وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن العملية التي نفذها خيري علقم في النبي
يعقوب في القدس المُحتلة، بأنها "هجوم على العالَم المُتَحَضِّر"،
وأكَّد دعمه المطلق "لإسرائيل" في الأيام القادمة، في إشارة واضحة تعني
إطلاق يدها في قتل
الفلسطينيين، واتخاذ ما تراه من إجراءات انتقامية ضدّهم.
وأدان
متحدث رسمي أمريكي العملية أيضاً وأَسِف لسقوط ضحايا في جنين في أثناء عملية
إسرائيلية ضدّ الإرهاب.. وهب العالم الغربي هبَّة واحدة، وبسرعة وشدة لافتتين،
يدين ما جرى في القدس بعبارات شديدة، مُناصِرة لـ "إسرائيل" وحازمة،
ويقدم التعازي بقتلى العملية.. وردد وزير الأمن القومي "الإسرائيلي"،
الإرهابي الفاشي إيتمار بن غفير، في أثناء تفقّده لموقع الحادث في النبي يعقوب
شعار الصهاينة المُعْلَن: "الموت للعرب"، ووعد مع نتنياهو بالردّ القاسي
الثقيل على العملية وبتسليح اليهود ليقتلوا الفلسطينيين.
منذ بداية العام الحالي 2023 وحتى نهاية يوم 27 من شهر كانون الثاني/
يناير، قتلت حكومة نتنياهو النازية المتطرفة دينياً، واحداً وثلاثين فلسطينياً كان
آخرهم تسعة شهداء في مخيم جنين، وجرحت واعتقلت المئات من الفلسطينيين وهدمت بيوتاً
وشردت عائلات وأعلنت عن برنامج استيطان موسع يبدأ بـ "18000 وحدة سكنية في
الضفة الغربية والقدس المحتلتين.. ولم نسمع من الرئيس بايدن ممثل
"المُتحضِّرين"، ولا من غيره من رؤساء ومسؤولين ودول غربية في العالم
"المُتحضِّر".. لم نسمع منهم شجباً ولا إدانة لجريمة
"إسرائيل" في مخيم جنين التي راح ضحيتها تسعة فلسطينيين وعشرات الجرحى،
وحدثت قبل يوم واحد من العملية في النبي يعقوب التي جاءت رداً مباشراً على عملية
مخيم جنين، وقام بها فلسطيني منفرد هو الشهيد خيري علقم..
بل سمعنا من أولئك وصفاً للفلسطينيين بالإرهابيين، وصراخاً من وزير،
هو "العنصرية والفاشية والإرهاب والإجرام" يُدعى إيتمار بن غفير يقول: "الموت
للعرب"، ومطالبة من أتباعه وأتباع سموترتش وكاهانا حي وباروخ غولدشتين وغيرهم
من المستوطنين المتوحشين.. بقتل الفلسطينيين وترحيلهم من فلسطين، ورأينا احتفالات
ليهود بجريمة جيش
الاحتلال الصهيوني وشرطته المجردين من الأخلاق في جنين ومخيمها..
ولم تصدر دعوة من دولة مُتحضِّرة ولا من دولة غير متحضِّرة، "حسب مفهوم بايدن
للتَّحضُّر؟!".. أيّةُ إدانة لكيان "القتل والعنصرية والإرهاب الفاشي
إسرائيل"، ولا دعوة لها بالتوقف عن قتل الفلسطينيين واعتقالهم وترويعهم
والتنكيل بهم ومصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم، وهم الواقعون تحت الاحتلال الصهيوني
الهمجي منذ سبعة وسبعين عاماً..
منذ بداية العام الحالي 2023 وحتى نهاية يوم 27 من شهر كانون الثاني/ يناير، قتلت حكومة نتنياهو النازية المتطرفة دينياً، واحداً وثلاثين فلسطينياً كان آخرهم تسعة شهداء في مخيم جنين، وجرحت واعتقلت المئات من الفلسطينيين وهدمت بيوتاً وشردت عائلات وأعلنت عن برنامج استيطان موسع يبدأ بـ "18000 وحدة سكنية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين..
