العالم
اليوم وضرورات الفهم:
العالم اليوم يعيد التموضع من جديد،
وهي ضرورة لاستعادة المرونة في مفاصل الحداثة المتجمدة العاجزة عن تحقيق السكينة
للإنسان الراكض من أجل الحياة. ونحن اليوم في هامش هذا الحراك اللهم إلا من صرخات
احتجاج أو تململ، لكن بلا استراتيجية أو تحديد منطق أهداف تتابع إلى غايات محددة،
بل نجد أنفسنا ننتقل من معسكر شرقي إلى معسكر غربي أو من معسكر غربي إلى معسكر
شرقي، لكن لا كينونة لنا بل نتناحر مع بعضنا أو نتفق اتفاقا مهلهلا كالغربال لأننا
لسنا في تصالح مع أنفسنا ولا نعرف العمل الجماعي، وإنما الأمم التي تفرقت بإزاحة الإسلام
عن حياتها العملية أضحت تبحث عن سيادة وهمية فلا تتفق إلا بسيادة الغرب والشرق
عليها.
انطباعات
تعزز التخلف:
1- لقد استطاع المستعمرون والقوى
الضاغطة المهيمنة ترسيخ الدونية كإحساس في الأمة من خلال توطين السلطة بيد أناس
متناقضين متضادين، أو عسكر منقلبين يتبادلون السلطة يبعدون مواطن النهضة ونخبها بأي
أسلوب وتحت أي تهمة، ليرسخوا هذا الإحساس بالفشل والتخلف، وإبقاء الماضي المقدس
الذي يلتفت إليه الجميع حتى النخب؛ فهي تسير غير منتبهة لخطواتها فتسقط في الحفر ولا
تنتج أكثر من إحباط متزايد وعجز مترسخ.
رغم أن علماء الكيمياء والفيزياء كانوا تاريخيا هم فقهاء في الدين، نجد إسقاط النموذج الغربي في فرض العداء بين الدين والتطور المدني، حيث ينهض الغرب حتى تخلص من سطوته لأنه كان قامعا للعلم وأهله، رغم وجود بعض من اهتم بالعلم من رجال الدين، لكن اهتمامهم هذا مزج بنقلهم للمدنية بلا جذورها نتيجة التعصب فولدت المدنية والنمطية الغربية خديجة ثائرة، لتسقط الدين من حسابها وتتجه نحو الحداثة بفكرة النفعية والمتعة
2- إسقاط التاريخ الأوروبي
ومقارباته حول العلاقة بين الدين والدولة، ونحن نقرأ في التاريخ أن ومضات الأمة
الصاعدة عندما تقترب من الدين وتنخفض بابتعادها وميلها إلى السطوة والسلطان.. فرغم
أن علماء الكيمياء والفيزياء كانوا تاريخيا هم فقهاء في الدين، نجد إسقاط النموذج
الغربي في فرض العداء بين الدين والتطور المدني، حيث ينهض الغرب حتى تخلص من سطوته
لأنه كان قامعا للعلم وأهله، رغم وجود بعض من اهتم بالعلم من رجال الدين، لكن
اهتمامهم هذا مزج بنقلهم للمدنية بلا جذورها نتيجة التعصب فولدت المدنية والنمطية
الغربية خديجة ثائرة، لتسقط الدين من حسابها وتتجه نحو الحداثة بفكرة النفعية
والمتعة، وهي تتطور طبيعيا لنرى اليوم ما وصلت إليه من طرق مسدودة ببعد المنظومة
الأخلاقية الإسلامية التي تحولت محض سلوك نفعي في المعاملات الغربية عند نقل
المدنية بلا عناوين إسلامية.
3- خطأ تفسير
أحاديث العلم: في العصور المتأخرة تكونت المؤسسة الدينية التي لا وجود لها في
الفكر الإسلامي، ففسرت العلم النافع بأنه العلم الشرعي وقدست مخرجاته لدرجة احتكار
الحقيقة، وهذا أدى إلى اجترار رهيب لمقومات التخلف الذي ما زلنا فيه، بينما العلم
عام وهو يشمل الطب والهندسة والفضاء والفلك والفلسفة وكل ما يقود العالم اليوم من
علوم الفيزياء والكيمياء والإلكترونيات.
مخرجات واقعية
مخرجات ما ذكرنا أعلاه
هي واقعنا هذا، فمقالتي هذه لو يكتبها شخص أوروبي لكانت متداولة في فضاءات التواصل
ويشار إليها كدستور لا يأتيه الباطل من خلفه أو بين يديه، فقناعة الناس بتفوق
المستعمر بل التخلق بسلوكياته القشرية، والابتعاد عن مصادر القيم التي تتفق مع
السلوكيات النفعية لكن بقيمة دينية وأخلاقية، بينما السلوكيات النفعية توجد حيث
المنفعة واللذة وتختفي في غير ذلك. ولا يخلو الإنسان من فطرة الطيبة لتكون حالات
إنسانية لا تكاد تميزها عن كونها شاذة، بل هي النموذج الحقيقي لأخلاقيات نُقلت
لسلوك بلا أصلها الفطري.
معالم النهضة
1-
الاقتصاد:
المستعمر ترك محددات واتفاقيات بحيث لا يكتفي البلد الغني ذاتيا، بل تبقى المجاعة
مع سوء الأنظمة التي لا تقوم بكفالة مواطنيها وتنظيم حياتهم إيجابيا رغم تدخلها
بالتفاصيل وقمع الناس، بل إن ما خُلق من فتن حدد التكافل المجتمعي وبقايا الثقافة الإسلامية.
ولم تقم الدولة بهذا الدور كما يحصل في الغرب، ولا تهتم بأبسط احتياجات المواطن
والحياة من صحة ومعاش الكفاف وحاجاته اليومية وما تتطلب من تسهيلات كالبنى التحتية
وتوابعها، كالطاقة والرفاهية بأبسط صورها؛ فبقي الغرب القدوة وتقليده بما نرى ما
يقود للتفاهة والاستخفاف بالقيم ولليس بالتطور المدني أو الاستلال الذاتي؛ لأن من
يحكم غير مؤهل لهذا بل يمنع من يصل إلى السلطة وله تلك القابلية من خلال
الانقلابات أو الديمقراطية المشوهة التي لكم تكتسب التأهيل في مجتمعنا.
2-
قيام دولة حقيقة وليس سلطة، وهذا يأتي من خلال ناس لهم الأهلية.
3-
تطوير
العلوم ومنها علوم الدين بفهم واسع ولكل الأديان، والإسلام بالذات لكونه
ثقافة ونظام مجتمع ونمط حياة يمكن أن يتعامل مع الجميع إن فُهم بشكل صحيح؛ وليس
بالمسخ والتشوه المصنّع الذي نراه، وهذا أمر معروف فلإسلام لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه.
كيف
نحقق ذلك:
إن أول ما نهضت
عليه أوروبا أنها أدخلت ما يشبه مراكز الدراسات، هذه تحدد كل المتغيرات وتدرس الأوضاع
وتفاصيل متطلبات الاقتصاد والسياسة والعلوم، وهو أمر عندنا موجود بشكل مظهري ليس
فعالا.
إنشاء عملتك بدعم
ثروتك:
إن أهم معالم
الاستقلال الاقتصادي هو استقلال العملة والقدرة بالتحكم بالثروات، فبلدان نفطية لا
بد لها من عملة مدعومة بالإنتاج المحلي الطبيعي أو المنتج كالنفط والثروات التي
يمكن أن يؤسس لها في استثمار عوائد النفط، بدل إنفاقها على شراء النوادي الرياضية
والسيارات واليخوت ورفاهية لا يتمتع بها الحاكم الذي يقتنيها لأنها أمر غير منسجم
مع البيئة، ويعتبر المؤرخون إنشاء عبد الملك بن مروان العملة الخاصة بداية عهد
الدولة القوية حقيقة.
اليوم نواجه أزمات في المياه والاقتصاد والحروب التي تنظر لمنطقتنا كجائزة الفائز للهجوم عليها مستسلمة وافتراسها، فلا بد من خلق نوع من التكامل الإداري والسياسي وبناء استراتيجيات وأيديولوجيا متكاملة غير متضادة تتعاون في كل شيء، ولا تتنافس سلبيا أو تتبنى السلبيات التاريخية وتعظمها فتكون هي أساس الأيديولوجية أو مغذيات الصراع
لقد استثمر الغرب
الذهب المسروق والمعادن الثمينة من أمريكا عند اكتشافها ببناء بنية صناعية وتحتية
ومراكز دراسات تجيب على أسئلة النهضة، وما زال الغرب يسرق أفريقيا ودول العرب
والمسلمين؛ وهم جياع يعيش بعضهم على النفايات وفي العشوائيات بلا سياسة اقتصادية أو
إدارة للموارد بكل أنواعها أو إمكانية التعاون فيما بينهم. الفرصة اليوم مواتية
لإنشاء اقتصاد خاص بدل دعم اقتصاد دول أخرى.
التكامل
في إدارة الموارد:
اليوم نواجه أزمات في المياه
والاقتصاد والحروب التي تنظر لمنطقتنا كجائزة الفائز للهجوم عليها مستسلمة
وافتراسها، فلا بد من خلق نوع من التكامل الإداري والسياسي وبناء استراتيجيات
وأيديولوجيا متكاملة غير متضادة تتعاون في كل شيء، ولا تتنافس سلبيا أو تتبنى
السلبيات التاريخية وتعظمها فتكون هي أساس الأيديولوجية أو مغذيات الصراع.
ولا بد من تطوير
العلوم مثلا كيف نطور الطب والهندسة وبحوثهما والإدارة والصناعة بشكل مشترك
مؤسساتي، والابتعاد عن السرديات التي تخاطب الغرائز ومنها التدين؛ إلى تحقيق
المقاصد من أرقى عقيدة وثقافة، بالبحث فيها بما يقود الحياة والمستقبل وليس
استحضار الماضي.