أخيرا وافق مجلس مديري
صندوق النقد الدولي على إقراض
مصر
بعد مفاوضات استمرت منذ شهر آذار/ مارس الماضي، بقيمة ثلاثة مليار دولار خلال مدة
البرنامج الممتد لنحو 46 شهرا، لكن المفاجأة كانت ببلوغ
القسط الأول الفوري 347
مليون دولار فقط، رغم تصريح وزير المالية المصري قبل أسبوع ببلوغ قيمة القسط الأول
750 مليون دولار، ورغم أن تقسيم قيمة القرض على ثمانية أقساط تجعل متوسط قيمة
القسط 375 مليون دولار، مما زاد من التكهنات بأن تلك القيمة المحدودة للقسط الفوري،
مرتبطة بانتظار الصندوق قيام البنك المركزي المصري بخفض جديد لسعر صرف
الجنيه أمام
الدولار الأمريكي، حتى يقترب من
سعر الصرف بالسوق الموازية، الذي أصبح يفوق السعر
الرسمي بحوالي عشر جنيهات، وكذلك سرعة زيادة سعر الفائدة لمواجهة التضخم، من خلال
تشجيع الجمهور على إيداع ما لديه من سيولة بالبنوك، مما يساهم في سحب السيولة من
السوق.
ومن ناحية أخرى، يساهم رفع الفائدة في توسيع الفارق بين
سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصري وبين الفائدة على الودائع الدولارية، مما
يساهم في تقليل معدلات الدولرة والاحتفاظ بالدولار، وهو الهدف الذي نشك في إمكانية
تحققه سواء بالنسبة لسحب السيولة من السوق، أو للحد من معدلات الدولرة، حيث ما زالت
الفائدة الحقيقية في البنوك سلبية نتيجة ارتفاع معدل التضخم عن سعر الفائدة الرئيس
في البنك المركزي.
مكاسب حائزي الدولار تعمق الدولرة
ففي تشرين الثاني/ نوفمبر بلغ معدل التضخم حسب البنك المركزي
21.5 في المائة وحسب جهاز الإحصاء 18.7 في المائة، بينما كان معدل الفائدة الرئيس
13.25 في المائة، مما يعني فائدة حقيقية سلبية بنسبة 8.25 في المائة بالمقارنة بتضخم
المركزي، ومعدل فائدة سلبية حوالي 6 في المائة بالمقارنة بمعدل التضخم حسب جهاز
الإحصاء. وبالطبع فإن أقصى معدل لرفع الفائدة حاليا سيكون 2 في المائة، مما يعني استمرار
الفائدة السلبية والمرشحة للتزايد بالشهور المقبلة التي يتوقع خلالها زيادة نسبة
التضخم.
يعزز تفسير صغر قيمة القسط الفوري إلى 347 مليون دولار فقط، بسبب امتعاض الصندوق من بطء التنفيذ لمطالبه، قيامه بتأجيل الموافقة على القرض البالغ مليار دولار من صندوق المرونة والاستدامة التابع له، وربط الموافقة بنتائج البعثات الدورية التي يرسلها سيرسلها لمراجعة مدى الالتزام بتنفيذ تلك المطالب
كذلك استهداف توجيه الجمهور للادخار بالجنيه المصري بدلا
من الدولار بسبب فارق سعر الفائدة لصالح الدولار، بالمقارنة بين فائدة شهادات ادخار
تبلغ 17.25 في المائة ببعض البنوك الحكومية لمدة ثلاث سنوات، وفائدة تبلغ 5.3 في
المائة لشهادات ادخار دولارية لمدة ثلاث سنوات، بسبب حصول الذين احتفظوا بالدولار
على مكاسب بلغت 57 في المائة، منذ بداية العام وحتى الأسبوع الماضي حسب الأسعار
الرسمية، وتزيد النسبة عن ذلك مع حسابها بأسعار السوق الموازية.
ويعزز تفسير صغر قيمة القسط الفوري إلى 347 مليون دولار
فقط، بسبب امتعاض الصندوق من بطء التنفيذ لمطالبه، قيامه بتأجيل الموافقة على
القرض البالغ مليار دولار من صندوق المرونة والاستدامة التابع له، وربط الموافقة
بنتائج البعثات الدورية التي يرسلها سيرسلها لمراجعة مدى الالتزام بتنفيذ تلك
المطالب، رغم إقرار الصندوق بكبر حجم الفجوة الدولارية الحالية
عما كان يقدرها أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حين ربط موافقته على القرض على
مستوى الخبراء بحصول مصر على خمسة مليارات من الدولارات من الدول والمؤسسات
المالية، خلال العام المالي الذي ينتهي بنهاية حزيران/ يونيو المقبل، بينما رفع
تلك القيمة خلال اجتماع يوم الجمعة الماضي إلى 14 مليار دولار خلال نفس الفترة.