ولم نسمع عن
مواقف ضد الحكومة الصهيونية الدينية المتطرفة التي تعلن
عن مشروعها الذي يستهدِف القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وأهلها، وعن ترحيل
الفلسطينيين والقضاء عليهم لأن "الفلسطيني الطيب بنظر الصهاينة هو الفلسطيني
الميت.؟!".. وقتل الفلسطينيين هو شعار وبرنامج وهدف حكومات الكيان الصهيوني
منذ إقامته.. برنامج اليمين واليسار والوسط وما بين كل منها.. فكل حكومة صهيونية
تسْبَح بالدم الفلسطيني لتبلغ الضفة الغربية لنهر الأردن، وتسيطر على ما بين
الشاطئ الفلسطيني في شرق المتوسط ونهر الشريعة / نهر الأردن.. وحكومة لابيد ـ
بينيت التي يسمونها الأضعف من بين حكومات "إسرائيل" قتلت في عام 2022
وحده ما يقرب من 300 فلسطيني، وجرحت واعتقلت وسجنت المئات، وروعت الأُسر
الفلسطينية ليلاً ونهاراً واستمرت في الاستيطان واضطهاد الأسرى..!! وحكومة نتنياهو
الصهيونية ـ التلمودية المتطرفة كان فعلها الإجرامي استمراراً متفوِّقاً لإجرام
وإرهاب حكومة لابيد ـ بينيت وسواها من حكومات أحزاب " إسرائيل" منذ
إنشائها بالتآمر والإرهاب والعدوان والقتل.
أيكون ذلك يا تُرى لأن التَّحضَّر، بمفهوم المُتحضِّرين، هو الانحياز
المطلق للعنصرية والعدوان والاحتلال والإرهاب والإجرام والاضطهاد، و"لإسرائيل"
من بين الدول وللصهاينة من بين الخلق؟! أم أن ذلك هو ما تمليه الشراكة التامة في
الفعل الصهيوني ـ الاستعماري ـ الإجرامي ـ العنصري الذي استهدف العرب والمسلمين
ويَستهدفهم ابتداءً من فلسطين والفلسطينيين.. والشراكة تملي شروطها ومصالحها
وقيمها وتحقق أهدافها، والشريك في القتل والاستعمار والاضطهاد وفي النظرة العنصرية
لا يدين نفسه؟! إن تلك الأفعال والمواقف المتواترة منذ قرن من الزمان على الأقل،
وتلك المفاهيم التي تغلفها أو تسوِّغها وتروجها دول كبرى مسؤولة ورؤساء كبار،
تستدعي طرح السؤال: هل الدم البشري متساوٍ في القيمة والحُرْمَة؟! وهل حياة البشر
مصونة بصرف النظر عن اللون والعرق والجنس والدين واللغة و.. و.. ؟! وهل من
التَّحَضُر هو ازدواجية المعايير "معيار لنا وآخر لغيرنا."؟!
إن استمرار هذا النهج معادٍ للقيم الإنسانية الجوهرية الشاملة للجنس
البشري، ويشير إلى اعتماد مفهوم غير صحيح للتحضُّر وللديمقراطية التي جوهرها
المُساواة على الخصوص.. تلك التي يَشنُّ المُتحضِّرون حروباً على دول وشعوب في
العالم باسمها، ويتدخلون في الشؤون الداخلية للدول من أجل تطبيقها وبذريعة الدفاع
عنها.. ذلك لأن من أهم أسس ومقومات وقيم الديمقراطية المساواة.. وهم ينتهكون
المساواة بعنصرية فاقعة، وتمييز وعزل عنصريين تاريخيين، وبممارسات بغيضة ترخِصُ
كرامة وحياة البشر الذين يستهدفونهم بتآمرهم، وحروبهم، وقواهم.. وينهبون ثرواتهم
وجهودهم ويفقرونهم ويشردونهم من ديارهم ويجلونهم يعيشون في البؤس الفاقة بلا حقوق
ولا كرامة، ويقتلونهم شر قتل.
عجيب ما يقوله أولئك "المُتحضِّرون وما يفعلونه، وعجيب تفكيرهم
وما يرسمون، وحكمهم وما يحكمون.. وعجيب مفهومُهم المزدوج، وحصره بـ " تحضر
عنصري ـ انتهاكي للإنساني في جوهره، وإجرامي في نتائجه..". مفهوم يجيز لهم
استباحة الآخرين، وأن يفترسوا أفراداً وجماعات، شعوباً وأوطاناً، ممالك
وجمهوريات.. بوحشية وهمجية؟! وعجيب استمرارهم في اتباع هذا النهج رغم انكشاف خطَئه
وزيفه وإفلاسه الأخلاقي، وعجيبة نظرتهم إلى الناس من فوق بازدواجية يقرونها
ويمارسونها بكبر مقيت ومتاجرتهم بقيم أخرى.
