الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2022 قدم لنا إخوتنا المغاربة
وجبة كاملة من الفرح. لقد رقصت أمة العرب ونحن منها في الشوارع فرحا، وشاركها قوم
كثير من كل بلاد الإسلام وأفريقيا، وقرئ انتصار الفريق المغربي على نظيريه الإسباني
والبرتغالي كنصر عسكري في حروب التحرير، وما زال الفرِحون ينتظرون انتصارا ثالثا
على قوة استعمارية دمرت أفريقيا واستنزفت خيراتها بل امتصت دمها كعنكبوت الأرملة
السوداء.
وقليل من تابع المقابلات المغربية من أجل فرجة كروية محايدة، كما حبرت
مقالات كثيرة تمجد النجاح القطري في تنظيم الدورة أمنيا وأخلاقيا وجماليا حتى لم
يبق مجال للاستزادة إلا بالتكرار، لذلك نعود بالقلم إلى موطنه ونتأمل اللحظة
التونسية في نهاية سنة إدارية تبدو بلا موازنة ولا مؤسسات فاعلة، ولذلك عنونا
الورقة بأن الماضي كان أوضح مما ننتظر ولا ندري في الواقع ماذا ننتظر من الانقلاب
وقد تصحر كل شيء.
الملف قد قُبر وما إظهاره ثم قبره إلا علامات تنازع داخل المنظومة؛ تعمل أطرافها على تحسين مواقعها إزاء المكاسب المحتملة بعد تنظيم الانتخابات التي توهم بأن الانقلاب سيستقر لمرحلة طويلة. لقد دخلت أخبار الانقلاب المزعوم في منطقة الظلام إلى جانب ملفات اغتيال الرئيس وملف اغتيال مديرة مكتبه
انقلاب عسكري أخفي تحت الطاولة
من داخل السلطة وأجهزتها تم تفجير خبر صادم؛ هناك محاولة انقلابية خطط لها
في تونس لإنهاء الانقلاب، وذُكرت
أسماء كثيرة وخطة من داخل المتحمسين للانقلاب أو
من جماعة 25 تموز/ يوليو، وبعيدا جدا عن المعارضة المدنية الرافضة له. وفُتح
التحقيق أمام القضاء المدني وفجأة أحيل الملف برمته إلى القضاء العسكري، واختفى من
التداول الإعلامي وتذكر الجميع فجأة سرية التحقيق وحق المتهمين الأبرياء، وعاد بعض
المتهمين يعلّموننا أخلاق التقاضي ويثبتون براءتهم في وسائل الإعلام.
قلنا في لحظتها إن الملف قد قُبر وما إظهاره ثم قبره إلا علامات تنازع داخل
المنظومة؛ تعمل أطرافها على تحسين مواقعها إزاء المكاسب المحتملة بعد تنظيم
الانتخابات التي توهم بأن الانقلاب سيستقر لمرحلة طويلة. لقد دخلت أخبار الانقلاب
المزعوم في منطقة الظلام إلى جانب ملفات اغتيال الرئيس وملف اغتيال مديرة مكتبه،
ملفات تعلن ثم تدفن ويبقى الجمهور يحلل بالاحتمالات الافتراضية ثم يقوم الإعلام
نفسه باختلاق قضية تصرف النظر عن الأصل إلى الفروع. وقد لعب هذا الإعلام اللعبة
نفسها فاختلق قضية الأستاذ الممثل مهذب الرميلي، وظل يجذب إليها الناس لمدة أيام
عشرة ونسي حديث الانقلاب.
إشارات غامضة إلى دور الجزائر في
تونس
ليلة انفجار خبر الانقلاب حل وزير خارجية الجزائر في تونس تحت جنح الظلام
ولم يعلم أحد لماذا جاء بمثل تلك السرعة. قالت التخرصات إن مخابرات الجزائر هي من
تفطن للمؤامرة على الرئيس وقد جاء الوزير بقائمة الأسماء، وذهبت تحليلات أخرى تؤلف
سيناريوهات غريبة عن حرب مخابرات بين فرنسا والجزائر في تونس كما لو أن الدولتين
مختلفتان في إسناد الانقلاب وحمايته منذ البداية. ثم طارت وزيرة الانقلاب إلى
الجزائر ولأنها لا تحسن تركيب جملة مفيدة بالعربية لم نفهم لماذا طارت وبماذا عادت؛
هل كانت توضح موقفا سياسيا محددا من دولة الجزائر؟ وماذا غاب عن الجزائر ليحتاج
التوضيح؟ هل كانت تسعى لرفد مالي ترجم لاحقا بمنح تونس قرضا جزائريا؟
منطقة أخرى غامضة تتعلق بالمستقبل القريب، ولأنها غامضة فإن تخرصات أخرى
تروج عن نية الجزائر الهيمنة العسكرية على تونس الفاشلة أمنيا لحماية حدودها الشرقية.
ونحن إذ نستبعد بجدية مثل هذه السيناريوهات الهتشكوكية، فإننا نقرأ رواجها بين
الناس كعلامة على غموض ما يحيط بتونس في آخر سنة لم يفرحهم فيها إلا فريق كرة
القدم المغربي.
