في هذه المقالة نرصد تطور مقاومة الشعب
الفلسطيني لإسرائيل،
بعد أن تأكد الشعب الفلسطيني أن الأطر التقليدية للمقاومة والتقاطعات الإقليمية
تضيع القضية وتمكن
إسرائيل من أن تحلم بضم كل فلسطين، فنشأت فرقه مسلحة من الشباب
الفلسطينيين الجدد الذين لا ينتمون إلى
المقاومة المسلحة وتحالفاتها الداخلية
والدولية، كما أنهم يتجاوزون الخلاف بين فتح وحماس، وهذه المنظمة أطلق عليها عرين
الأسود. لكننا لا نحملها ما لا تطيق فعلا.
فقد مرت مقاومة الشعب الفلسطيني للاستيطان اليهودي منذ
عقود قبل قيام إسرائيل بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: بدأت عام 1936 بما سمي وقتها الثورة
العربية الكبرى، وسميت عربية بسبب الاندماج الكامل بين نضال فلسطين والشام. فقد
كان قائد الثورة هو عز الدين القسام، السوري الذي آمن بأن الحركة الصهيونية تستهدف
العروبة كلها.
هذه الثورة أرعبت المهاجرين اليهود، وكان يمكن أن تضع
نهاية للهجرات اليهودية إلى فلسطين، ولكن تضافرت ثلاثة عوامل أدت إلى إحباط الثورة،
وهي الانتداب البريطاني وبعض الحكام العرب، بالإضافة إلى الاتفاق العربي البريطاني
وهو التواطؤ بينهما، وانتهى الأمر بمؤتمر لندن عام 1939 الذي خططت له بريطانيا حتى
تكسب العرب إلى جانبها في الحرب العالمية الثانية. واستمرارا للتضليل التاريخي
المتعمد في التاريخ العربي، قرأنا أن مؤتمر المائدة المستديرة في لندن كان انتصارا
للعرب وقنن الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بينما الحقيقة هي أن الحكام العرب اعترفوا
بحق اليهود في الهجرة إلى فلسطين، وبذلك تماهى الموقف العربي مع موقف الوكالة
اليهودية والموقف البريطاني، وكانت تلك صورة مبكرة للتخاذل العربي في فلسطين.
المرحلة الثانية: كانت الموقف العربي الضعيف دبلوماسيا في
الأمم المتحدة ضد قرار التقسيم، رغم أن مصر قادت المناهضة العربية للقرار. ويشكل
تحذير رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا، في كلمته أمام مجلس الأمن في تشرين
الثاني/ نوفمبر 1947، بداية الفهم الصحيح للحركة الصهيونية، حيث حذر من السرطان
الصهيوني. وبعد أشهر معدودة قامت إسرائيل، في 15 أيار/ مايو 1948، وكان النقراشي
باشا هو الذي تحمس لإرسال فرقة من الجيش المصري لنصرة إخواننا في فلسطين ضد
العصابات الصهيونية، وأبلغ النقراشي باشا مجلس الأمن في نفس اليوم إعلان مصر الحرب
على إسرائيل، مع ما ترتب على ذلك من آثار.
وقد قص علينا محمد رفعت باشا في تأريخه لحرب فلسطين أن
الجيش المصري رغم كل شيء وخاصة عدم التنسيق مع الجيوش العربية الأخرى؛ قد أبلى
بلاء حسنا، وكاد أن يهزم العصابات الصهيونية المسلحة لولا المؤامرة البريطانية.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الشعارات القومية، حيث ظهرت في
نصر حركة الضباط ورفع جمال عبد الناصر شعار القومية العربية وبدأ تصريحات نارية ضد
إسرائيل، ورغم انكسار مصر وسقوط الشعارات القومية في مأساة 1967، إلا أن مصر قبل
ذلك رتبت لإنشاء أول مقاومة مسلحة في فلسطين ضد إسرائيل عام 1965، فتعلق
الفلسطينيون بالقومية العربية على أساس أن فلسطين جزء من الأمة العربية، وأن هذه
الأمة لن تسمح للثعلب الصهيوني بافتراس فلسطين.
ولا شك في أن الفلسطينيين أصيبوا بخيبة الأمل التي أصيب
بها العرب عموما باحتلال إسرائيل لكل فلسطين بما في ذلك القدس الشرقية، بالإضافة
إلى سيناء والجولان وهزيمة ثلاث دول عربية في وقت واحد.