على أنه يتوجب عليَّ، من باب الدقة والإنصاف أن أتحرَّز فلا أعمم..
فليسوا كلهم سواء.. فهناك مفكرون ومثقفون ومبدعون ومناضلون حقيقيون وحقوقيون
وأحرار في تلك المجتمعات والدول، انتقدوا ازدواجية المعايير، والخطأ في المفاهيم،
وناضلوا ضد العنصرية والعزل والعنصري، ولهم دور عالمي واضح في العلم والمدنيَّة
والثقافة والحضارة.. وهم يرفضون ما يتنافى مع مفهوم المساواة والحق والعدل
والإنصاف، ومع الديمقراطية الحقيقية وشرعة حقوق الإنسان، ومع القيم الأخلاقية
والإنسانية التي تشمل الناس كافة الذين يجمعهم الشرط الإنساني والمصير الإنساني،
بصرف النظر عن اللون والعرق والجنس والدين واللغة.. وأقدر أن الآخرين الذين لم
يستجيبوا لدعوة أولئك الدعاة، هم بشر يدركون ويميزون بين السوي وغير السوي من
الأمور والأشخاص والسلوك، ويدركون جيداً أن المَفهوم الدقيق والسليم للتحضُر
والحضاري أشمل من "التَّمدن والتقدم المديني، لأنه ينطوي على التقدم "
المادي والمعنوي، ويتضمن فيما يتضمن "العقلاني والأخلاقي والقيَمي والإنساني
والروحاني، وليس فقط التقدم "العمراني ـ العلمي ـ التقني ـ المعلوماتي،
وامتلاك القوة التدميرية التي تهدد الحضاري والإنساني.
كل ما جاء به بلينكين وما صرّح به في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو يوم
الاثنين ٣٠/١/٢٠٢٣ لم يخرج عن دعم إسرائيل والالتزام بأمنها وتفوقها، وتحقيق
مطالبها في توسيع دائرة المعترفين بها والمطبعين للعلاقات معها، وتفعل " ما
يسمى " اتفاق إبراهام" لهذه الغاية، والتركيز على المملكة العربية ليشمل
السعودية ودول الخليج بالدرجة الأولى.
فالولايات المتحدة الأمريكية لا تعارض جدياً الأهداف والخطط والبرامج
التي أعلنتها حكومة الصهيونية الدينية المتطرفة التي يقودها نتنياهو، لكنها تريد
مرحلية ملائمة تراعي مصلحة "إسرائيل" على المدى الطويل، وتأخذ بعين
الاعتبار أولويات وأوضاعاً أميركية وإقليمية ودولية تفرضها الحرب الروسية ـ
الأوكرانية، والاستقطاب الدولي الحالي الذي تعمل عليه إدارة بايدن. في رام الله
طلب بلينكين من السلطة الفلسطينية أن تشكل قوة في جنين ونابلس تتصدى لمن يقاوم
الاحتلال الإسرائيلي؟! وقدمه لها كلاماً أميركياَ مُعاداً لا يُلزم
"إسرائيل" بشيء، ولا تعمل إدارة بايدن على الزامها به.. ولن يغير شيئاً
في الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني على أرض الواقع، وهو ما عرفناه
وخبرناه واختبرناه منذ عقود من الزمن.. أمَّا تقديم إدارة بايدن مبلغ خمسين مليون
دولار دعماً للأونروا الذي أعلنه بلنكن للرئيس عباس، فهو مقايضة مقابل إعادة
التنسيق الأمني بين السلطة وكيان العنصرية والتطرف والإرهاب "إسرائيل"
الذي ربما توقف لأيام بعد جريمة مخيم جنين، والولايات المتحدة تحرص على استمراره
لأنه في خدمة "إسرائىل".
