بعد ساعات من
حدوث كارثة
الزلزال ومتابعة أخبارها لحظة بلحظة، وحين مطالعة
المشاهد المأساوية
عبر الشاشات للبيوت المهدمة والخارجين من تحت الأنقاض، لم أتمالك نفسي حيث ظننت أن
هذه المشاهد هي أصعب المشاهد وأبشعها، وبعد مرور أسبوع على الكارثة أجمعت أمري
واتخذت قراري بالرحيل.. الرحيل إلى هناك، حيث أكون في قلب الحدث، وأنا على يقين أن
مَن رأى ليس كمَن سمع!
رتبت حقيبتي
وانطلقت، وهناك كانت المفاجأة، ما رأيته عبر الشاشات لم يعْد إلا أن يكون هامشا
بسيطا من الحقيقة، فالبيوت مهدمة عن آخرها، مدن كثيرة تساوت بالأرض، الناس في حالة
ذهول من هول الصدمة وكأنهم في حلم وغير مصدقين لما حدث.
في غازي عنتاب،
شوارع مظلمة، بيوت مكحلة بالسواد، الهدوء الموحش يخيّم على المكان، تساءلنا أين
الناس؟! فكانت الإجابة.. الناس في المدارس، في المساجد، في الحدائق، في الخيام!!
ومع أذان الفجر
دخلنا المسجد، فإذا به ممتلئ بالرجال والنساء والأطفال جميعهم في مكان واحد،
يفترشون أرضه ويلتحفون بسقفه، مسلّمين أمرهم لخالقهم فلا ملجأ منه إلا إليه.
وفي عثمانية،
المدينة بأكملها في الشوارع، افترش الناس الخيام، يحاولون التعايش مع الوضع رغم
فقدان كل شيء، يتسامرون رغم الجراح، يلاعبون أطفالهم رغم الألم، يبحثون عن بيت يؤويهم،
أو لحاف يحتويهم.
أما الريحانية،
فمن أقل الأماكن تأثرا بالزلزال فلم يسقط إلا الفندق ومسرح بجواره، لكن رغم ذلك
الذهول يعم المكان، يهرع الناس إلى الشوارع مع أي هزة ارتدادية، تتلاقى العيون
وتتجهم الوجوه مع سماع أي صوت غريب، منظمات إغاثية، ولجان شعبية تحاول الدعم
والإغاثة.
وفي الطريق.. الأسفلت
متصدع، حُفَر عميقة جراء الهزة الأرضية القوية، انشقاق الأرض في مشهد من مشاهد
القيامة، وكذلك مساحات شاسعة يقف عندها رجال الأمن وبجوارهم بعض الأشخاص، فإذا بها
مقبرة جماعية تحمل أكثر من ثلاثة آلاف جثمان من
ضحايا الزلزال الذين لم يتم التعرف
على أهلهم، في مشهد تدمع له العيون وتخشع له القلوب.
أما أنطاكيا
فتعتبر من أكثر المدن تأثرا وتضررا من الزلزال، فقد تهدمت بيوتها وتصدعت أرضها
وتهدم فيها كل شيء.. شاب يقف شاردا يبحث عن والده المفقود، وسيدة تجلس بجوار حطام
بيتها شاردة بذهنها كأنها تفكر في حالها الذي تبدل في لحظة، رجال الإنقاذ يتحدثون
عن معجزات وحقائق لا تصدق رأوها بأعينهم في خروج أطفال وشباب ونساء بعد مرور أكثر
من عشرة أيام تحت الأنقاض!
هي بحق كارثة خلّفت
وراءها آلاف الضحايا، وكذلك تركت ملايين الذكريات في نفوس من عاشوا وعايشوا تلك
الأحداث، فليس من رأى كمن سمع!
انتهت الجولة
ولكن لم تنته القصة، ففصولها لم تكتمل بعد.