قال المؤرخ والحقوقي
المغربي، المعطي منجب، إن النظام يعتبر أي محاولة للتقارب بين تيارات الرأي العام والقوى السياسية المختلفة لتكوين قطب معارض موحد "خطا أحمر"، لأنه يرى في قيام أيّة جبهة تعددية معارضة "خطرا مميتا، خاصة أن مشروعيته في الحضيض، لا سيما خلال السنوات الأخيرة بعد التضييق الخانق على الحريات، وتدهور الأحوال المعيشية، وانفجار قضايا فساد صدمت الرأي العام، وبعد توقيع اتفاقات التطبيع مع إسرائيل".
وفي مقابلة خاصة مع "
عربي21"، أضاف منجب (62 عاما): "في كل مرة نتحرك لتنسيق الجهود من أجل لم شمل القوى الحيّة من أجل تشكيل تحالف ميداني لقلب ميزان القوى لصالح
المعارضة، ينزل القمع بكل ثقله تهديدا واعتقالا وتشهيرا".
وأشار المؤرخ والحقوقي المغربي، إلى أنه "لا توجد ديمقراطية بالمغرب الذي كان يحكمه إلى وقت قريب القصر
الملكي، أما الآن، ونظرا لأسباب صحية، فقد تراجع دور الملك إلى حد كبير، ونظرا لأن السلطة تأبى الفراغ فإن البوليس السياسي (الأمن السياسي) هو مَن يحكم اليوم".
وتابع: "الحل هو أن تتوحد المعارضة بكل فصائلها لفرض دستور جديد يمنع غير المنتَخبين ممارسة الحكم، ولخلق ديمقراطية يسود فيها الملك ولا يحكم، ولا بد من وجود دستور يضع حدا في فصل من فصوله وبكل وضوح لسيطرة البوليس السياسي الذي يتناوب على حكم البلاد مع القصر منذ ستينيات القرن الماضي".
يُشار إلى أن منجب ااعتقل احتياطيا أواخر عام 2020 على ذمة التحقيق في قضية "غسل أموال" لم تعطِ السلطات لحد الآن أي دلائل عنها، كما أن القضاء يرفض تقديم نسخة من ملف التهمة لدفاع منجب، وهو ما اُعتبر أمرا يتنافى مع القانون.
وصدر حكم قضائي بسجن منجب لمدة عام خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2021، في قضية أخرى تتعلق بتهمة "المس بالسلامة الداخلية للدولة"، وذلك في محاكمة جرت غيابيا وهو رهن السجن ودون إخباره بالجلسة أو إخطار محاميه، كما أن العدالة رفضت تعرض دفاع منجب عن الحكم الصادر غيابيا، والذي رأته جهات حقوقية حكما غير قانوني، لأن المتقاضي لم يستدع، بل كان بالسجن ولم يُحضره الأمن للمحكمة، كما يقتضي القانون. وانتقدت منظمات دولية ما وصفته التنكيل والتضييق الشديد بحق منجب.
فيما يواجه الناشط المعروف بانتقاداته الشديدة للسلطات المغربية حملات تشهير وهجوم "مُمنهجة" تقوم بها وسائل الإعلام القريبة من الأمن بشكل شبه دائم.
وفي 8 آذار/ مارس الماضي، دخل منجب في إضراب عن الطعام احتجاجا على "توقيفه الرسمي" عن العمل كأستاذ جامعي، وذلك على خلفية نشاطه الحقوقي وانتقاداته لسياسات النظام الحاكم، وخصوصا للدور المتزايد لأجهزة الأمن في تنظيم ومراقبة المشهد السياسي.
اظهار أخبار متعلقة
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما أبعاد قرار إيقافك بشكل رسمي عن العمل كأستاذ جامعي؟ وإلى ماذا انتهت تلك القضية؟
نعم، تم توقيفي رسميا عن العمل منذ حوالي شهر، وذلك على ما يبدو لسببين رئيسيين: أولا إعلان قراري بالالتحاق إلى جانب أربعة أو خمسة أصدقاء، كطرف معني، بالمحاكمة الجارية ببروكسل ضد برلمانيين أوروبيين مُتهمين بتلقي رشاوي للتغطية على خروقات حقوق الإنسان التي تقع بالمغرب.
