حالة من
السبات تعيشها المحادثات بين
إيران والدول الخمس (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا،
الصين، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) بعد إعلان واشنطن أنها شطبت إعادة الاتفاق مع طهران
من أجندتها، وسط إصرار كل من الطرفين على مطالبهما، متزامنا ذلك مع الصدام العسكري
الروسي- الأمريكي على الأراضي الأوكرانية، ما يجعل إبرام النظام الإيراني لأية
اتفاقيات نووية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وما يتبعها من صفقات اقتصادية يستعيض
الغرب من خلالها بالنفط الإيراني عن حليفها الاستراتيجي الروسي؛ مستحيلا، لتتجه الأنظار
إلى الشرق الأوسط، خاصة مع تشكيل الحكومة
الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين
نتنياهو
التي ضمت في بنيتها قادة عسكريين أقرب إلى الانسجام مع رؤيته السياسية؛ مثل وزير الدفاع
يوآف غالانت ورئيس الأركان أفيف كوخافي، في ظل التصعيد وتراشق التهديدات بين طهران
وتل أبيب والتحفز العسكري بينهما، مصحوبا بإجراء أكبر مناورات عسكرية في تاريخ الجيشين
بين حين وآخر.
تل أبيب وطهران تنافسان على الهيمنة الإقليمية:
العداء
الاستراتيجي بين الدولتين جزء منه غير مباشر يتمثل في طموح إيران بتطوير أسلحتها والسعي
لامتلاك أسلحة نووية وصواريخ بالستية بعيدة المدى، وقد يتم إمداد جماعات موالية لإيران
به، مثل حزب الله وجماعة الحوثي وحماس، ويشعل التنافس لسعي دول أخرى لتطوير منظومتها
العسكرية، والتكافؤ مع التميز النوعي والاستراتيجي الذي تنفرد به إسرائيل التي
لطالما وقفت عائقا بين صفقات سلاح سعت دول المنطقة لتوقيعها مع واشنطن وروسيا.
وهناك
جزء آخر مباشر يتمثل في التنافس بين النظام الإيراني والإسرائيلي على السيطرة على ساحات
اقليمية تُعد امتدادا أمنيا هاما مشتركا لكل منهما، مثل سوريا وجنوب لبنان وغزة، ما
جعل وقوع الصدام العسكري حتميا بينهما على هذه الأراضي في السنوات القليلة الماضية.
استراتيجية "مابام".. الحملة بين الحروب:
تقوم هذه
الاستراتيجية على تأخير نشوب الحرب الشاملة عن طريق إضعاف الأعداء وعرقلتهم عن تأسيس
بنية تحتية عسكرية، وتعزيز قوتهم وتأمين الظروف المثلى للاستعداد لنشوب الحرب الشاملة.
وقد طُبقت هذه الاستراتيجية بصورة أساسية ضد النفوذ الإيراني في سوريا وجنوب لبنان؛
كانت أشدها إيلاما قتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي
أبو مهدي المهندس في غارة أمريكية استهدفت مركبتهم في محيط مطار بغداد الدولي، فضلا
عن اغتيال علماء ذرةّ مثل فخري زادة، واستهداف منشآت نووية إيرانية أيضا كما حصل في
منشأة نطنز الحساسة، وكما هو الحال مع الغارة الإسرائيلية على دمشق منذ أيام وتردد
أنها استهدفت القيادي العسكري الإيراني إسماعيل قاني أثناء اجتماعه مع قيادة حركة
الجهاد الإسلامي.
وكذلك
لا يمكن فصل توقيع تل أبيب اتفاقيات سلام مع دول خليجية وسعيها لتتويج أخرى مع السودان
وتونس؛ فما هي إلا مساعي حثيثة لتوحيد قاعدتها العربية وتوسيعها في صراعها العسكري
مع إيران.
ومع استمرار
الرئيس بايدن في الحكم وجنوحه إلى الحل الدبلوماسي مع طهران لتجنب صراعات تزيد الوضع
الأمني الهش في الشرق الأوسط تعقيدا وتهدد المصالح الأمريكية، يُتوقع أن تستمر إسرائيل
في استراتيجيتها هذه بغطاء أمريكي أو بغض الطرف على الأقل، حتى وصول رئيس أمريكي ينسجم
والرغبة الإسرائيلية في توجيه ضربة عسكرية مباشرة لمنشآت إيران النووية، كما هو الحال
عند فور دونالد ترامب للرئاسة الذي انسحب من الاتفاق النووي وعمل على تشديد العقوبات
والتصعيد مع النظام الإيراني.
السيناريوهات
المتوقعة لشن الحرب
لطالما
صرح نتنياهو في فتراته الرئاسية السابقة أنه لا يعتبر بلاده ملزمة بأية حلول واتفاقيات
دبلوماسية بين الغرب وإيران، وأنه قد يجد نفسه مجبرا لاتخاذ مواقف وقرارات مستقلة في
سبيل ما أسماه حماية أمن إسرائيل الذي يهدد النظام الإيراني وجوده. إلا أن هناك انقساما
داخليا بينه وبين قيادات عسكرية، جنبا إلى جنب مع مسؤولين في الشاباك والمخابرات أمثال
غابي أشكنازي، وبيني غانتس، ويوفال ديسكين، ومئير داغان، الذين صرحوا في السابق برفضهم
أوامر بنيامين نتنياهو بتوجيه ضربات صاروخية لإيران، وذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك
بتأييد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في توقيعه للاتفاق النووي مع الحكومة الإيرانية
عام 2015، حيث رأوا فيه فرصة مهمة لاحتواء طهران ولجم خطواتها في تخصيب اليورانيوم،
واعتبارها عضوا فاعلا ومهما في المنطقة بدلا من حل عسكري محفوف بالمخاطر قد يقضي على
المنطقة بالكلية إذا ما اندلع.
إلا أنه
ومع التغيرات الهامة في العقيدة العسكرية بدعم من القطاع الديني القومي المتطرف، وحرص
نتنياهو على التخلص من معارضيه من قيادات المؤسسات الأمنية واستبدالهم بمقربين منه،
أصبحت الجبهة الداخلية الإسرائيلية موحدة بالكامل لعمل عسكري ضد مواقع نووية
إيرانية. انعكس ذلك في تصريحات أدلى بها مؤخرا رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي
ووزير الدفاع يوآف غالانت؛ يعلنان فيها جاهزيتهما لتنفيذ أية أوامر بخصوص ذلك.