هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار الخبر الذي نشرته الحكومة الأردنية على حسابها الرسمي في موقع "فيسبوك" حول مشروع إنشاء مدينة جديدة في العاصمة عمّان، ردود فعل متباينة، أبرزها تغريدة لوزير الصحة الأسبق سعد الخرابشة، حذر فيها من السير على خطى النظام المصري الذي أسس مدنا جديدة أوصلته "إلى حافة الإفلاس" وفق تعبيره.
وقال الخرابشة عبر حسابه الشخصي في موقع "تويتر": "عجبا لبلد غارق بالديون وينوي إنشاء عاصمة إدارية بكلفة ثمانية مليارات دينار!!".
وأضاف: "لقد أوصلت هذه المغامرة مصر الشقيقة التي ننوي نقل تجربتها إلى حافة الإفلاس، حيث قيمة الجنيه أصبحت أقل من خمسة سنتات".
نبذة عن المشروع
وكان مجلس الوزراء الأردني قد استمع، الأربعاء الفائت، إلى إيجاز من الشركة الاستشارية (دار الهندسة) حول مشروع إنشاء مدينة جديدة، تهدف إلى استيعاب الزيادة السكانية المطّردة، خصوصا في مدينتي عمّان والزرقاء، عكفت الشركة على تصميم ملامحه الأساسية طوال الشهور العشرة الماضية.
وسيُقام مشروع المدينة الجديدة - في حال اتُّخذ قرار بشأنه - داخل حدود محافظة العاصمة، وعلى أراضٍ مملوكة بالكامل لخزينة الدولة، ويبعد موقعها قرابة الـ40 كيلومترا عن وسط عمّان، و33 كيلومترا عن مطار الملكة علياء الدولي، و26 كليومترا عن الزرقاء.
ويُعتبر موقع مشروع المدينة الجديدة جزءا من أراضي البادية الأردنية، ويقع على طريقين دوليين يربطان الأردن مع المملكة العربية السعودية والجمهورية العراقية، وتبلغ مساحتها الإجمالية المقدرة بعد الانتهاء منها قرابة الـ277 ألف دونم.
وكان مشروع المدينة الجديدة قد طُرح للمرة الأولى عام 2017، ولكن اعترضت السير فيه ظروف أدت إلى تأجيل المضيّ فيه حتى الآن، ومن بينها جائحة كورونا وتبعاتها.
ووفقا للدِّراسة المقدمة، فإنه سيُقام مشروع المدينة الجديدة على عدة مراحل، تبدأ المرحلة الأولى منه في 2025 وتنتهي في 2033، فيما تنتهي المرحلة الأخيرة منه عام 2050، وتصل كلفة إنشائها في جميع مراحلها إلى ما يزيد على الثمانية مليارات دينار.
الحكومة توضح
وتساءل مراقبون عن جدوى إقامة مدينة تبلغ كلفتها ثمانية مليارات دينار، في بلد بلغت إجمالي دينه العام 110 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليبلغ ما مقداره 37.1 مليار دينار (52.3 مليار دولار)، وخصوصا في بلد "لم يتمكن من توفير بيئة استثمارية مناسبة".
وقال وزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول، إن "مجلس الوزراء لم يتخذ قرارا في هذا المشروع المعروض علينا من الشركة الاستشارية (دار الهندسة)، إنما أحاله إلى لجنة التنمية الاقتصادية الوزارية لدراسة جدواه في مدة شهر".
وأضاف لـ"عربي21": "ليس أمامنا سوى أن ننتظر التصور الذي ستقدمه اللجنة الوزارية لمجلس الوزراء كي يقرر إما أن يتبناه، أو أنه بحاجة إلى تفاصيل ودراسات أخرى".
وحول ما أثاره الوزير السابق الخرابشة من تخوفات حول جر مشروع المدينة الجديدة الأردن إلى حافة الإفلاس؛ اكتفى الشبول بالقول إن "النقاش العام حول أي قضية حق مشروع لكل شخص، ووسائل التواصل والإعلام مليئة بالآراء التي يطرحها مختصون وغير مختصين، وموضوع مثل هذا لن يُتخذ فيه قرار دون تعمق ودراسة شاملة".
اقرأ أيضا: هل يستنسخ الأردن تجربة مصر في العاصمة الإدارية الجديدة؟
الافتقار إلى تنمية متوازنة
من جهته؛ أوضح مستشار العمارة والتصميم الحضري، مراد الكلالدة، أن "أمانة عمان الكبرى تبنت فكرة تحويل المدن إلى مدن كبرى (الميتروبوليس)، واعتمدتها في مخططها الشمولي للعام 2007".
وقال لـ"عربي21" إنه "بعد أن أصبحت مدينة عمان التي تحتوي على نحو 45 بالمئة من سكان المملكة مكتظة، وزاد من مشاكل هذا الاكتظاظ غياب منظومة النقل الحضري، والطبيعة الجغرافية الجبلية الصعبة للمدينة؛ فقد وصل مخطط أمانة عمان إلى طريق مسدود، بحيث لا نستطيع تصور العيش في العاصمة من هنا إلى 10 سنوات".
