انتفض المهنيون في
مصر في موجة غضب عارمة، بلغت مداها في مظاهرات المحامين
أمام مقر نقابتهم، واجتماع نقابة
الأطباء وغيرها لرفض القانون الحكومي بشأن "الفاتورة الإلكترونية" لجميع التعاملات المالية؛ سواء على مستوى الشركات والمؤسسات، أو
على مستوى الأفراد.
ومعروف أن قرابة 80 في المئة من تمويل موازنة الدولة المصرية للعام المالي
الحالي 2022 تستحوذ عليه
الضرائب بأنواعها، ولا يعترض أحد على أهمية استيفاء
الدولة لحقها في تحصيل الضرائب؛ باعتبارها أحد واجبات المواطنة التي يلتزم بها
غالبية الممولين بداية؛ من الموظف البسيط مثل الطبيب الحكومي الذي يتم استقطاع
الضرائب من راتبه الشهري، أو الطبيب في مستشفى خاص ويتم محاسبته ضرائبيا بانتظام، ولا توجد إشكالية في "الفاتورة الإلكترونية" عنده، وصولا إلى أكبر الشركات والمؤسسات
والمصانع ورجال الأعمال، بالرغم من وجود حالات فردية يتم كشفها من جرائم التهرب
الضريبي كما هو متوقع، وإن كانت نادرة الحدوث بين المهنيين مثل المحامين والأطباء
والصيادلة والمهندسين في أعمالهم الفردية الخاصة؛ نظرا لوجود نظام تحصيل ضريبي متعارف
عليه ومستقر منذ سنوات طويلة.
طبيب الغلابة تعنى وجود أطباء كثيرين سوف يقعون تحت مقصلة القانون بتهمة التهرب الضريبي؛ لأنهم لن يحرروا الفاتورة الإلكترونية بسب عطفهم وإنسانيتهم وعدم تحصيل أموال من المرضى الفقراء، في تصرف لن يقنع القائمين على مراقبة تحصيل الضرائب
طبيب الغلابة يعجز أمام "الفاتورة الإلكترونية":
جاء نظام "الفاتورة الإلكترونية" صادما للأطباء؛ من حيث صعوبة تطبيقه في
العيادات الخاصة، من ناحية استيفاء البنود المالية، إضافة إلى احتياجه لتجهيزات إلكترونية
وشبكات اتصالات، وجميعها مكلفة وكثيرة الأعطال في مصر. ويبقى الجانب الأشد خطورة، هو أن نسبة كبيرة من الأطباء تحاول تطبيق ميثاق المهنة، وتفعيل بنود قسم الطبيب الذي
يحض على معاملة المرضى بإنسانية ورحمة وإخلاص ابتغاء مرضاة الله ورسوله، بمعنى أنه
في أحيان كثيرة لا يتم تحصيل أية مبالغ مالية من المريض الفقير؛ في ظاهرة مصرية
موجودة بالفعل ومنتشرة ألا وهي "طبيب الغلابة".
طبيب الغلابة تعنى وجود أطباء كثيرين سوف يقعون تحت مقصلة القانون بتهمة
التهرب الضريبي؛ لأنهم لن يحرروا الفاتورة الإلكترونية بسبب عطفهم وإنسانيتهم وعدم
تحصيل أموال من المرضى
الفقراء، في تصرف لن يقنع القائمين على مراقبة تحصيل الضرائب، الذين يفترضون سوء الظن في الممولين بصورة دائمة، أو أن طبيب الغلابة سوف يضطر
إلى تحميل الفقراء ما لا يطيقون، خاصة أن حال الرعاية الصحية الحكومية لا يفي
باحتياجات المجتمع، بالرغم من الطنطنة الإعلامية حول مشروع التأمين الصحي الجديد، الذي
ما زال متعثرا منذ خمس سنوات ولا يغطي سوى 3 في المئة فقط من سكان مصر حتى الآن، وفي
محافظتين صغيرتين.
وهنا تبرز الإشكالية في الجوانب المعتمة من القوانين التي تصدر دون وجود
حوارات مجتمعية حولها، بدون اعتبار لرأي أصحاب الخبرة وذوى الشأن، وأمام إصرار الحكومة
على تحديد يوم الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2022 الجاري مهلة أخيرة للتسجيل على موقع مصلحة الضرائب،
وفرض عقوبات قاسية لمن يتخلف عن التسجيل بصورة عامة، هنا يصبح القانون الجديد سيفا
مسلطا على رقاب جميع الأطباء؛ ويجعلهم ضحايا بين ضغط مطرقة قانون جباية جائر، وسندان احتياجات مجتمعية يأبى ضميرهم إلا تلبيتها؛ إرضاء لله الذي أقسموا أمامه على
رعاية المرضى بأمانة وإخلاص.