أثار القرار الحكومي بإعادة نشر قوات من الجيش
العراقي على الحدود مع
إيران وتركيا، تساؤلات عدة عن مدى جدية وقدرة بغداد على فرض سيطرتها ومنع الجماعات المسلحة من شن هجمات على دول الجوار، ما ينهي مبررات القصف المتكرر على إقليم
كردستان.
وقالت الحكومة في بيان صدر، الثلاثاء، بعد اجتماع للمجلس الوزاري للأمن الوطني؛ إنّها قرّرت "وضع خطة لإعادة نشر قوات الحدود العراقية، لمسك الخط الصفري على طول الحدود مع إيران وتركيا".
وأكدت حكومة بغداد أن هذه الخطة ستوضع "بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق ووزارة البيشمركة".
كما التقى وفد من قوات البيشمركة الكردية ممثّلين عن وزارتي الداخلية والدفاع العراقية، حيث اتفق الطرفان على "استراتيجية تهدف إلى تعزيز أمن الحدود"، بحسب بيان صدر عن إقليم كردستان العراق.
جدية حقيقية
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والباحث السياسي من إقليم كردستان، كفاح محمود؛ إنه "يبدو هناك توافقا بين بغداد وأربيل على إعادة نشر قوات حرس الحدود، وأن إقليم كردستان يريد أن يثبت للشركاء في العراق أن ادعاءات الجانب الإيراني مفبركة بأن هناك تعاونا من الإقليم مع جماعات مسلحة معارضة لإيران، وهذا غير موجود بالمطلق".
وأوضح محمود في تصريح لـ"
عربي21"، أن "الاتفاق الذي حصل على تفعيل قوات حرس الحدود العراقية، وقوامها ثلاثة ألوية، تتبع الحكومة الاتحادية في بغداد، بنشرها من المثلث العراقي التركي السوري إلى المثلث الإيراني العراقي التركي".
وتابع: "لكن المشكلة تكمن في أن هذه القوات غير مسلحة تسليحا بمستوى الهجمات التي تحصل، سواء من حزب العمال الكردستاني أو القوات التركية، وكذا الحال في الجانب الإيراني".
ورأى محمود أن "هناك جدية من العراق بما يخص إيران؛ لأن الموضوع يهم أطرافا متنفذة في بغداد تريد أن تحمي إيران من احتمالية التهريب؛ لأنه لا يمكن حماية كل هذه الحدود مع الأخير، التي تمتد إلى ألف كيلومتر، لذلك هناك مهربو سلاح ليس أكثر".
واستبعد الباحث أن "يكون تهريب السلاح- إن صحت فبركات إيران- موضوعه سياسي، لأنه لا يمر أسبوع واحد في إقليم كردستان، دون إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على إيرانيين ينقلون المخدرات من إيران إلى العراق، كذا الحال فيما يتعلق بالسلاح؛ لأن هذه النقطة تقع بمنطقة جبلية معقدة، يستخدمها مهربو السلاح والمخدرات، وكذلك مجاميع الاتجار بالبشر، سواء مع
تركيا أو إيران".
ومن جهته، قال الخبير الأمني العسكري العراقي سرمد البياتي لـ"
عربي21"؛ إن "العراق جاد في موضوع ضبط الحدود، وأنه قبل نحو ثلاثة أشهر حصلت قوات الحدود على دعم مالي من الحكومة بـ72 مليار دينار عراقي (50 مليون دولار)، من أجل تفعيل الألوية الثلاثة التي ستتمركز على الحدود مع تركيا وإيران".
وأكد البياتي أن "عدد الألوية غير كاف على الإطلاق لهذا الموضوع، لذلك هناك قرار مرتقب من القائد العام للقوات المسلحة في العراق (رئيس الوزراء) بتشكيل لواء رابع من أجل التمركز في أبراج المراقبة والنقاط العسكرية على الحدود، لأننا لا نستطيع فتح سواتر في هذه المناطق لأنها جبلية وعرة".
