أثار قرار الحكومة
العراقية، تأسيس شركة عامة تحت مسمى "المهندس" ترتبط بهيئة الحشد
الشعبي، انتقادات واسعة من الأوساط السياسية والاقتصادية، محذرين من استنساخ تجربة
الحرس الثوري والباسيج الإيراني، اللذين يهيمنان على الاقتصاد في إيران.
وبحسب بيان صدر عن
مكتب رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، الاثنين، فإن مجلس الوزراء وافق على تأسيس
شركة عامة باسم (المهندس) برأسمال مئة مليار دينار (68.5 مليون دولار أمريكي)
استنادا إلى أحكام المادة (8) من قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997.
"حشدنة
الاقتصاد"
وعن التخوفات التي
أطلقها مختصون من قرار تأسيس شركة للحشد، رأى المحلل السياسي العراقي، الدكتور
معتز النجم في حديث لـ"عربي21" أن "التمدد من العسكرة إلى التدخل
بالسياسة والاقتصاد أصبح سياسة متبعة بالعراق، لذلك فإن (حشدنة) الاقتصاد يشكل خطأ
وعبئا كبيرا على الاقتصاد العراقي".
وأوضح النجم أن
"الاقتصاد في العراق متأرجح، وهذه الخطوة تشكل خطورة عليه، كونه يعتمد على
الاقتصاد الريعي أو أحادي الجانب بالاعتماد على تصدير النفط، لذلك الأحزاب الحالية
تريد الهيمنة عليه، خصوصا أن العالم يعيش أزمة طاقة والدول بدأت تبحث عن الطاقة
البديلة".
ولفت إلى أن
"الاقتصاد والسياسة في العراق يهيمن عليهما العسكر، ففي البلد هناك شقان من
الأحزاب، الأول: حزب يمتلك جناحا مسلحا، والثاني: جناح مسلح يمتلك تمثيلا سياسيا في
البرلمان والحكومة، بالتالي نحتاج إلى وقفة جادة وإرادة وطنية لإنهاء ذلك".
وتابع: "كنا نأمل
من خلال البرنامج الحكومي للسوداني، أن يكون هناك اقتصاد مزدوج من خلال تفعيل
القطاع الخاص تحت الإشراف الحكومي، حتى نتخلص من الاحتكار الاقتصادي، لأن نسبة
البطالة تجاوزت الـ 30 بالمئة، وهناك عجز في الموازنة، ومظاهرات واحتجاجات تشهدها البلاد بسبب البطالة ومواضيع أخرى تتعلق بالاقتصاد العراقي".
وفي السياق ذاته، رأى
المفكر والمحلل السياسي العراقي، غالب الشابندر أنها "بداية لتحويل الحشد
الشعبي إلى مؤسسة ربحية، وأخشى أن يتحول الأمر إلى حشدنة الاقتصاد، حيث يبدو أن هناك
تخطيطا لمثل هذا الأمر، بدلا من تشغيل آلاف العاطلين عن العمل برأس المال الكثير
هذا".
وأوضح الشابندر خلال
مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، أن "هناك تخطيطا لتوغل
الحشد الشعبي في صناعات
الدولة وبموارد الدولة من أجل حشدنة الدولة والاقتصاد العراقي، وإلا لماذا لا
نحرّك الشركات المعطلة، فثمة الآلاف من المعامل المعطلة يمكن تشغيلها بهذا المال
وامتصاص كمية كبيرة من العاطلين عن العمل".
ورأى الخبير العراقي
أن الهدف من القرار "حشدنة" المنابع الاقتصادية للدولة، واليوم هذه
بدايتها وبعد غد ستصرف مبالغ كبيرة من المال للصناعات الخفيفة، لأن الحشد يتسلم
رواتب حاله حال الجيش العراقي، متسائلا: "لماذا نكرر تجربة إيران في تحويل
اقتصاد البلد بيد الحرس الثوري والباسيج؟".
