هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال
الأكاديمي المغربي وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور محمد الحساني، إن "الصهيونية
تغلغلت في بنية النظام المغربي، خاصة بعدما وصل التطبيع بين الرباط وتل أبيب إلى مستوى
غير مسبوق، وتجاوز كل الخطوط الحمراء".
وأكد
الحساني، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "مصيبة النظام المغربي أنه
يعتبر الصهاينة مواطنين مغاربة كاملي المواطنة، ويزعم أنهم أهل بلد ومن ثم يحق لهم
أن يفعلوا ما شاءوا في بلدهم الثاني أو بالأحرى الأول".
وشدّد على أن "معركة مناهضة التطبيع تتطلب بلا شك نفسا طويلا، لأنك في الحقيقة تواجه نظاما
دوليا مهمته حراسة دولة الكيان الصهيوني، وهي معركة أجيال. المهم أن نحافظ على المبدأ
ونرسخه، وهو أن التطبيع جريمة شرعية أخلاقية إنسانية قانونية".
ومنذ
إعلان المغرب والاحتلال الإسرائيلي، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، استئناف علاقاتهما
الدبلوماسية بعد توقفها عام 2000، كثف البلدان تعاونهما المشترك في شتى المجالات بوتيرة
متسارعة.
في المقابل،
ترفض العديد من الهيئات والأحزاب المغربية هذا التطبيع، عبر عدد من الاحتجاجات والفعاليات
المختلفة.
وفي
ما يأتي نص المقابلة مع "عربي21":
هل يمكن
القول إن التطبيع بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي وصل إلى مستوى غير مسبوق؟
تعبير
وصل إلى حد غير مسبوق أظن أنه تعبير غير كاف، لأن واقع الأمر تجاوز ذلك بكثير، وأظن
أنه في بدايات التطبيع كنت في إحدى المداخلات مع قناة فضائية قلت بأن التطبيع المغربي
أخطر ما فيه ليس هو الشق الاقتصادي، وإنما الشق الأمني والشق التعليمي بكل مستوياته،
وهذا هو الذي وقع فعلا. المغرب تجاوز كل الخطوط التي يمكن أن نصفها بالخطوط الحمراء،
لأن مصيبة النظام المغربي أنه يعتبر الصهاينة مواطنين مغاربة كاملي المواطنة، ويزعم
أنهم أهل بلد ومن ثم يحق لهم أن يفعلوا ما شاءوا في بلدهم الثاني المغرب، أقصد الأول.
لماذا
فشلت كل المحاولات المناوئة لهذا التطبيع؟
بالنسبة
للمبادرات والمؤسسات المناهضة للتطبيع فإنه لا يمكن بأي حال الحكم عليها أو وصفها بالفشل.
هي مؤسسات مجتمع مدني تُعبّر عن نبض الشارع المغربي، وهي تعاني من كل صنوف التضييق،
وهذا لا ينبغي أن ننساه أبدا.
ومعركة
مناهضة التطبيع دون شك تتطلب نفسا طويلا، لأنك في الحقيقة تواجه نظاما دوليا مهمته
حراسة دولة الكيان الصهيوني، وهي معركة أجيال. المهم أن نحافظ على المبدأ ونرسخه، وهو
أن التطبيع جريمة شرعية أخلاقية إنسانية قانونية.
أين وصلت الأزمة الاقتصادية في المغرب؟ وماذا لو تم
تعويم الدرهم؟
قرار
كهذا لم يأتِ من فراغ بطبيعة الحال، لأن هذا القرار هو قرار سياسي سيادي بامتياز، والقصر
الملكي فيه طرف أساس؛ فمثل هذه القرارات لا علاقة لها بالحكومة في المغرب على الإطلاق.
والوضع
الاجتماعي في المغرب مُعقد وحرج جدا؛ فهناك غلاء كبير في الأسعار يكتوي منه الناس،
والتضخم يرتفع يوما بعد يوم، فضلا عن الجفاف وانعكاسات أزمة كورونا، واللائحة طويلة
جدا.
ولذلك،
فالنظام الحاكم حريص كل الحرص على ألا يكون هناك أي حراك اجتماعي شعبي يمكن أن يتطور
إلى حراك ذي بُعد سياسي، لأن الجميع يعلم أن أي مدخل لحل مشاكل المغرب هو حل سياسي
وليس شيئا آخر، حل يقوم على الكرامة والحرية والقطع مع الاستبداد قطعا مطلقا.
من هنا
فإن هذا القرار رغم تبعاته المتعلقة في علاقة المغرب مع صندوق النقد الدولي، لكنه كان
لا بد منه، لكن يبقى السؤال: هل هو قرار نهائي أم مرحلي فقط؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام
المقبلة.
أثار
تولي نائب الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، جامع المعتصم، لمهمة رسمية
لدى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، جدلا في البلاد.. كيف تابعت هذا الجدل؟
هذا
الموضوع، في نظري، أخذ أكثر من حجمه، منطلقين من طبيعة العلاقة المتشنجة بين بنكيران
وأخنوش، والحقيقة أن علاقة بنكيران وأخنوش ليست كذلك، هي مناكفات كيرانية فقط يريد
منها دائما السيد بنكيران التأكيد على موقعه في المشهد السياسي، ولذلك لا أرى أن الخوض
في هذا الموضوع يتطلب إسالة الكثير من المداد؛ فهناك أولويات وقضايا أكبر وأهم.
