نشر موقع "
وورلد بوليتكس ريفيو" الأمريكي تقريرًا تحدث فيه عن تسارع وتيرة الانحدار الديمقراطي في
تونس في الأشهر التي تلت تبني الرئيس قيس سعيّد سياسة الرجل الواحد في 25 تموز/ يوليو 2021، وسرعان ما بدأ في إقالة أعضاء مجلس الوزراء والبرلمان. ثم في سنة 2022، أعاد سعيد صياغة الدستور وأقره من خلال استفتاء في آب/ أغسطس ما أدى إلى مركزية سلطته.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن سعيّد قام بعد ذلك بتغيير قانون الانتخابات قبل الانتخابات البرلمانية في كانون الأول/ ديسمبر، ما أجبر المرشحين على الترشح كمستقلين، بدلا من القوائم الحزبية. ونتيجة لذلك، فقد قاطعت غالبية المعارضة التونسية الانتخابات، ما أدى إلى إضعاف البرلمان. وفي الوقت نفسه؛ ترأس سعيّد فترة تزايدت فيها القيود المفروضة على حرية التعبير وتزايد الشعبوية.
وأوضح الموقع أنه في الأسبوع الماضي؛ اعتُقل ثلاثة أشخاص انتقدوا سعيد علانية، ليرتفع العدد الإجمالي للمنتقدين المساجين إلى 12، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش". وتتراوح خلفيات الأشخاص المسجونين بين سياسيين معارضين وشخصيات من المجتمع المدني وصحفيين. لقد كان سعيد يلقي خطابات يصف فيها منتقديه بـ"الإرهابيين" ويصورهم على أنهم تهديد للأمن القومي، ما يمهد الطريق لفرض عقوبات قاسية على المعتقلين.
وأفاد الموقع بأن الأجهزة الأمنية والجيش التونسي يلتزمان حتى الآن بتأطير سعيد، فلم تتدخل مؤسسات الدولة هذه رسميا في السياسة، وكانت تنفذ برامج مختلفة لإصلاح قطاع الأمن منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في ثورة 2010-2011 في البلاد، ولكنهم لم يتجنبوا الممارسات التعسفية ضد المدنيين في السنوات التي تلت ذلك، وبعد إعلان سعيد عما أسماه "إجراءات استثنائية" في تموز/ يوليو 2021، استخدمت الأجهزة الأمنية القوة المفرطة ضد المتظاهرين الذين احتجوا على استيلائه على السلطة. وفي المقابل، فإنهم لم يتدخلوا عندما تم تنظيم مظاهرات مؤيدة لسعيد.
وبحسب الموقع؛ فإنه يخضع القضاء حاليا لسيطرة سعيد، وهو يتجاوز أيضًا صلاحياته المعتادة. وقد أفادت منظمة العفو الدولية عن محاكمة مدنيين في محاكم عسكرية، بمن فيهم أعضاء في البرلمان وصحفيون. وفي الأسبوع الماضي، مَثَل راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة المعارض، أمام محكمة مدنية بتهم تتعلق بالإرهاب بعد اتهامه بنعت الشرطة بـ"الطغاة". وهدد سعيّد القضاة علانية لمحاولة منعهم من تبرئة المتهمين بالإرهاب، قائلا إن القيام بذلك يجعل القضاة أنفسهم شركاء في أولئك الذين يشكلون خطرًا على أمن الدولة.
علاوة على ذلك؛ فإنه تم فرض قيود متزايدة على حرية التنقل، وقالت شخصيات من المجتمع المدني التونسي تحدث إليهم الموقع الأسبوع الماضي إنهم قلقون بشأن إمكانية اعتقالهم في المطار عند محاولتهم مغادرة تونس أو العودة إليها من الخارج، ويشعر البعض بالقلق من اكتشاف أنهم ممنوعون من السفر، فيما يختار البعض تجنب الظهور العام بدافع الخوف.
وأكد الموقع أن هذا يتناقض بشكل صارخ مع الوضع في تونس في العقد الذي سبق تموز/ يوليو 2021، عندما اختارت العديد من منظمات المجتمع المدني تونس كمركز لعملياتها الإقليمية لأنها وفرت مساحة أكبر لحرية الحركة والتعبير مقارنة بالدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبين الموقع أن أحدث مثال على قمع حرية التعبير هو اعتقال نور الدين بوطار، مدير المحطة الإذاعية الأكثر شعبية في تونس، "موزاييك إف إم". ولم يتم اتهام إلى بوطار - وهو من أشد المعارضين لسعيد - بالإرهاب بل بتهمة "غسل الأموال والإثراء غير المشروع". وفي كانون الثاني/ يناير، منعت السلطات التونسية الأمير هشام بن عبد الله العلوي - وهو عالم مشهور بآرائه الإصلاحية وابن عم الملك المغربي - من دخول البلاد عندما وصل إلى مطار تونس العاصمة؛ حيث كان من المفترض أن يشارك في مؤتمر حول الربيع العربي.
والخميس الماضي، زاد سعيد من حد التوترات بعد أن زعم أن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يصلون إلى تونس، جزء من مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية في البلاد. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدلي فيها سعيّد بمثل هذه المزاعم؛ فقبل يومين، خرج الناس في احتجاج عام على تصريحات مماثلة، حيث وصفها النقاد العنصرية؛ وهو وصف نفاه سعيّد.
ولفت الموقع إلى أن معظم المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين يأتون إلى تونس يحاولون استخدامها كبوابة إلى أوروبا بدلاً من السعي للاستقرار هناك، ولكن تونس لديها أقلية سوداء غالبا ما تتحدث عن تعرضها للتمييز على أساس العرق.
اظهار أخبار متعلقة
وخلص الموقع إلى أن الاتحاد الأفريقي نشر الجمعة رسالة ينتقد فيها "خطاب الكراهية العنصري" لسعيد، واحتج مئات المتظاهرين السبت في العاصمة تونس مدينين تصريحات سعيد، ويشعر الكثيرون في تونس اليوم بالقلق من مسار التعصب الذي يتبعه سعيد.
واختتم الموقع التقرير بالقول إنه مما يبعث على الطمأنينة أن شخصيات المجتمع المدني لا تعتقد أن الجيش التونسي قد ينخرط في أعمال عنف جماعية ضد الشعب في حال نُظّمت مظاهرات واسعة النطاق ضد سعيد.