أثار قرار الكنيست الإسرائيلي إلغاء قانون فك الانفصال عن
الفلسطينيين والسماح للمستوطنين بالعودة إلى أربع مستوطنات مخلاة شمال
الضفة الغربية؛ استياء شديدا من الفلسطينيين الذين اعتبروا أن كل هذه الإجراءات تهدف إلى تكريس
الاستيطان.
ويلغي مشروع القانون قرار الانفصال عن المستوطنات "غانيم" و"كاديم" و"حوميش" و"سانور" التي تم تفكيكها عام 2005 ضمن خطة الانفصال عن غزة، ما يعزز شرعنة بؤر استيطانية عشوائية شمال الضفة الغربية المحتلة.
وينص التشريع على إلغاء العقاب الجنائي المفروض على المستوطنين الذين يدخلون أو يقيمون في هذه المستوطنات الأربع الواقعة على أراض فلسطينية خاصة شمال الضفة الغربية، حيث كان ما يعرف بـ"قانون
فك الارتباط مع غزة" فرض عقوبات جنائية على المستوطنين الذين يحاولون الدخول أو الإقامة في تلك المستوطنات.
اظهار أخبار متعلقة
وتأتي المصادقة على هذا القانون بعد 18عاما من إخلاء المستوطنين من مستوطنة "غوش قطيف" التي كانت أقيمت جنوب قطاع غزة.
"خطأ تاريخي"
القانون الإسرائيلي الجديد بحسب المراقبين هو حلقة في سلسلة قرارات عنصرية تتخذها الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة اليمين المتطرف، وهو مقدمة لمزيد من القرارات التي تعزز الوجود الاستيطاني في الضفة.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد يرى في حديث لـ"عربي21" أن مصادقة الكنيست على موضوع إلغاء ما يسمى بقانون العودة إلى عدد من مستوطنات شمال الضفة، هي رسالة ليست فقط من مكونات الحكومة الحالية ولكن أيضا من جزء من المعارضة.
ويبني شديد تحليله على أنه تم الحديث عن ذلك من قبل الوزيرة الإسرائيلية "أوري تسروك" التي قالت بشكل واضح في مستوطنة "حومش" إن ما يحدث الآن هو "معالجة لخطأ تاريخي ارتكبه شارون ومعه مجموعة، أنهم انسحبوا من هذه المستوطنات"، مضيفة أنه "كما عدنا اليوم لحومش وغيرها فإننا سنعود إلى مستوطنات غزة التي أخليت في تلك الفترة".
الواقع السياسي الإسرائيلي الجديد بدأ يتبنى خطابا سياسيا مدعوما بسلوك ميداني، الأمر الذي يؤكد برنامجا سياسيا جديدا بديلا عن الخطاب القديم مثل حل الدولتين، بحسب شديد.
اظهار أخبار متعلقة
ويضيف: "هذه بداية لبرنامج سياسي جديد وهو أن الضفة لم تعد منطقة فلسطينية ولم تعد منطقة متنازعا عليها، إنما هي منطقة حيوية ومهمة مما يسمى أرض إسرائيل، وبالتالي فإن على حكومة إسرائيل والشعب اليهودي الإقامة أينما أراد وأينما شاء، بحسب رؤيتهم".
ادعاء كاذب
ومع اشتداد الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي عرفت باسم "انتفاضة الأقصى"، أصدر رئيس حكومة
الاحتلال آنذاك "أرئيل شارون" قرارا بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٣ بفك الانفصال عن الفلسطينيين عبر تفكيك أربع مستوطنات في شمال الضفة بداعي نقلها لمناطق أخرى، ولكن هل تم إخلاؤها بالفعل؟
الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي قال لـ"عربي٢١" إنه فعليا منذ عام ٢٠٠٢ وحتى اليوم فإن هذه المناطق التي يدعي الاحتلال أنه تم إخلاؤها ومن ضمنها مستوطنة "حومش"، لم يتم إخلاؤها فعليا.
الدليل على ذلك أن أي نشاط زراعي أو عمراني أو تطويري كانت تقوم به مؤسسات فلسطينية كان جيش الاحتلال يتدخل فورا ويمنع المواطنين من الحضور، وكان يتم اعتقال أي مزارع يتواجد في أرضه بتلك المنطقة، وبالتالي كله ادعاء كاذب بحسب ما يؤكد موقدي.
واعتبر أنه رغم ذلك فإن إلغاء قرار فك الارتباط لهذه المستوطنات وإعادة المستوطنين إليها قرار خطير جدا، لأنه يكرس الوجود الاستيطاني تحديدا في شمال الضفة والمستوطنات الأربع على وجه الخصوص، ويشكل حركة ترابط ما بينها ويسد الثغرة الاستيطانية في الضفة عبر تركيز المستوطنات في شمالها.
وأضاف: "كل مستوطنات الضفة متركزة في الأغوار والوسط والجنوب، ولكن الشمال فيها كثافة استيطانية قليلة، وفي حال تمت إعادة المستوطنين لشمال الضفة فهذا سيؤدي لشرخ كبير ونوع من التوازن الاستيطاني".
صفعة
ويرى المراقبون أن إلغاء إخلاء هذه المستوطنات هو رسالة قوية إلى جهات فلسطينية كانت تأمل في أن يتم إخلاء مستوطنات عديدة في الضفة وما زالت تؤمن بمشروع التسوية.
ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي جلال رمانة، لـ"عربي21"، إن من قام بتفريغ هذه المستوطنات هو "أرئيل شارون" الذي لم يكن منتميا لحزب العمل بل لحزب الليكود، وكان ملقبا باسم "بلدوزر الاستيطان" حيث الانتفاضة الثانية كانت في أوجها، ثم قام بتفريغ مستوطنات قطاع غزة أبرزها "غوش قطيف" وفرّغ أربع مستوطنات في الضفة وكان ينوي تفريغ 36 مستوطنة فيما بعد ليكون الجدار العنصري الفاصل هو خط حدودي يمكن أن يفاوض عليه كحدود دائمة.
اظهار أخبار متعلقة
وقام "شارون" حينها بإنشاء قانون في الكنيست يسمى قانون فك الانفصال، والآن قامت الحكومة الحالية بزعامة "نتنياهو" بإلغاء هذا القانون تمهيدا للعودة إلى هذه المستوطنات الأربع، وبالتالي إعادة بنائها من جديد.
ذلك يعني بحسب رمانة إعادة الثقة للفكر اليميني الذي يطرح أرض "إسرائيل" الكاملة من البحر للنهر واستحالة إيجاد الدولة الفلسطينية التي تعني تفريغ مستوطنات، فهم يريدون العودة للأيديولوجية الأولى التي سبقت شارون، وليثبتوا أن "إسرائيل" تعيش في أمان وغير مضطرة لتفريغ مستوطنات.
أما على النطاق الدولي فاحتج المجتمع الدولي وتم استدعاء السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية وتم توجيه توبيخ له وكذلك الموقف ذاته من الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني انتهاء فرصة لمن يؤمن بحل الدولتين وبالتالي استمرار الصراع واستمرار المقاومة، كما قال الخبير.
وأضاف: "هم يركزون على منتصف الضفة مثل مستوطنة أرئيل التي ترتبط مع الخط الأخضر ثم تصل إلى مستوطنات سلفيت وعلى رأسها ألون موريه وإلى دوار تفواح جنوبي نابلس الذي نسميه حاجز زعترة، وإذا تم السير شرقا فسيمرون على طريق "معاليه أفرايم" ثم ربط مستوطنات الأغوار ليصلوا إلى نهر الأردن، فمن هذا الخط بالوسط يربطون الساحل بالنهر، وهو تطبيق لأيديولوجيتهم بأن الضفة وحدة واحدة وهي جزء من إسرائيل".
وفي نهاية حديثه قال رمانة، إن مغزى هذا الأمر برمته هو أنه يجب أن يعلم الفلسطينيون خاصة السلطة، أنه إذا كان عندها أمل بتفريغ المستوطنات وزيادة مساحة الأراضي من "ج" إلى "أ" فهذا القانون جاء صفعة لها، وأنه ليس أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يقاوم الاحتلال سواء في الضفة أو في فلسطين التاريخية.