وكان رئيس الوزراء المصري قد صرح قبل أسبوع بأنه قد تم السعي
لتدبير الاحتياجات من العملات الأجنبية، حتى نهاية العام المالي الحالي الذي ينتهي
آخر حزيران/ يونيو المقبل، دون تحديد قيمة تلك الاحتياجات.
استمرار السوق الموازية بالشهور المقبلة
قيمة القسط البالغة 347 مليون دولار، تشير إلى أنها لن تساهم في حل أزمة نقص العملات الأجنبية المستمرة منذ آذار/ مارس الماضي وحتى الآن، مما يعزز التوقعات باستمرار السوق الموازية للدولار حتى النصف الثاني من العام المقبل
إلا أن قيمة القسط البالغة 347 مليون دولار، تشير إلى أنها
لن تساهم في حل أزمة نقص العملات الأجنبية المستمرة منذ آذار/ مارس الماضي وحتى
الآن، مما يعزز التوقعات باستمرار السوق الموازية للدولار حتى النصف الثاني من
العام المقبل.
ومن الشواهد على ذلك أن قيمة العجز بين صافي الأصول والالتزامات
بالعملات الأجنبية، تجاه غير المقيمين بالجهاز المصرفي المصري خلال تشرين الأول/
أكتوبر الماضي بلغت 22.8 مليار دولار، منها تسعة مليار دولار في البنك المركزي، أي
بأكثر مما لديه من احتياطيات، و13.8 مليار دولار لدى البنوك السبعة والثلاثين العاملة في مصر.
وفيما يخص ميزان المدفوعات المصري في العام المالي
2021/
2022، والمنتهي بنهاية حزيران/ يونيو الماضي، فقد بلغ العجز به 10.5 مليار
دولار، كفرق بين موارد بلغت 162.6 مليار دولار ومدفوعات بلغت 173.1 مليار دولار، لكنه
باستبعاد
القروض والودائع الأجنبية من الموارد، وكذلك استبعاد الأموال الساخنة التي
خرجت من المدفوعات، والبالغة 21 مليار دولار، نظرا لتصور عدم تكرار هذا القدر
الكبير لخروجها، يصبح باقي العجز بين الموارد والمدفوعات 26.4 مليار دولار، أي
بمتوسط شهري 2.2 مليار دولار.
ومن هنا كان إصرار الصندوق على الحصول على 14 مليار
دولار من دول ومؤسسات دولية وإقليمية خلال الشهور الستة المقبلة لتغطية الفجوة،
لكن النظر إلى تفاصيل الاحتياجات التمويلية يشير إلى أن قسط الصندوق خلال الأجل
القصير لن يحقق الاستقرار لسعر الصرف، حيث بلغ العجز في الميزان التجاري في العام
المالي الأخير 43.3 مليار دولار، أي بمتوسط شهري 3.6 مليار دولار. وهنا سيرد البعض
بأن فائض الميزان الخدمي وتحويلات المصريين في الخارج، قد ساهما في بلوغ قيمة
العجز بميزان المعاملات الجارية، الذي يتضمن موارد ومدفوعات التجارة السلعية
والخدمية والتحويلات وفوائد
الاستثمارات إلى 16.6 مليار دولار.
وهنا نذكر بأن تحويلات المصريين في الخارج قد تراجعت
قيمتها في الشهور الأخيرة بسبب توجه جانب منها للسوق الموازية، ولن تعود تلك
التسربات للبنوك إلا بعد القضاء عل السوق الموازية، وكذلك تذكر بلوغ مدفوعات دخل الاستثمار
الأجنبي في مصر في العام المالي الأخير 16.8 مليار دولار، وكذلك بلوغ المدفوعات
الخدمية 15.7 مليار دولار، وهي أرقام لا يتوقع انخفاضها بقدر كبير في الشهور
المقبلة.
تصدير الغاز الطبيعي يقابله استيراد المازوت
وبالطبع سيقول البعض أن إيرادات التصدير وقناة السويس
والاستثمار الأجنبي المباشر، ستساهم في زيادة الموارد الدولارية خلال الشهور
المقبلة، وبالتالي التعجيل بحل أزمة نقص العملات الأجنبية. وهنا نشير إلى بيانات
جهاز الإحصاء المصري الخاصة بالتجارة الخارجية خلال الشهور التسعة الأولى من العام
الحالي، والتي أشارت إلى زيادة الصادرات بنحو 8.1 مليار دولار عن نفس الشهور من
العام الماضي.