مؤخرا
احتفلت جماعة "العدل والإحسان" بالذكرى الأربعين لتأسيسها.. فما تقييمكم
لمسيرة وفاعلية أكبر جماعة إسلامية في المغرب؟
أربعون
سنة من العمل الرصين والبناء في ظل مسار مورست فيه على "العدل والإحسان"
أنواع شتى من صنوف التضييق والحصار وجملة من الاعتقالات التي تستمر إلى غاية اليوم
كان آخرها اعتقال القيادي الدكتور محمد باعسو.
إلا
أن كل هذا لم يثنِ الجماعة عن ثباتها على مبادئها المؤطرة لعملها، وهي اللاءات الثلاثة "لا للعنف، لا للسرية، ولا للتعامل مع الخارج". هذه الثلاثية لم تتزحزح عنها الجماعة
مطلقا.
أربعون
سنة انتقلت فيها الجماعة من الحضور الفعلي للمؤسس والمنظر والمربي والمرشد المُجدد
الإمام عبد السلام ياسين -رحمه الله- إلى انطلاقة أخرى في ظل الأمين العام الأستاذ
محمد عبادي، والذي هو رجل الحكمة والوقار والجمع والتجميع.
ونحن
أمام لحظة تاريخية في ظل هاته الأربعين سنة، لحظة راهن الكثير على أن "العدل والإحسان"
ستدخل في نفق أو أنفاق، لكن تلك الذكرى جاءت لتؤكد أن الجماعة ما زالت تزداد فتوة وقوة.
هل هذا
يعني أن "العدل والإحسان" في ظل هاته الأربعين سنة لم تخفق في أشياء؟ لا
يستطيع عاقل أن يقول ذلك، فهي تجمع بشري يجتهد وسعه في إدراك الصواب، لكن الكمال مُحال
في حق أحد، والعصمة إنما هي لرسول الله عليه الصلاة والسلام.
لكن
الحقيقة الثابتة التي لا يمكن لأحد أن يجادل فيها، هي أن "العدل والإحسان"
تبقى أكبر قوة دعوية سياسية بالمغرب، وأنها ذلك الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه.
لكن
كيف ترى إشكالية العلاقة بين "العدل والإحسان" والسلطات المغربية؟
جيد
جدا أن نؤطر الجواب على هذا السؤال بمقدمات ذات أهمية كبرى لها صلة بالسؤال، ولعل أهمها
هي الوضعية القانونية لـ "العدل والإحسان"، والتي هي جماعة قانونية بحكم
المجلس الأعلى للقضاء الذي أقرّ بذلك بشكل رسمي، وبالتالي فالعدل والإحسان قانونية
وفق الكثير من الأحكام القضائية التي صدرت في مئات المدن المغربية تبرئة لكثير من أعضائها
من تهمة الانتماء لجماعة محظورة.
كما
أن "العدل والإحسان" حريصة كل الحرص على احترام القوانين المُنظمة لقانون
الجمعيات والهيئات السياسية والمدنية، وبالتالي الجماعة لا تمارس الفوضى ولا تخرق القانون،
بينما الدولة هي من تقوم بذلك وتضرب بالقانون عرض الحائط.
لماذا؟
لأن
النظام المغربي تعود على منطق الهبة والمنحة؛ فهو منحة منه وهبة منه يسمح لهذا وذاك
بتأسيس حزب أو تنظيم، وما دام الأمر كذلك فوظيفتك الأولى هي أن تكون خادما مطيعا؛ أنت
أبكم أصم لا حق لك في تدبير شؤون البلاد والعباد، وإنما تطبق فقط ما يأتيك من تعليمات
وتوجيهات، وهذا ما ترفضه "العدل والإحسان" رفضا قاطعا وتقف ضده مع كثير من
الفضلاء.
برأيكم،
ما سبل إنهاء التوتر بين "العدل والإحسان" والسلطات المغربية؟
حقيقة
هذا السؤال ينبغي أن يوجّه إلى السلطات المغربية، حتى يُعرف ما هو سبب توتر علاقتها
مع جماعة "العدل والإحسان"؟ ولماذا هذا التضييق والحصار والاعتقالات والإعفاءات
من الوظائف؟ لماذا كل هذا؟ أين هو الإشكال بالضبط؟
لكن
لن نجد جوابا، لأنه -كما قلت سابقا- هناك منطق التحكم المطلق في المشهد السياسي. الكل
ينبغي أن يكون تحت قبة القصر، رغم أن الجميع، بما فيه القصر، ينتقد هذا المشهد، وهذه
من غرائب السياسة المغربية التي لا تنتهي. نحن أمام إشكال بنيوي عميق في السياسة المغربية.
الجواب
عند السلطات المغربية، والحل عندها، لأنها هي لب الإشكال ومصدر المُشكل.
ويوم يقرر النظام المغربي أنه يريد أن يبني وطن الحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان،
يوم يقرر النظام أن يقطع مع الاستبداد واقتصاد الريع والجمع بين السلطة والثروة، يوم
يؤمن النظام ويذهب في اتجاه ربط المسؤولية بالمحاسبة سينتهي هذا الإشكال وغيره من الإشكالات
الأخرى.