لماذا تعطف الجزائر بكل حماس على الانقلاب وتقدم له المعلومات الاستخبارية والهبات المالية والقروض؟ هل هذه علامات خوفها من الاحتمال الديمقراطي في تونس؟ هل هو جهلها بما فعله الانقلاب بالناس من تجويع وتشريد؟ أليس فقر الشعب التونسي وإفلاس الدولة التونسية خطرا على أمن الجزائر أكثر من خطر الإرهاب؟
لا يحتاج العالم وخاصة في حوض المتوسط (الآن وهنا) حربا أخرى، فحرب روسيا
تقتل أوروبا بالبرد وغاز الجزائر هو آخر أمل في التدفئة، لكن رغم ذلك نحتاج أن
نفهم (لأن الغموض يلفنا) لماذا تعطف الجزائر بكل حماس على الانقلاب وتقدم له
المعلومات الاستخبارية والهبات المالية والقروض؟ هل هذه علامات خوفها من الاحتمال
الديمقراطي في تونس؟ هل هو جهلها بما فعله الانقلاب بالناس من تجويع وتشريد؟ أليس
فقر الشعب التونسي وإفلاس الدولة التونسية خطرا على أمن الجزائر أكثر من خطر
الإرهاب؟ إلى أي مدى يمكن لدولة الجزائر أن تذهب في حماية انقلاب يخلق كل يوم
أسباب الانتفاض عليه؟ علاقة الانقلاب بالجزائر وحركة الجزائر في تونس واحدة من
البوابات المغلقة للتطلع إلى مستقبل مفهوم.
من مكة إلى واشنطن عبر المنيهلة
شارك الرئيس في القمة الصينية العربية في السعودية، وتفاصح في الخطاب بجمل
من الحرب الباردة ولا ندري مقدار الصبر الذي بُذل لسماعه، ثم ظهر معتمرا ككل زعماء العرب الذين تسبقهم الكاميرات
إلى الحرم. بماذا عاد من الحجاز؟ لا ندري.
ظهر فجأة في الحي الشعبي "المنيهلة" يروّج لخطاب الشفقة على
الفقراء ويظهر التعاطف كما لو أنه معارض شعبوي يحرض على نظام بلاده. وهو اللحظة في
واشنطن لحضور قمة أخرى وسيتفاصح في غير موضع فصاحة، وفي كل الحركات لا نفلح في
تأليف خط سير سياسي قابل للتحليل.
أبحث عن الخيط الرابط بين حركات الرئيس وحكومته في الخارج وأحاول قراءة دبلوماسيته فلا أجد مفاتيح، سوى غياب الرؤية وفقدان البوصلة، وهو سبب كاف لغموض المستقبل والمكوث في انتظار المجهول
هل لديه القدرة على تحمّل الانحياز إلى الصين في معركة تقدمها في أفريقيا؟
أم سيدفِّعه الأمريكيون ثمنا لهذه المشاركة التي بالمناسبة تهرب منها رئيس الجزائر
رغم حجم الاستثمارات الصينية في بلاده؟ نعرف أن أنصاره القوميين خاصة يحرضونه على
الذهاب في هذا الاتجاه بدعوى التحرر من الإمبريالية الأمريكية (كما لو أن الصين
دولة ملائكة) لكننا نذكّر بأمور جرت. لقد اتبع المنقلب رأي حاكم مصر بخصوص
العلاقات مع ليبيا (بتحريض من القوميين) فقطع طرق التواصل مع طرابلس فحازت مصر كل
عقود العمل مع ليبيا (مليون فرصة معلنة)، وانحاز إلى الجزائر ضد المغرب في قضية
الصحراء فخسر المغرب وظلت علاقات المغرب والجزائر ممكنة رغم العداء الظاهر. أخبار
العقود والاتفاقات الصينية العربية لا تذكر تونس إلا أن تكون مشاريع سرية (خشية
العين والحسد ربما).
أبحث عن الخيط الرابط بين حركات الرئيس وحكومته في الخارج وأحاول قراءة
دبلوماسيته فلا أجد مفاتيح، سوى غياب الرؤية وفقدان البوصلة، وهو سبب كاف لغموض
المستقبل والمكوث في انتظار المجهول.
لم نمر هنا
بالانتخابات القادمة (السبت 17 كانون الأول/ ديسمبر) ولا بغياب
نقاش الموازنة ولا بغياب قوانين ختم الموازنات السابقة. كيف سيكون برلمان الرئيس
وماذا سيفعل؟ غموض مطلق حول المستقبل. هل نقول دولة بلا قيادة أو سفينة بلا ربان،
أو نقول لحظة بقاء تونس مرهون بالصدف لا بالنظام؟ النتائج المعيشة الآن وهنا
الرئيس وحكومته يجعلون حياة الناس تزداد عسرا كل يوم ولا يلوحون بأية خطة انفراج.
سننتظر -وهذا مبلغ رجائنا- انتصار المغرب على فرنسا كرويا لنتنفس حتى نهاية
الأسبوع.