تلك الزيادة كانت قادمة من صادرات والغاز نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية لها، بينما انخفضت قيمة الصادرات غير البترولية بنسبة 14 في المائة عن قيمتها خلال نفس الشهور من العام الماضي، وذلك بسبب قيود الواردات التي قللت من حصول الكثير من الشركات على المواد الخام ومستلزمات الإنتاج
لكن تلك البيانات أشارت إلى أن تلك الزيادة كانت قادمة
من صادرات والغاز نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية لها، بينما انخفضت قيمة الصادرات
غير البترولية بنسبة 14 في المائة عن قيمتها خلال نفس الشهور من العام الماضي،
وذلك بسبب قيود الواردات التي قللت من حصول الكثير من الشركات على المواد الخام
ومستلزمات الإنتاج، وهي المشكلة التي استمرت خلال الشهور التالية لتلك البيانات
خلال باقي العام الحالي، ولا يتوقع إنهاؤها قبل بضعة شهور.
وإذا كانت قيمة الصادرات قد زادت مع زيادة الأسعار
العالمية، فقد زادت قيمة الواردات بنفس الوقت ولنفس السبب رغم إجراءات التقليل
منها، ليصل العجز في الميزان التجاري خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي
33.5 مليار دولار، أي أنه إذا استمرت نفس المعدلات للعجز خلال باقي شهور العام،
فإن رقم العجز التجاري السلعي مرشح لبلوغ 44.6 مليار دولار.
وإذا كانت الصادرات البترولية والغازية قد استحوذت على
نسبة 49 في المائة من إجمالي الصادرات في الشهور التسعة، مقابل نسبة 51 في المائة
للصادرات غير البترولية، فإن نصف قيمة تلك الصادرات تذهب للشريك الأجنبي بحكم الاتفاقيات
المعقودة معه عند البحث والتنقيب. كما ساهم في رقم صادرات الغاز الطبيعي البالغة 7.1
مليار دولار، استيراد غاز إسرائيلي بقيمة 1.3 مليار دولار لتسييله وإعادة تصديره خلال
الشهور التسعة.
الحديث من قبل الصندوق قد تكرر مع قرض عام 2016، لكنه لم يتحقق عمليا مع كل من الصادرات والاستثمار المباشر. فما بالنا بظروف دولية حاليا أكثر صعوبة لكليهما، مع توقعات الركود وانخفاض النمو في العديد من الدول المستقبلة للصادرات المصرية، وانخفاض توقعات خروج الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول الكبرى بسبب الاضطرابات العالمية الحالية، ووجود تصنيف بنظرة مستقبلية سلبية
كما أنه إذا كان قد تم إجبار شركات توليد الكهرباء
المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي محليا، على التحول من استخدام الغاز الطبيعي إلى المازوت
لتوفير الغاز للتصدير، فإن قيمة الواردات من المازوت قد زادت في نفس الوقت، إلا أن
البيانات لم تذكر الرقم منفردا لكنها تذكر مجمل واردات المشتقات البالغة 5.2 مليار
دولار وواردات الخام البالغة 3.6 مليار دولار في الشهور التسعة.
ومع زيادة دخل قناة السويس بنحو 1.1 مليار دولار خلال
العام المالي الأخير ليصل إلى 7 مليار دولار بالمقارنة بالعام المالي الأسبق، فإن
دخل قناة السويس قد مثّل نسبة 4.3 في المائة من إجمالي الموارد.
وإذا كان صندوق النقد قد ذكر في بيانه للموافقة على
القرض المصري، أن خفض
صرف الجنيه سيساهم في زيادة كل من الصادرات السلعية والاستثمار
الأجنبي المباشر، فإن نفس الحديث من قبل الصندوق قد تكرر مع قرض عام 2016، لكنه لم
يتحقق عمليا مع كل من الصادرات والاستثمار المباشر. فما بالنا بظروف دولية حاليا أكثر صعوبة لكليهما، مع توقعات
الركود وانخفاض النمو في العديد من الدول المستقبلة للصادرات المصرية، وانخفاض
توقعات خروج الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول الكبرى بسبب الاضطرابات العالمية
الحالية، ووجود تصنيف بنظرة مستقبلية سلبية من قبل وكالتي التصنيف الدولي موديز
وفيتش لمصر.
twitter.com/mamdouh_alwaly