"شرعنة
الهيمنة"
من جهته، قال الباحث
في الشأن السياسي العراقي، ميثم التميمي، في حديث لـ"عربي21" إن
"تأسيس شركة عامة رسمية تابعة للحشد الشعبي، سينقل الفصائل المنضوية فيه من
أخذ الإتاوات من المقاولين والشركات الاستثمارية، إلى السيطرة بشكل رسمي على
المشاريع الاستثمارية في العراق".
ووصف الباحث الخطوة
الحكومية في تأسيس شركة عامة تابعة للحشد، بأنها "شرعنة للهيمنة" التي
كانت تمارسها المليشيات والأحزاب المشكلة للحشد الشعبي، من خلال سيطرتها على
المنافذ البرية والبحرية، وكذلك أخذ إتاوة من كل المشاريع التي تخص البنى التحتية
والاستثمارات العقارية، إضافة إلى منع دخول البضائع إلا بالحصول على مقابل مالي.
ونوه التميمي إلى أن
"إنشاء شركة رسمية للحشد الشعبي يعني عدم مقدرة أي شركة أخرى على منافستها في
القطاع الخاص، وبالتالي السيطرة على جميع الفرص الاستثمارية، وهذا تهديد للنهوض
الاقتصادي المأمول في العراق".
وعلى نحو مماثل، قال
المحلل السياسي العراقي، رمضان البدران، إن "فكرة تأسيس شركة ربحية تدار من
الحشد الشعبي، فهذا نموذج غريب يختلف عن كل النماذج المعروفة، لأن الباسيج في إيران
يدير أموال الولي الفقيه التي تأتي من موارد مجهولة المالك، والمعني بها: السماء
والماء والجبال والغابات وما تحت الأرض، وهي موازنة تختلف عن الموازنة الرسمية
للبلد".
ورأى البدران خلال
مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، أن "دخول جيش عقائدي على الاقتصاد العراقي، ربما
يتسبب بتشويهه، فاليوم العتبات المقدسة (الشيعية)، تستحوذ على الفنادق في النجف،
وتعفى عنهم الضرائب وفواتير الماء والكهرباء وغيرها، وبالتالي تكاليفهم أقل من
الفنادق الأخرى، ثم خفضوا الأسعار ودمروا كل أعمال الفنادق الأخرى".
وأردف: لذلك عندما دخل الحشد الشعبي إلى الاقتصاد باستخدام بطاقات مرور تحت مسمى "أبو مهدي
المهندس" أو "المقدس" فهذه تنافسيا ستقتل القطاع الخاص وتخلق
توازنات مشوهة في الاقتصاد.
وشدد البدران على أنه
"لا يجوز للحشد الشعبي أخذ رواتب من الدولة، وفي الوقت نفسه تؤسس لهم مؤسسة
ربحية، فإن ذلك تنافسيا يعني أنها ستأخذ جميع الاستثمارات، وبالتالي تسبب اضمحلالا
وضمورا في القطاع الخاص".
ويبلغ العدد الكلي
للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، وتبلغ أعداد العامل منها
140 فقط، بعدما كان القطاع الصناعي يشكل نحو 23 بالمئة من حجم الناتج المحلي
الإجمالي للعراق قبل عام 2003، بحسب بيانات وزارة الصناعة والمعادن العراقية.
وفي 26 تشرين الثاني/
نوفمبر الماضي، كشف وزير الصناعة والمعادن العراقي خالد بتال، عن وجود نحو 40 ألف
موظف فائض عن الخدمة، وأن الوزارة عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها، وفيما وصف وزارته
بأنها أشبه بشبكة الرعاية الاجتماعية، أشار إلى التوجه نحو غلق العديد من المصانع.
وأوضح
"بتال" خلال مؤتمر صحفي: "لدينا قرابة 40 ألف موظف فائض عن الحاجة
في الوزارة، وهذا ما يجعلها تعجز عن تأمين رواتب كافية لهم وتعتمد على وزارة
المالية في المنح السنوية، وأن وزارة الصناعة مدينة بمئات المليارات من الدنانير
لوزارة المالية بسبب هذا الأمر".