مأزق إسرائيل وبحبوحة الأسد

في تصريحات متزامنة مع الغارات الإسرائيلية الأخيرة على العمق السوري، أعاد الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، التأكيد على أن هذه الاعتداءات هي لصرف الأنظار عما تمر به الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو من مأزق داخلي شديد ومن انقسامات عميقة، أيضاً كتعبير عن استياء شديد من قوة النظام السوري والانفراج الأخير في خطوات التطبيع العربي والإقليمي مع الأسد. بعد هذا التصريح وفي يوم واحد أعاد الاحتلال تنفيذ سلسلة من الغارات على مدينة حمص وريفها وبالقرب من مطار المزة، غير آبه للتحليلات والمواقف التي تلي عدوانه، والصادرة عن النظام السوري؛ أو الإيراني المستهدفة قواعده ومنشآته على الأراضي السورية منذ سنوات طويلة وتقتل مستشاريه وقادته العسكريين والأمنيين.

من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي لديه القدرة على تحقيق اختراقات عميقة في الجغرافيا السورية، وعبر أكثر من بوابة، وعلى غرار ما يتلقى من تهديد ووعيد بالرد على عدوانه منذ عقود طويلة عن زمان ومكان أصبحا مصدر غيظ وتأكيد أن مسؤولية النظام نفسه عن سلسلة الانهيارات المتتالية التي يظهر بها أمام العدوان الإسرائيلي، فرضتها شروط الانصياع الكُلي لمتطلبات الاستثمار في البقاء في السلطة ووراثتها. وتحت وطأة هذه الشروط والتمسك بها وضرورة الإصرار عليها، تتضح المسائل من بدايتها التي لا علاقة لها بمأزق الاحتلال أو راحته بالمضي باحتلال أرضٍ سورية وعربية.

وفي الحالتين هما تشيران لكمية التخاذل والتواطؤ في توظيف وجود الاحتلال وممارسته للعدوان، الأمر الذي جعل من مواقف النظام السوري الرسمية في وضعية مفضوحة ومتعرية تماماً، خصوصاً في المواجهة التي يخوضها جيش النظام ضد الشعب السوري منذ 12 عاما؛ مستخدما كامل ترسانته العسكرية ضد المجتمع السوري ويقف مكتوف الأيدي أمام العدو.

كمية التخاذل والتواطؤ في توظيف وجود الاحتلال وممارسته للعدوان، الأمر الذي جعل من مواقف النظام السوري الرسمية في وضعية مفضوحة ومتعرية تماماً، خصوصاً في المواجهة التي يخوضها جيش النظام ضد الشعب السوري منذ 12 عاما؛ مستخدما كامل ترسانته العسكرية ضد المجتمع السوري ويقف مكتوف الأيدي أمام العدو

إذاً خط البداية يقع هناك، عند الخطوط التي وصلت إليها قذائف الاحتلال في عمق الجغرافيا السورية. وبدأت منذ سنوات طويلة وعقودٍ، مع احتلال الجولان بلا عملية مواجهة مباشرة مع الاحتلال، أو إعادة تقييم وقراءة الواقع. أما الإشارة لمآزق الاحتلال وجيشه ومجتمعه وتناقضه الداخلي دون الاستفادة من هذه الثغرات أو البناء عليها لتقوية تحالفات أمنية وعسكرية وسياسية "مفترضة"، وما كان يُصطلح على تسميته محور المقاومة، فإنه قدم فشلاً ذريعاً وسقوطاً مدويا لعدم استغلال ثغرات ومآزق الاحتلال؛ الذي يمتلك بكل "صلابة" وصفاقة القدرة على توجيه الضربات لنظام ادعى تاريخيا بناء ترسانة عسكرية مجهزة لمواجهة المحتل وتحرير الأرض، لكن على أرض الواقع استعملت ضد من يريد أن يحرر الأرض ويصمد فوقها ليكون حُضناً لشقيقه المنكوب على الجبهة المقابلة.

بات في حكم الأكيد أن استباحة السيادة السورية ناجمة بالأساس عن يقين إسرائيلي بعدم قدرة نظام بشار الأسد على رد العدوان، ولأن النظام نفسه يشعر بكثير من الأمان والطمأنينة، ومحاط برعاية عربية وإقليمية ودولية، فهو غير معني بخوض مواجهة أيا كانت طبيعتها مع الاحتلال الإسرائيلي.

اليقين نفسه ينسحب على طهران التي تهدد وترعد بعد كل عدوان بقدراتها الصاروخية على حرق تل أبيب ونسف وجود الكيان، لن تحرك ساكناً لا أثناء العدوان ولا قبله وبعده، ومسألة المواجهة المتبادلة مع الاحتلال محصورة في بعض المناوشات غير الرادعة للعدوان نفسه الذي يتسع ويتمدد رغم المآزق التي بررها تحليل طبيعة العدوان وتأثيره.

ولأن الحقيقة محصورة بدقة الحسابات الموضوعة على الطاولة مع ملفاتها الثقيلة من الملف النووي إلى تطبيع العلاقات الإيرانية العربية، والانشغال العربي في تلميع كرسي نظام الأسد في الجامعة العربية تمهيداً لتنصيبه مجدداً هو كتخفيف من أعباء وأثمان مواجهة الاحتلال وعدوانه، واستبدالها بتحالف الاستبداد العربي فيما بينه، فإن تجميع خيوط العدوان الإسرائيلي سواء على الأرض السورية أو ما يدور على الأرض في فلسطين المحتلة من تصاعد خطير لعمليات القتل والاستيطان والتهويد، والتبشير بإقامة مليشيا بن غفير الإرهابية، مع الخطط الكبيرة للاستيطان والسيطرة لتوظيفها في قتل الحقوق الفلسطينية والعربية، تخلص بنا إلى نتيجة جوهرية، وهي أن من حاول خداع الشارع العربي في الهرولة نحو التطبيع للرضوخ للشروط الأمريكية والإسرائيلية، هو نفسه من خادع لعقود طويلة في دعمه لفلسطين ولمشروع مقاومة الاحتلال ويجد نفسه الآن في مأزق كبير وورطة فاضحة.

العدوان على سوريا بالغارات أو بالاحتلال المباشر قائم ومستمر ومتواصل، وسواءً أعيد النظام لمقعده أو دُمج بمحيطه العربي بمسرحية كبيرة أو صغيرة بترسيخ البعد العربي لعلاقات الأنظمة الأخوية، فذلك لن يُمهد طريق صد العدوان ومواجهته

أخيراً، العدوان على سوريا بالغارات أو بالاحتلال المباشر قائم ومستمر ومتواصل، وسواءً أعيد النظام لمقعده أو دُمج بمحيطه العربي بمسرحية كبيرة أو صغيرة بترسيخ البعد العربي لعلاقات الأنظمة الأخوية، فذلك لن يُمهد طريق صد العدوان ومواجهته، لأن البرنامج العربي والسياسات المتعلقة بالقضية المركزية في فلسطين جلبت الكثير من تفجر الأوضاع واتساع رقعة العدوان.

ولأن الشارع العربي والسوري فُرض عليه بطش وخذلان مهين حطم أسس المنطق والعدل والسلام وقمع مفاهيم الكرامة والمواطنة والحرية والتي بدونها لا تصح ولا تستقيم أسس مواجهة المحتل، سيبقى الحديث عن عدوان إسرائيل كمأزق لحكوماتها الفاشية التي تواجه بحبوحة الأسد وسيطرته على سيادة لا تصلها الغارات في قصره وعقر دار سيطرته.

twitter.com/nizar_sahli