أما السبب الثاني فهو لإرهاب استباقي ضد فئة المثقفين التي بدأت تتحرك، وإن باحتشام، ضد النظام بعد تعيين حكومة رجال أعمال وما نتج عن سياساتها من تدهور خطير في القطاعات الاجتماعية والأوضاع المعيشية وبعد التطبيع، وهو الأمر الذي صدم كل نخب المعرفة ذات الحس القومي أو الديني أو الإنساني، وهنا أشير إلى أن أغلب المثقفين يشتغلون كموظفين بالدولة ويخافون من قطع أجورهم وكأنه إجهاز على حياتهم تبعا لمقولة "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".
بطرده بعض الموظفين والصحفيين أو إيقاف أجورهم لعدة شهور أو تهميشهم، النظام يلوح بالعصا. في نفس الوقت يقدم الجزرة للفئات التي يمكنها أن تلعب دور المبادر أو دور قيادي في حركة المجتمع ضد الدولة هكذا تمت زيادة الأجور بشكل كبير للأساتذة الجامعيين الأعلى رتبة ودرجة ولأعضاء ما يسمى بمؤسسات الحكامة وفئات أخرى، بل إنه منذ 3 أيام وقعت فضيحة حقيقية هيجت الرأي العام؛ إذ أعلنت الحكومة في مرسوم أن بعض أعضاء "مجلس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة" سيتلقون تعويضات شهرية تصل لـ 7000 دولار أمريكي هذا على الرغم من الأحوال الاجتماعية بالغة السوء التي يعيش فيها الشعب.
وعلى الرغم من أن في كثير من الدول التي تعيش انتقالا ديمقراطيا وتوجد بها مثل هذه الهيئات، فإن أعضاءها القادمين من المجتمع المدني لا يتلقون أجورا منتظمة أو شهرية، بل فقط يعوضون عن الاجتماعات والتقارير التي يقومون بها وعما يدفعونه في النقل أو الفنادق لأجل الحضور للاجتماعات.
وهنا يجب أن أؤكد وألح أن أعضاء هيئة محاربة الرشوة ليسوا مسؤولين عن هذا الإهدار للمال العام، بل إنني أشعر أن بعضهم يمتعض.
مجموعة من الحقوقيين يزورن منجب أثناء إضرابه عن الطعام تعبيرا عن تضامنهم معه
في الواقع، الدولة هي المسؤولة، إنها تريد إرشاءهم حتى يتوقفوا عن محاربة الرشوة. الوضعية تكاد تكون نفسها في كل هيئات الحكومة والمؤسسات الحساسة، ولكن في نفس الوقت يُمنع عليها فضح الفساد المالي والسياسي الذي يرتع فيه النظام ونخبه، بل إن كل مَن تجاسر ليقوم بعمله يُعاقب أشد العقاب أو يُشهّر به.
وللتوضيح أكثر، أعطي مثالا: رئيس مجلس المنافسة الذي برهن تقريره منذ حوالي سنتين عن وجود فساد كبير وتفاهمات غير قانونية حول الثمن في قطاع المحروقات، والذي سرق من المستهلكين ملايين الدولارات في ظرف وجيز؛ فما كان من النظام إلا أن فصله من منصبه بطريقة لا تحترم الدستور. كما تم التشهير به في وسائل الإعلام الرسمية التي لم تعطيه حق الرد، بل لم تسأله حتى عن رأيه في ما وقع له.
اظهار أخبار متعلقة
دخلت قبل أيام في إضراب عن الطعام احتجاجا على ما حدث بحقك.. فهل هناك خطوات جديدة تعتزم اتخاذها رفضا لما جرى معك؟
أنا أبحث الآن عن عمل عن بُعد، لأني ممنوع من مغادرة التراب الوطني، كما قطعوا عني الأجر وجمّدوا حسابي وممتلكاتي، وإني أوجّه نداءً عبركم لكل المؤسسات البحثية أو الإعلامية التي تحتاج لمتخصص في ميداني، والتي تعمل بالعربية أو الإنجليزية أو الفرنسية.