وتابع الكلالدة: "لهذا السبب؛ يرى المستوى السياسي في البلد أن هناك حاجة لإقامة مدن جديدة تعمل كروافع اقتصادية وحواضن اجتماعية للسكن، للتخلص من مشاكل المدن الحالية، لا سيما عمان والزرقاء والرصيفة، والتي تؤثر على نوعية الحياة".
ورجّح أن تكون فكرة الحكومة وضع بذور لمدينة جديدة، بمعنى أن تفتح الشوارع، وتؤسس محطة تنقية، وتضع مخططا لتوزيع المياه، ثم تعرض أراضي المنطقة للبيع، لافتا إلى أن "هذه البنية التحتية الأساسية قد تكلف نحو 500 مليون دينار، وتحتاج إلى مراحل زمنية طويلة الأمد".
وأضاف الكلالدة أن "هذا هو المشروع الفاشل نفسه الذي تمثل في مدينة الشرق (الحرمين) المقامة بالزرقاء، والتي ما زالت غالبيتها فارغة، وترفض الحكومة ضمها لبلدية الزرقاء"، مؤكدا أن "هذا النموذج إذا تم تكراره فستكون مصيبة" وفق تعبيره.
ورأى أن إنشاء هذه المدينة يتعارض مع رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة في حزيران/ يونيو، وأكدت على وجوب أن تكون هناك تنمية متوازنة، لتعود بعد ذلك إلى الوراء، وتتبنى فكرة المدينة الجديدة المطروحة في 2017، وتنوي إقامتها في موقع غير مرتبط بالنشاطات الاقتصادية، متسائلا في الوقت ذاته عن خطة الحكومة حول توفير المياه في هذه المنطقة.
"السعيد من اتعظ بغيره"
وكان رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، قد زار القاهرة في 2021 بهدف الاطلاع على المدينة الإدارية الجديدة هناك، والاستفادة من التجارب والمشروعات الكبرى في مصر، وشهد اللقاء شرحا مفصلا عن فكرة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومخطط تنفيذها ومراحله، وآليات التعاون والتنسيق بين مؤسسات الدولة والقوات المسلحة المصرية.
وذكَّر المحلل الاقتصادي عزام البرغوثي بالمقولة المأثورة "السعيد من اتعظ بغيره"، مشيرا إلى العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، "والتي باتت مدينة أشباح بعد نحو ثماني سنوات من العمل والبناء، ليس فيها سوى بنايات نموذجية قليلة، وبقية المباني فارغة حتى من المصاعد".
ولفت إلى تقرير للإذاعة الألمانية "دويتشه فيله" قالت فيه إن المشروع المصري كلّف حتى الآن 60 مليار يورو، معظمها قروض، مبينة أن العاصمة الجديدة "لا توجد فيها متاجر ولا مطاعم، ومراكز التسوق فارغة، ورياح الصحراء تعصف بالرمال، والغبار في كل مكان، وهي تتسبب بالفعل في تآكل واجهات المباني".
وقال البرغوثي لـ"عربي21" إنه "بالمقارنة مع التجربة المصرية؛ لو نظرنا إلى المرحلة الأولى من مشروع المدينة الجديدة في الأردن (من 2025 إلى 2033) فإن المتوقع أن نبني العديد من المباني خلال هذه المرحلة، لتبقى بلا سكان، ولا أية عمليات تنموية"، متسائلا: "كيف سيقتنع المستثمر بوضع كهذا؟ وما هي نظرته إلى عوائده؟".
وأضاف أن الجيش المصري هو الذي استلم مهمة بناء وتسويق المدينة الإدارية، بعد انسحاب شركة "إعمار" الإماراتية منه، "أما في الأردن فلا ندري هل هناك جهة قادرة على التصدي لهذا المشروع، وهل سنجد شركاء يكملون معنا الطريق إلى آخره".
وأشار البرغوثي إلى أهمية أن تكون ثمة دراسات فنية واقتصادية وبيئية وتسويقية وقانونية واجتماعية، "خصوصا أن هذه المدينة ستكون في منطقة صحراوية باردة في الشتاء حارة في الصيف، ما يجعل كلف الكهرباء فيها مرتفعة".
ورأى أن الحديث عن تكلفة المشروع البالغة ثمانية مليارات غير دقيق، "فالتجارب السابقة كمشروع الباص السريع وغيره، تجعلنا نضرب هذا الرقم بعشرة، ناهيك عن الفوائد البنكية"، مؤكدا أن "الضغط باتجاه تنفيذ مشاريع كهذه هدفه تنفيع بعض أصحاب المصالح، على حساب قروض جديدة تنعكس سلبا على حياة المواطنين".
وتجدر الإشارة إلى أن الأردن أطلق في حزيران/ يونيو الماضي، رؤية لخطة جديدة؛ لمواجهة التحديات التي تمر باقتصاده، تحت اسم "رؤية التحديث الاقتصادي" ومدتها 10 سنوات، تقوم على النمو المتسارع من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية.