع على إقامة علاقات أوثق مع
إسرائيل، وتعزيز جبهة موحدة ضد إيران. ولعل أهم ما أراده هو توجيه ضربة لصالح
الديمقراطية، فيما اعتبره سباقا عالميا في مواجهة السلطوية.
ولكن لمصلحة تتعلق به شخصيا، أراد بايدن خفض
أسعار الوقود خدمة للسائقين والمستهلكين الأمريكيين، وبذلك تحسين فرص الديمقراطيين
في انتخابات الكونغرس النصفية الشهر القادم. أراد أن يثبت أن جو بايدن قادر على حل ما هو
مستعص.
اقرأ أيضا: ساندرز: على السعودية جعل بوتين يحمي نظامها بدلا عنا
ولكن في الأسبوع الماضي، تبددت معظم، إن لم تكن
جميع، أهداف بايدن وذهبت أدراج الرياح عندما قررت مجموعة أوبيك زائد، التي تشمل
روسيا، خفض إنتاج النفط بما قدره 2 مليون برميل في اليوم، وليس زيادته. بدا واضحا أن هذه الخطوة جاءت بحق صادمة للبيت الأبيض، بل واعتبرت صفعة شخصية على وجه
الرئيس. كانت بلا ريب خطوة مهينة.
ولا يقل سوءا عن ذلك أنها كانت بمنزلة فوز
مذهل لبوتين. على الرغم من أن خفض إنتاج النفط قد لا يؤثر كثيرا في السعر
العالمي، إلا أنه وضع السعوديين وغيرهم من أعضاء المجموعة في صدام مع الولايات
المتحدة ومع أوروبا التي تتضور جوعا للطاقة، ووضعهم في الوقت نفسه في خندق الروس، وهو الادعاء الذي يبذل السعوديون الآن قصارى جهودهم لنفيه.
ومنذ ذلك الوقت ومرجل الغضب يغلي، فراح
الديمقراطيون يهددون بمقاطعة أوبك، وتعليق التعاون الدفاعي والأمني مع الرياض،
وتجميد نقل الأسلحة، وسحب القوات الأمريكية، وإطلاق عملية تقييم شاملة للعلاقة
الأمريكية السعودية، وهو التقييم الذي وعد به بايدن، ولكن لم يف به بتاتا.
من حقهم أن يغضبوا. ولكن على الرغم من أن بعض
هذه الإجراءات من غير المحتمل أن تجد طريقها للتنفيذ، إلا أن العلاقات السعودية
الأمريكية لطالما كانت سمية. مطلوب القيام بعملية تنظيف للبيت.
والاتحاد الأوروبي أيضا وجد الآن سببا قويا آخر لإقرار وتنفيذ سقوف سعر الغاز والنفط، وأخيرا وقف الاستيراد من روسيا وإعادة
تعيير العلاقات معها. وعلى المنوال نفسه، ينبغي على بريطانيا أن تقوم بما كان يجب
أن تفعله منذ زمن طويل، ألا وهو إجراء إعادة تقييم شاملة لارتباطاتها، التي كثيرا ما تثير أسئلة أخلاقية أساسية، كما صرح بذلك وزير المالية كوازي كوارتنغ، آخر
كبار المسؤولين البريطانيين إدراكا لذلك.
لربما كانت النقطة المناسبة للبدء في إجراء مثل
ذلك التقييم، هي الحرب السعودية في اليمن، التي تتأجج حينا وتخمد حينا آخر،
ومبيعات السلاح الأمريكية والبريطانية التي تمكن السعودية من الاستمرار في ذلك.
كما أن مضاعفة الجهود لإنقاذ اتفاق النووي الإيراني، الذي يرتاب السعوديون فيه،
قد يساعد في إجبار الرياض المتغطرسة على التواضع قليلا.
كما لا ينبغي بحال الاستمرار في التسامح ضمنيا مع إساءة النظام السعودي معاملة النساء، على سبيل المثال سلمى الشهاب، الطالبة في
جامعة ليدز التي حكم عليها بالسجن أربعة وثلاثين سنة على تغريداتها، وكذلك
استخدام النظام السعودي لمحاكم الإرهاب ضد المنتقدين له، وممارسته للإعدامات
الجماعية، وإنكاره المزمن للحقوق الديمقراطية، ومصادرته لحرية التعبير والحريات
الشخصية. ينبغي أن يمارس عليه ما يلزم من الضغط حتى يتوقف عن كل ذلك.
كما أنه من غير المقبول السكوت إزاء الطريقة
التي يحاول من خلالها النظام تنظيف سمعته بشراء طريقه إلى داخل ساحات الرياضة
العالمية، على سبيل المثال استخدام الدولارات النفطية لاستملاك نادي نيوكاسيل
يونايتد، أحد أندية الدوري الممتاز لكرة القدم، وتمويل مباريات الوجاهة في الغولف
والملاكمة.
إذا كان محمد بن سلمان يفضل بجد صحبة مجرم
الحرب بوتين، ومن على شاكلته من الطغاة والمستبدين مثل زعيم الصين شي جين بينغ،
فسوف يتوجب عليه هو ونظامه أن يدفعا ثمنا باهظا مقابل ما يحصلون عليه من حظوة
ودعم لدى القادة الغربيين وبلدانهم. عليه أن يفكر مليا فيما يعنيه ذلك، على سبيل
المثال، بالنسبة لمستقبل الدفاع عن مملكته في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة
الإيرانية. كان محقا بايدن في المرة الأولى، إلا أن وضع المنبوذ يحتاج لأن يكون
ذا معنى.
وأهم ما في الأمر، هو أنه ينبغي على الولايات
المتحدة والديمقراطيات الغربية الإثبات، من خلال أفعالها، أن المعركة العالمية
الكبرى في القرن الحادي والعشرين من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية
والقانون الدولي، التي تتمثل وتتجسد في القتال من أجل أوكرانيا، هي أهم وأخطر
وأعظم وأعلى شأنا من أن تقايض ببرميل رخيص من النفط.