الكاتبة والسيناريست خلود مختاري زوجة الصحفي المعتقل سليمان الريسوني تعلن عن تضامنها مع منجب أثناء إضرابه عن الطعام
ما الذي وصلت إليه محاولات التقارب بين تيارات الرأي العام لتكوين قطب معارض موحد ضد الحكومة؟
كل مرة يتم فيها تنسيق الجهود من أجل لمّ شمل القوى الحيّة حول برنامج أو كما نقول في المغرب "دفتر تحملات ديمقراطي"، وفي أفق تحالف ميداني لقلب ميزان القوى لصالح المعارضة، ينزل القمع بكل ثقله تهديدا واعتقالا وتشهيرا.
كانت آخر محاولة انطلقت نهاية عام 2019 وبداية 2020. حينها كان رد فعل النظام قاسيا؛ فبعد أسابيع من التشهير بالشخصية التي كانت تنظم اللقاءات بمنزلها بالرباط، تلقت هذه الشخصية مقاطع فيديو وصور حميمية مع زوجته. أُرسلت تلك المقاطع لحوالي مئة شخص من عائلتي الزوجين ومن أصدقائهما.
ولاحقا، اكتشفت هذه الشخصية أنه كانت هناك كاميرا ميكروسكوبية مثبتة بجهازي الكندشة (التكييف) بغرفة النوم وبالصالون، ثم أخبرنا الرفيق المعني بتوقفه المؤقت عن المشاركة في الاجتماعات التحضيرية لخلق القطب التعددي، وفجأة توقف التشهير به في المواقع القريبة من السلطة كموقع "شوف تيڤي" الرائد في ميدان الثلب والتهديد.
أصبحنا نجتمع في الدار البيضاء عند عضوين آخرين، اُعتقل أحدهما وهو صحفي معروف ولا زال بالسجن إلى اليوم، وذلك بعد أسابيع من الاجتماع الأخير في بيته خلال شهر أيار/ مايو 2020. سيعرف الرأي العام أن هاتف هذه الشخصية كان مُخترقا عبر التطبيق الإسرائيلي الخبيث "بيغاسوس" حوالي سنة بعد اعتقاله، أي عند نشر نتائج تحقيق منظمة Forbidden Stories (قصص محرمة)، بما يعني أن الأمن كان يسمع كل ما يجري في لقاءاتنا. عضو ثالث جرى اعتقاله أيضا في نفس السنة ليقضي ثلاثة أشهر بالسجن.
المعطي منجب مشاركا في مظاهرة حقوقية بالعاصمة الرباط خلال عام 2022
كنّا حوالي عشرة في البداية انسحب اثنان بعد هذه الضغوط والاعتقالات، ولهذا تفتت شملنا من جديد. حدث نفس الأمر، أي التشتت تحت الضغط سنة 2016 بعد حملة منع وتشهير ومتابعات قضائية، وكان قد حدث نفس الشيء بداية سنة 2008 حينما اُعتقلت 6 شخصيات إسلامية ويسارية واُتهمت بالإرهاب، بعد مشاركتها الفاعلة في لقاءات الحوار الإسلامي اليساري.
باختصار، هذا هو مصير محاولات التقارب العلماني الإسلامي بالمغرب خلال العقد ونصف الأخير؛ فكلما نبدأ بتحقيق نجاح ما على طريق التنسيق بين قوى المعارضة ضد الاستبداد "المخزني"، تنزل ضدنا الدولة بكل ثقلها الأمني والإعلامي والسياسي؛ فهي تعتبر قيام أيّة جبهة تعددية معارضة "خطا أحمرا"، بل وخطرا مميتا لأن مشروعية النظام في الحضيض، خصوصا خلال السنوات الأخيرة بعد التضييق الخانق على الحريات، وتدهور الأحوال المعيشية، وانفجار قضايا فساد صدمت الرأي العام، وبعد توقيع اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، وبعد تراجع شعبية حزب "العدالة والتنمية" الذي كان يُمثل تقريبا الامتداد الوحيد للنظام داخل المجتمع لمدة عقد كامل.