والحق أن عصر ظهور ياسر عرفات في الساحة الفلسطينية من
عام 1965 إلى اغتياله عام 2004؛ اتسم بالتراجع المصري والعربي وانتصار الحركة
الصهيونية على القومية العربية.
أما المرحلة الرابعة فقد ظهرت فيها المقاومة الإسلامية:
حزب الله في لبنان عام 1982، وحماس في فلسطين عام 1987. وتخلل هذه المرحلة اتفاق أوسلو
عام 1993، واتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994.
وقد أدى اتفاق أوسلو إلى تمزق الصف الفلسطيني بين فتح التي
وقعت الاتفاق وبين حماس التي عارضت الاتفاق وحاربته، خاصة أنه ضد المقاومة ثم أصبح
الانقسام رسميا بين السلطة الفلسطينية وبين فصائل المقاومة المسلحة في غزة
بانتخابات 2006، فبنت السلطة موقفها على أساس التواطؤ مع إسرائيل ضد المقاومة فيما
سمي بالتنسيق الأمني.
وعانت القضية طويلا من هذا الشقاق حتى تجمدت، وتقدمت إسرائيل
والمشروع الصهيوني نحو صفقة القرن. وشنت إسرائيل سلسلة من الاعتداءات الوحشية على
قطاع غزة وعلى كافة الأراضي الفلسطينية، فتزامن ذلك مع أمرين؛ الأمر الأول هو
الاختراق الإسرائيلي للساحة العربية وظهور اتفاقيات أبراهام والمزيد من التقارب العربي
مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
والأمر الثاني: ظهور أجيال جديدة من الشعب الفلسطيني يئست
من الأطر الرسمية العربية والفلسطينية، كما يئست من محاولات المصالحة الفلسطينية.
في هذه المرحلة الخامسة التي سبقت المرحلة الحالية ظهرت أساليب
جديدة من المقاومة، وظهور المستوطنين اليهود بكثافة خصوصا في القدس القديمة
والأقصى والعدوان على المدن الفلسطينية، مما دفع المقاومة الفلسطينية عام 2021 إلى
مهاجمة إسرائيل خلال العملية المعروفة بسيف القدس، ولكن إسرائيل استخفت بالعملية
وأظهرت عزمها مع واشنطن على سحق الشعب الفلسطيني.
وأخيرا ظهرت المرحلة السادسة الحالية، وهي مرحلة عرين
الأسود التي تندر المعلومات عنها في الوقت الراهن، ولكن الثابت أن إسرائيل تواجهها
بوحشية وتغتال زعماءها وتروج بأن هذه المجموعة المسلحة من صنع إيران. وقد تواترت
التقارير عن فزع إسرائيل من تلاحم الشعب الفلسطيني مع هذه المجموعة التي كفرت
بوعود السلطة وإسرائيل وبالمفاوضات. وبالتقسيمات الأيديولوجية للمقاومة. وقد وردت
تقارير متتالية حول تحقق الشعب الإسرائيلي من عجز حكومته وجيشه عن مواجهة الثورة
الفلسطينية الجديدة، ولذلك شوهد الآلاف من النازحين من إسرائيل إلى ألمانيا.
والخلاصة أن هذه موجة جديدة من المقاومة الفلسطينية
تحركها عوامل الإيمان بأن فلسطين عربية، وأن كل القيادات الفلسطينية والعربية وإسرائيل
تضيع الوقت وأنه لا حل للقضية إلا بالمقاومة. وقد أعلنت الغرفة المشتركة في أجنحة
المقاومة المسلحة، وكذلك النواب الفلسطينيون في الكنيست تضامنهم مع عرين الأسود.
والطريف أن إسرائيل كلها جزعت لمجرد أن امرأة فلسطينية
عضو في الكنيست أعلنت حزنها العميق لاغتيال أحد قيادات عرين الأسود، كما أعلن رئيس
الوزراء الإسرائيلي بفخر أن إسرائيل ستواصل مهاجمة "الإرهاب" الذي
يستهدفها وأعلنت واشنطن تضامنها مع إسرائيل.
والسؤال الذي نختم به هذه المقالة: ما مصير هذه الموجة الجديدة
من المقاومة الفلسطينية؟
العوامل المحيطة بالموجة الجديدة توحي بأن الثورة
والمقاومة تشمل الشعب الفلسطيني كله حتى داخل إسرائيل، فقد تؤدي هذه الموجة إلى
هجرة اليهود من إسرائيل مما يساعد في زوالها.