لا أشك في أن السلطة الفلسطينية تدرك جيداً المرامي الأمريكية
القريبة والبعيدة، وأن إدارة بايدن، مثل إدارات أمريكية غيرها، شريك "لإسرائيل"
وداعم لها، وأنها تذكر كما علينا جميعاً أن نذكر ونتذكر "تعهد الرئيس
الأمريكي جو بايدن في "إعلان القدس" الذي وقعه مع يائير لابيد، بالتزام
بلاده الدائم بأمن إسرائيل ودعمه لتفوقها العسكري بالمنطقة"، وبأنه قال بملء
الصوت: "إنه صهيوني صهيوني." وأن أي مَسٍّ بإسرائيل ومصالحها هو مسٌّ
بالولايات المتحدة الأميركية وأمنها ومصالحها. وكل جهود بايدن وإدارته، شأنه وشأن
إدارته في ذلك شأن الرؤساء والإدارات الأمريكية السابقة، تصب في خدمة المشروع
الاستيطاني ـ التهويدي ـ الصهيوني ـ التلمودي، وفي العمل على تمزيق الفلسطينيين،
والقضاء على إرادتهم ومقاومتهم وعلى روح الصمود لديهم، وعزلهم عن أمتهم، واجتثاثهم
من وطنهم التاريخي فلسطين.
ما ينبغي أن يدركه العرب بعد ثمانية وسبعين عاماً من الاستهداف للأمة العربية بالمشروع الصهيوني، وما ينبغي أن يعيه بصورة خاصة عربٌ يستَهدَفون بالمخطط الأمريكي ـ الصهيوني الجديد المسمّى "اتفاق إبراهام"، ذلك "اللغم السياسي" الذي يشبه لغماً نووياً في الحياة السياسية العربية يتوجب كشفه وفضح أهدافه
لقد طالب نتنياهو بلينكن بإنجاز اختراقات سياسية كبيرة في المجال
الدولي العربي، من شأنها أن توسع دائرة المنضمين إلى ما يُسمَّى "اتفاق
إبراهام"، أي المعترفين بإسرائيل والمطبيعين لعلاقاتهم معها والمتخلين عن
الشعب الفلسطيني.. لأن من شأن ذلك أن ينهي البعد العربي للصراع مع الصهيونية حول
فلسطين، ويلغي وجود قضية فلسطين بوصفها قضية مركزية للنضال العربي، ويجعل
الفلسطينيين وحيدين معزولين محاصرين يائسين، الأمر الذي يضطرهم إلى الاستسلام
التام " لإسرائيل"، والتسليم بأنها دولة يهودية في فلسطين التاريخية
كلها.. وبهذا تنهي وجود الشعب الفلسطيني في وطنه بالإبادة والترحيل والتشريد.
إن هذا ما ينبغي أن يدركه العرب بعد ثمانية وسبعين عاماً من
الاستهداف للأمة العربية بالمشروع الصهيوني، وما ينبغي أن يعيه بصورة خاصة عربٌ
يستَهدَفون بالمخطط الأمريكي ـ الصهيوني الجديد المسمّى "اتفاق
إبراهام"، ذلك "اللغم السياسي" الذي يشبه لغماً نووياً في الحياة
السياسية العربية يتوجب كشفه وفضح أهدافه، وفضح عرابيه والداخلين فيه، وسحبه من
التداول، والقضاء عليه كلياً.. لكي تبقى علاقات عربية، ومواقف عربية، ونضال عربي
من أجل قضايا عربية على رأسها قضية فلسطين، ويعود الصراع مع المحتل الصهيوني إلى
حقيقته صراعاً عربياً صهيونياً وليس فلسطينياً صهيونياً، ولينتهي التهويد والتدنيس
الصهيوني في القدس والخليل وكل فلسطين، وحصار الفلسطينيين وعزلهم، ويتوقف مسلسل
قتلهم واضطهادهم وهدم بيوتهم والاستيلاء على أرضهم، وتمزيقهم وتمزيق الأمة من
خلالهم تمزيقهم.
إن تلك مسؤولية أخلاقية وقومية وإنسانية.. وإن وعياً عربياً بذلك يجب
أن يفرض الإلتزام العربي بقضية فلسطين وشعبها بوصفها قضية مركزية في النضال
العربي.. وهذا يقتضي نقض الاعتراف بدولة العدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معها،
والتخلص من التبعية للأميركي المعادي للأمة العربية، واستعادة وحدة الصف والموقف
والرؤية العربية، وبناء قوة عربية تحمي وتحرر، قبل فوات الفوت ومواجهة أشكال
التبديد وأشكال الإفناء والموت.