ألا توجد أي جهود جارية الآن لتوحيد المعارضة؟
لا يوجد حاليا أيّة محاولة لتوحيد كل قوى التغيير في جبهة واحدة. الخوف سيد الموقف. كما أن النظام يفتعل صراعات ونعرات لا تنتهي بين قوى المعارضة، إنه كذلك الذئب الذي يفتعل صراعا بين الخرفان ليأكلها واحدا بعد الآخر.
منجب يتحدث للصحفيين بالرباط يوم 9 آذار الماضي أثناء بداية إضرابه عن الطعام احتجاجا على فصله من الجامعة ومتابعته في عدة محاكمات بتهم مختلفة
دعا حقوقيون وأكاديميون ورموز مجتمعية في المغرب إلى وقف تطبيع الرباط مع إسرائيل، في ظل ارتفاع وتيرة الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والتعليمية التي تربط المغرب وإسرائيل.. ما دلالة ذلك؟
الشعب المغربي في أغلبيته الساحقة يؤيد القضية الفلسطينية بوفاء منقطع النظير، وذلك منذ "الثورة العربية الكبرى" خلال النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، والتي شارك فيها حجاج مغاربة، بل هناك قوى سياسية ومجتمعية تعتبر فلسطين قضية وطنية من صميم القضايا المغربية الأساسية. برّر النظام هذا التطبيع باعتراف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بمغربية الصحراء، لكن في تقريرها الحقوقي الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يبدو إن إدارة بايدن تتراجع تدريجيا عن موقف ترامب.
وماذا جنت الرباط من التطبيع مع تل أبيب إذن؟
خفف المخزن من نازلة التوقيع بتبرير الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على كامل تراب الصحراء. كان النظام يظن أن مساندة إسرائيل الدبلوماسية ستغنيه عن شركائه الأوروبيين، ولهذا دخل في صراعات مع فرنسا وألمانيا وإسبانيا ليظهر للمغاربة أنه يدافع عن السيادة، وأنه لا يتبع لأحد مهما كانت قوته، كان النظام بخصوماته الصبيانية المُفتعلة مع أوروبا يريد أن يعوض عن الخسارة الكبرى من حيث المشروعية، الخسارة التي يمثلها التطبيع.
اظهار أخبار متعلقة
نتنياهو، ولمصلحة إسرائيل، سخر من المغرب بوضعه لخريطة المغرب في مكتبه وهي مبتورة من الصحراء. وذلك للرد على الهيجان الحقيقي لإعلام السلطة بالمغرب الذي قضى أسابيع وهو يهلل أن المغرب دخل نادي القوى العظمى بتحالفه مع إسرائيل التي تتحكم حسب ادعائه في أمريكا بل وفي الكثير من الدول الغربية. وهذه مبالغة وتخريف بروباغندا لا غير. نتنياهو لا يفقد الأمل في فتح خط حوار مع الجزائر رغم رفض الأخيرة الرسمي لذلك. ولهذا وضع تلك الخريطة بمكتبه، وكما تقول صحافة اليمين الإسرائيلي "المغرب في الجيب" وصديق لأمريكا ولا حاجة للتضحية بشيء من أجل إرضائه.
بالعودة لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في المغرب والذي وجّه انتقادات حادة للنظام المغربي.. هل هذا التقرير يعني ضمنيا تخلي واشنطن عن دعم المغرب؟
المخزن المغربي زاد من قمعه للأصوات الحرة خلال الوباء وفي ظروف التقارب مع إسرائيل. واشنطن تريد أن تُذكّر الرباط أنها لا تعتبر الاتفاق الثلاثي المغربي- الإسرائيلي- الترامبي هو نهاية التاريخ ولا بدايته، وأن على النظام السلطوي احترام القانون والدستور وحريات الشعب المغربي، وذلك حتى لا يتزعزع الاستقرار بالبلاد وربما بالمنطقة؛ فواشنطن ليس في مصلحتها دخول المنطقة في نفس عدم الاستقرار الذي يهز الساحل الجار إلى الغرب وليبيا إلى الشرق. إدارة بايدن الديمقراطية حساسة كذلك لضغوط الإعلام والمنظمات الحقوقية الأمريكية التي تطالب بإيقاف القمع وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
الرئيس الجزائري قال، قبل أيام، إن العلاقات مع المغرب وصلت إلى "نقطة اللاعودة".. كيف ترى ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين؟
كلما تضعضعت مشروعية النظامين بهذين البلدين الجارين كلما لجأت عاصمتهما للمناوشات الإعلامية لترميم شعبيتهما، لكنهما لن يدخلا في حرب، لأن أي حرب قد تعني سقوطهما؛ فالشعبان المغربي والجزائري قريبان جدا ونرى ذلك في اللقاءات الرياضية؛ فهما يفتخران بانتصارات الجار رغم أن الإعلام الرسمي يتجاهلها.
هل قضية الصحراء تُعدّ قلب الخلاف بين البلدين؟
السبب الأساسي للتوتر الجزائري المغربي هو أساسا انعدام الديمقراطية في البلدين.
لكن لماذا تصر الجزائر على دعم جبهة البوليساريو؟
الرئيس الجزائري الكبير، الهواري بومدين، كان قد وضع رهن الاعتقال سنة 1973 مؤسس البوليساريو، لأنه كان يعتبر حركته خطيرة على استقرار المنطقة المغاربية، لكن تأييد ليبيا القذافي للبوليساريو ودعمها له دبلوماسيا وعسكريا والوهج الذي جنته طرابلس بفضل موقفها هذا في العالم الثالث، وخصوصا بإفريقيا التي تنحو منحى الاتحاد السوفيتي، جعل الهواري بومدين يتراجع عن موقفه المبدئي حول الوحدة المغاربية، كما أن مشاكل الحدود العالقة بين الجارين دفعت بعض قيادات الجيش الجزائري للنزول بكل ثقلها لصالح البوليساريو.
لنتذكر كذلك أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد دعا مرة قبل مرضه لإيجاد حل أراده "توافقيا"، وذلك باقتسام التراب بين المغرب والبوليساريو، أي ضمنيا أن يبقى الجزء الخارج عن الجدار المغربي تحت سيطرة البوليساريو التي عليها الاعتراف للمغرب بسيادته على بقية التراب. كذلك بعض قيادات الجيش وقفت بقوة ضد موقف بوتفليقة هذا. طبعا ليست كل قيادة الجيش ضد مغربية الصحراء، ولنتذكر أيضا تصريح الجنرال خالد نزار سنة 2003 أنه لا "يرى مكانا ولا ضرورة لدولة سادسة" بالمنطقة المغاربية.
ولماذا لا يوافق المغرب على استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية؟
الرباط لا تستطيع الموافقة على ذلك، لأن الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي تعتبر الصحراء مغربية 100%، ولنتذكر أن قيادة الاتحاد الاشتراكي، وهو الحزب الأكثر شعبية آنذاك، قد رفضت قبول الملك الراحل الحسن الثاني لمبدأ الاستفتاء سنة 1981.
كان هذا الموقف تهديدا خطيرا لمشروعية النظام، وحينها وضع الملك القائد السياسي البارز عبد الرحيم بوعبيد واثنين من رفاقه بالسجن بمنطقة نائية، وكانت تلك أول مرة يُعتقل فيها بوعبيد، وهو اشتراكي ملكي، ولكن وطنيته كانت تعلو على ملكيته. بسبب هذا التوتر بين الحزب والقصر وبسبب غلاء الأسعار انفجر الغضب الشعبي عبر مظاهرات حزيران/ يونيو 1981، وقُتل المئات من المغاربة بالدار البيضاء وبغيرها من المدن ليُدفنوا في مقابر جماعية.
هناك حالة ترقب في المغرب بشأن مدى إمكانية انعكاس الاتفاق بين السعودية وإيران على مستقبل العلاقات بين الرباط وطهران المقطوعة منذ سنوات.. فهل من المحتمل أن يقوم المغرب بإعادة علاقاته مع إيران؟
لا أدري واتمنى ذلك لمصلحة بلدي ولمصلحة المنطقة. لكن الدبلوماسية المغربية تعاني منذ سنوات طويلة من تبسيطية مذهلة. مثلا قطعت الرباط علاقاتها مع طهران بعد تصريح فاعل سياسي ثانوي بإيران بأن البحرين جزء من إيران، وذلك لإرضاء أمريكا والسعودية والبحرين، إلا أن البحرين نفسها لم تقطع علاقاتها مع طهران، كما وقفت الرياض نفس الموقف الحذر، بل إن الرئيس أوباما بدأ حوارا جديا وصادقا مع إيران أتاح للبلدين التوصل لاتفاق 2015 النووي ورفع العقوبات.