وأردف: "لذلك، بالإمكان أن تتقدم أبراج المراقبة إلى الخط الصفري مع الحدود التركية، وأن الحكومة العراقية جادة في تطبيق هذا الموضوع، لكن حرس الحدود العراقي يحتاج- بواسطة هذه الأموال التي حصل عليها-، إلى شراء معدات حديثة وطائرات مسيرة دفاعية وكاميرات حرارية، وكذلك نحتاج إلى مدرعات وأسلحة ومنظومة دفاع جوي".
"أبعاد سياسية"
وعلى صعيد آخر، قال الكاتب والباحث الكردي، كفاح محمود؛ إن "إقليم كردستان يضم مخيمات لآلاف الأكراد الإيرانيين الذين لجؤوا إلى العراق في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وجرى توزيعهم بين مجموعة مخيمات في الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة، بما فيها مخيمات مخمور للأكراد القادمين من تركيا".
وأشار إلى أن "إيران تعتقد أن هذه المخيمات تضم معارضة إيرانية مسلحة، وحتى يثبت الإقليم أن هذه الادعاءات غير صحيحة، اتجه إلى تفعيل قوات حرس الحدود بالاتفاق مع بغداد إلى الخط الصفري على الحدود، لكن هناك نقاطا يصعب الوصول إليها إلا بواسطة الطيران، خاصة في المثلث العراقي التركي الإيراني ومنطقة قابيل؛ لأنها معقدة التضاريس".
وأعرب محمود عن اعتقاده بأن "المسألة سياسية أكثر مما هي عسكرية، وتحتاج إلى مؤتمر سياسي بين أنقرة وطهران وأربيل وبغداد، والبدء بمحادثات جدية من أجل السلام، وليس القضاء على مجموعات من اللاجئين لجؤوا إلى العراق منذ نحو 40 عاما".
وأردف؛ "إن استطاعت هذه الأطراف الأربعة إخراج حزب العمال الكردستاني، فسيعم الخير على الجميع؛ لأن الأخير يحارب ضد الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في إقليم كردستان، ويحارب ضد تركيا ايضا، وكذا الحال في سنجار، فإن هناك تعاونا بين أذرع هذا الحزب والحشد الشعبي العراقي".
من جهته، توقع الخبير الأمني والعسكري، سرمد البياتي، أنه "حتى إذا سيطر العراق على أراضيه في إقليم كردستان بصورة صحيحة، ستبقى مشكلة الخروقات الجوية، التي أرى أن هناك صعوبة في إيجاد الحلول لها، لذلك ستستمر المسيرات والصواريخ تقصف الأراضي العراقية بصورة مكثفة؛ لأنه لا يوجد وسائل ردع لهذه الأسلحة".
ولفت إلى أن "الجانب الإيراني قدم شكوى على العراق لدى مجلس الأمن الدولي، على اعتبار أنه يضم جماعات تضر بإيران، لذلك ردت بغداد بتقديم شكوى أيضا على طهران"، داعيا إلى أن "يكون موقف العراق قويا في هذا الملف، لأنه حتى الآن ليس في المستوى المطلوب".
ويتعرض إقليم كردستان العراق منذ أيام إلى هجمات يشنّها الحرس الثوري الإيراني، عبر قصف صاروخي وهجمات بمسيّرات مفخّخة على مواقع تابعة لأكراد إيرانيين، يتمركزون منذ عقود في كردستان العراق، مهددة بشن عملية برية في حال لم تنه السلطات العراقية وجودهم على أراضيها.
وبدورها شنت تركيا، الأحد، عملية عسكرية ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، اللذين تصنفهما أنقرة منظمات إرهابية، في شمال العراق وسوريا، ردا على التفجير الذي هز منطقة تقسيم في إسطنبول التركية قبل أسبوعين.
وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أعلن، خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد، الثلاثاء، أن "أي اعتداء على الأراضي العراقية مرفوض رفضا قاطعا من الحكومة، سواء من جانب تركيا أو إيران".
وأضاف السوداني: "سننشر قوات في بعض المناطق بشمال العراق لدحض الحجج بشأن عدم وجود قوات في هذه المناطق، ولا نسمح بإعطاء موافقة لضرب الأراضي والحدود العراقية"، مشيرا إلى أن "العراق طلب دراسة لإنهاء معوقات انتشار القوات العراقية مع دول الجوار".