اظهار أخبار متعلقة
نفس هذا الموقف السخيف والمُضر بالمغرب وقفته الخارجية المغربية خلال القمة العربية الأخيرة بالجزائر، وذلك بطرحها أن تكون إدانة إيران وعزلها هي أولوية الأولويات للقمة، وذلك لإرضاء إسرائيل والسعودية، إلا أن الرياض دخلت في مفاوضات مع طهران وحصل تقدم كبير أدى بهما لاتخاذ قرار بإعادة العلاقات بينهما. الخارجية المغربية منعدمة الكفاءة بالشرق الأوسط وأوروبا، وتخلق للبلاد مشاكل أكثر مما تحل.
لماذا توترت العلاقات بين المغرب وإيران في أعقاب اندلاع "الثورة الإسلامية" في طهران عام 1979؟
كان الإسلام السياسي قد بدأ يبرز ويتجذر في المغرب، وتخوّف الملك الحسن الثاني من تأثير الثورة الإيرانية على الوضع بالمغرب، خصوصا وأن الجبهة الشعبية التي أطاحت بالشاه كانت تتكون من رجال الدين واليساريين والديمقراطيين. ولنتذكر أن بعض الثوريين اليساريين المغاربة قد دعوا من داخل سجن القنيطرة السحيق، بعد الإطاحة بالشاه، إلى تحالف يساري إسلامي، كما نُشر بعد ذلك كتاب حُرر داخل السجن يدعو إلى هذا التفاهم لأجل الإطاحة بالملكية المطلقة بالمغرب.
ما هي الإصلاحات التي ترى أنها يجب العمل عليها لتعزيز الديمقراطية وتحسين الحياة السياسية بالمغرب؟
ليست هناك ديمقراطية بالمغرب لنتحدث عن تعزيزها. المغرب كان يحكمه إلى وقت قريب القصر، أما الآن، ونظرا لأسباب صحية، فقد تراجع دور الملك إلى حد كبير، ونظرا لأن السلطة تأبى الفراغ فإن البوليس السياسي هو مَن يحكم اليوم.
الحل هو أن تتوحد المعارضة بكل فصائلها لفرض دستور جديد يمنع على غير المنتَخبين ممارسة الحكم، ولخلق ديمقراطية يسود فيه الملك ولا يحكم، ولا بد من وجود دستور يضع حدا في فصل من فصوله وبكل وضوح لسيطرة البوليس السياسي الذي يتناوب على حكم البلاد مع القصر منذ ستينيات القرن الماضي. سيطرة البوليس السياسي بسبب تراجع دور الملك للأسباب التي ذكرنا خاصية مغربية خلال الستين سنة الأخيرة بالمنطقة؛ فالدول الخليجية يسيطر فيها ولي العهد مثلا، وهذا ما حدث خلال ولايات عهد عبد الله بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان في السعودية ومحمد بن زايد بالإمارات.
كيف تقيم أداء الملك محمد السادس مقارنة بباقي ملوك المغرب السابقين؟
ضاحكا: إذا أجبتك سأرجع للسجن من جديد.
هل هناك خطر ما من اندلاع ثورة تُسقط الملكية وتؤدي إلى فقدان العرش؟
كل التنبؤات الدقيقة أو على الأقل أغلبها فشلت في التحقق. ما يمكن أن أقول هو إنه إذا لم يتم استدراك الأمور بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي عميق يقطع دابر الفساد السياسي والاقتصادي، ويضع حدا لاستحواذ عائلات بعينها على ثروة البلاد وعلى الادخار الوطني، قد يقع انفجار خلال عشر سنين القادمة، ولكن لا يمكن أن أتنبأ بنتائجه بدقة، قد يعطينا ملكية تسود ولا تحكم أو نظاما جمهوريا ديمقراطيا.
المعطي منجب قبل سنوات من اعتقاله للمرة الأولى